التوقيت الإثنين، 23 ديسمبر 2024
التوقيت 09:43 ص , بتوقيت القاهرة

الشهيد لولو !

مع اعتراضي الكامل على قتل كلب أو أي حيوان بهذه الطريقة البشعة، التي تمت بها جريمة قتل الكلب الذي عقر عددا لا بأس به من الشباب في مشاجرة أو في محاولة سرقة أو في أي حالة، كانت من القصص الكثيرة التي سمعناها على لسان الطرفين.


وأكرر.. رغم اعتراضي على هذه الطريقة في قتل الكلب، إلا إني أرفض أيضًا الطريقة التي تناول بها الإعلام هذا الموضوع ليصوره للناس على أن مصر أصبحت دولة وحشية، وأن المصريين شعب همجي أصبح يقتل الحيوانات في الشارع ويمثل بها.



وأرفض أيضا ما قامت به منظمات حقوق الإنسان والحيوان، التي لم تظهر ولم نسمع لها صوتا في مقتل واستشهاد العشرات من أبناء مصر الأبرار، وهم يدافعون عن مصر في معركة مع أعداء أصبحوا أكثر من الهم على القلب.. لم نسمع لهم حسا بعد مذبحة "كرم القواديس" التي صورتها الجزيرة لحظة وقوعها.



لم ينظم أحد من أنصار ومدعي حقوق الإنسان أو الحيوان مسيرة للتنديد بقتل ضباط الجيش والشرطة الذين يتساقطون كل ساعة في كل مكان على أرض مصر.. لم نشاهدهم يعترضون على سقوط المدنيين قتلى ومصابين كل ساعة بقنابل ومتفجرات الإخوان التي يزرعونها في كل مكان على أرض مصر.


 لم نشاهدهم يخرجون في مسيرات تطالب الإخوان بالامتناع عن قتل الأبرياء وحرق المنشآت وأبراج الكهرباء وأتوبيسات النقل العام والسنترالات والمصالح الحكومية.. ولكن شاهدناهم يخرجون في مسيرة لأن كلبا قُتل على أيدي البعض بعد أن عقر منهم عددا لا بأس به وأصاب أحدهم في منطقة حساسة من جسده.


لم نشاهدهم في مسيرة تندد بجنود مصر الذين قتلوا في مجزرة رفح الأولى أو الثانية التي قتل فيها الإرهابيون خير أجناد الأرض بدم بارد وهم يكبرون، وكأنّهم يقتلون أعداءهم من اليهود الذين يحتلون بيت المقدس حتى هذه اللحظة.



استفزني بشدة ما فعله وائل الإبراشي في برنامجه باستضافة أهل الجاني ومحاميه، ليوجه لهم الاتهامات بدلا من أن يترك لهم حرية الكلام وتوضيح موقفهم.. ومحاولاته المستمرة لاستفزاز الضيوف هو والمتصلون على الهاتف، والذين كان بعضهم يصور الموقف على أنه كارثة وأزمة أخلاقية، ولم يكن ينقص الإبراشي وضيوفه، إلا أن يُطلقوا لقب الشهيد على الكلب الذبيح، بعد أن أصبحت الشهادة تُباع على النواصي بعد أحداث الربيع العربي و25 يناير التي حولت كل بلطجي إلى ثائر وكل قتيل في اقتحام سجن أو قسم شرطة إلى شهيد.. يعني هي جت عالكلب.. وبالمرة يبقى شهيد النضال الحيواني.



ولن أقول إن هناك الكثير من القضايا الخطيرة والحساسة كانت تستدعي مناقشتها، بدلا من تضييع وقت المشاهدين في مناقشة قضية الكلب الشهيد.. أو الشهيد الكلب الذي كان يستخدم في ترويع المارة وخلافه كما يحدث في أماكن كثيرة وعلى أيدي شباب كثيرين يسيرون بالكلاب في الشوارع لمعاكسة الفتيات وترويعهم واستخدام الكلاب في المشاجرات والسرقات.


ولكن كان الأولى بالأخ الإبراشي أن يترك الجميع يتحدث دون أن يكون وصيا على أحد أو  في صف طرف على حساب الآخر كما تعلمنا جميعا أن نكون على الحياد عند مناقشة أي قضايا حتى لو كانت قضية الكلب لولو !


ويبدو أن ما حدث ويحدث هو الطبيعي والعادي جدا في مصر.. ففي الوقت الذي تخوض فيه مصر حرب مصير وحرب وجود.. وفي الوقت الذي يسقط في الشهداء كل ساعة من الجيش والشرطة.. ينصرف إعلامنا الهادف أو الهايف مش فارقة  لمناقشة قضية كلب مسعور تم قتله، ويتم أيضا استدعاء المباحث والاستعداء عليها أيضا إذا لم يتم القبض على الجناة الذين تم ضبطهم فعلا ويتم التحقيق معهم بتهمة قتل حيوان.


لماذا لم نجد منكم من يهتم لقتل إنسان أو حتى إصابة ضابط شاب في مقتبل العمر ليفقد عينه أو ذراعه أو نصف وجهه أو يصاب بالشلل فيجلس على كرسي متحرك بدلا من الجلوس في كوشة الفرح.. لماذا لم يتحرك أحد اعتراضا على مقتل المحامي الشاب أمام دار القضاء العالي مثلا، في الوقت الذي تحرك فيه كل هؤلاء لمقتل كلب مسعور.



لماذا لا تهتمون لقتل شاب في بداية حياته لم يسعده الحظ برؤية طفله أو طفلته المولودة حديثا؟.. لماذا لم تتحرك قوافلكم وكاميراتكم وعدساتكم لتصور مشاهد الأمهات الثكالى وهم يبكون أبناءهم الذين راحوا ضحية الغدر والإرهاب؟ لماذا لم يتحدث أحد منكم عن الرجل الذي انفجرت فيه قنبلة وهو يحمل ابنته ويسير في سلام ليكون الموت جزاءه هو وطفلته البريئة ؟



إنها الازدواجية القاتلة في أبشع صورها من مدعين كاذبين، يمثلون علينا أدوار حماة الإنسان وحقوق الإنسان وهم في الحقيقة لايستحقون لقب إنسان.. أين الشعارات الرنانة والعبارات الطنانة التي نسمعها منكم في كل مرة يسقط فيها أحد المصابين في تظاهرة خرجت دون تصريح لتحرق وتخرب في الوقت الذي تختفون فيه لو سقط أي فرد من الشعب ليس على مقربة من دوائركم اللعينة.


أين ألقابكم العديدة والشهيرة التي تطلقونها على كل من يسقط من أنصاركم؟ أين لافتاتكم التي تندد بقتل كلب مسعور وتنسى رجالا صدقوا ما عاهدوا الله عليه وقدموا أرواحهم فداء للوطن حتى يعيش أمثالكم وينعموا بالراحة والسعادة ويخرجوا في تظاهرات مخزية تندد بقتل كلب مسعور، وتنسى أن مصر محاطة بالأعداء في الداخل والخارج.


أما البوبي تبعكم فامنحوه لقب الشهيد بالمرة يعني هي جت عليه.. وياعم وائل يا إبراشي ارحمنا من عبقرياتك .. فالمصريون في حاجة إلى الرحمة قبل أن يتحولوا جميعا إلى شهداء وساعتها أيضا لن يجدوا من يتكلم عنهم أو يخرج في مسيرات تندد بموتهم لسبب بسيط جدا وهو  أن الجميع مشغول بوفاة أو استشهاد الكلب لولو.