"ديكور" في عالم افتراضي
"ديكور" فيلم سينمائي عُرض مؤخرًا في مهرجان المركز الكاثوليكي المصري للسينما في (دورته الثالثة والستين).. وهو تجربة فريدة للمخرج الشاب الطموح "أحمد عبدالله" بطولة "خالد أبو النجا" و"حورية فرغلي" و"ماجد الكدواني" تأليف محمد دياب" و"شيرين دياب".
وينبع سر تفرده في جنوح مخرجه إلى طرح رؤى وأشكال مغايرة ومختلفة عن السائد والمعتاد والمألوف.. محاولاً اجتذاب متفرج أصبح أسيرًا لسينما زائفة في أغلبها تروج لكل ما هو قبيح ومتدن رخيص، سواء فيما يتصل بمحتوى الموضوعات التي يطرحها أو في شكل تناولها.. وأصبحت توليفة السبكي التي تحتوي على الثالوث الشهير "البلطجي" و"الراقصة" و"المطرب الشعبي" هي غايته ومبتغاه ومصدر حبوره وسعادته.
وتتمثل جرأة "أحمد عبدالله" في مجابهة وتحدي وتصدي احتياجات المتفرج.. فهو يعلم بالطبع أن عبارة "الجمهور عاوز كده" التي يبرر بها أصحاب السينما الهابطة أسباب تدني مستوى ما يقدمونه من أفلام – هي عبارة صحيحة.. بل إنه "عاوز كده" وكده كمان"، مهما حاولنا أن ننفي عنه تلك المقولة الشائعة منذ زمن طويل رغم أنه يثبت طول الوقت صدقها.. والدليل الدافع على ذلك أن الأفلام التجارية المسفة تحقق أعلى الإيرادات دائمًا بينما الأفلام الجادة والعميقة ينفض عنها المتفرجون.
والنماذج على ذلك صارخة وصادمة نذكر منها مثلاً أن فيلم "باب الحديد" للمخرج الكبير "يوسف شاهين"، والذي كان مرشحًا وقتها للتنافس على جائزة من جوائز مهرجان "كان" .. كسر فيه المتفرجون كراسي السينما التي تعرضه، مطالبين باسترداد نقودهم في صيحات غاضبة هادرة مصحوبة بسباب مقذع لصانعيه.
إن "أحمد عبدالله" الذي يصارع في همة وحماس لكي يجد له مكانًا متميزًا بين مخرجي السينما المصرية.. يراهن رهانًا صعبًا وجسورًا في توقيت حرج وظروف إنتاجية صعبة.. فيتناول في طرحه السينمائي أزمانًا متداخلة.. ومواقف درامية ملتبسة وشخصيات غامضة في تكوينها النفسي والاجتماعي.. ويمزج بين تيار الوعي واللاوعي.. ويعالج موضوعًا غريبًا فقير الأحداث متمهل الإيقاع.. مقتضب الحوار.. حزين ومقبض في تفاصيله..
يخاطب عقل المتفرج ويثير هواجسه دون أن يهز مشاعره أو يدغدغ حواسه أو يشعل وجدانه.. بل إنه يتعمد أن يصيبه بالارتباك والحيرة بأحداث تدعوه إلى التأمل لفك ألغازها والبحث عن مفاتيح أسرار شخصياتها التي تضع حاجزًا كثيفًا بينها وبينه وتضن عليه بالتفسير والإيضاح.. من خلال صراع داخلي مرهف وغريب.. وجو عام قاتم وكئيب عن طريق "الأبيض والأسود" معتمداً على حركة "الظل والنور" .. زاهداً في الزخرف اللوني.. وغوصًا في محاولة فهم لغز النفس الإنسانية وتفسير أبعادها وأفعالها وردود أفعالها.
الموضوع ينتمي إلى سينما "السيكودراما" التي تستهوي دائمًا مؤلفها "محمد دياب"، من خلال شخصية البطلة التي تعاني من "ضلالات مرئية" واضطرابات سلوكية مجهولة المصدر.. هي خليط من تشوش الواقع واختلاط الأزمنة.. وتضارب الاتجاهات.. ومن ثم يمتزج العالم الواقعي بالافتراضي.. والموضوعي بالخيالي.. والاجتماعي بالنفسي.. والعابر بالثابت.. المصيري بالمتغير.. والخاص بالعام.. والأحلام بالهذاءات.
وقد لخصت اللجنة التي اختارت الفيلم ليعرض في المهرجان أسباب الاختيار لتقديمه رؤية عن الصراع الذي يحدث بين الوهم والحقيقة في حياة الإنسان، وكيف يؤثر هذا الصراع على أسلوب الحياة؟.. وهل يفضل في نهاية الأمر أن يحيا الحياة الحقيقية أم الوهم الذي عاشه وذلك برؤية إنسانية فلسفية بالغة العذوبة.
لكن الفيلم في النهاية يثير جملة من التساؤلات لعل أهمها إلى أي مدى يمكن أن يتجاوب المتلقي مع عمل درامي يعالج موضوعًا يبتعد كثيرًا عن هموم الواقع المعاش ويقترب في الوقت نفسه كثيرًا من معاناة شخصية لبطلة تتقوقع في ذاتها، وتنسج من اضطرابها العقلي عالمًا خاصًا جدًا ذاتي ومنغلق انغلاقًا يستعصي على الاندماج أو التفاعل مع المجتمع.
والموضوع بهذا الشكل يفتقر إلى التعبير عن العلاقة الجدلية بين الإنسان والمجتمع.. لدرجة أن اللمحات التي ظهرت في بعض المشاهد والمتعلقة بعمل الزوج "الكدواني"، التي تكشف عن وقائع سياسية معاصرة.. بدت وكأنها مقحمة على العمل ولا قيمة حقيقية لوجودها.