"عباس أفندي".. الرجل الذي نشر البهائية في العالم
يوجد أكثر من سبعة ملايين شخص يعتنقون الديانة البهائية حول العالم، وهي الديانة التي أسسها "بهاء الله" في إيران، في القرن التاسع عشر.
الديانة البهائية
هي دين عالمي مستقل كل الاستقلال عن أي دين آخر، وليس طريقة من الطرق الصوفية ولا خليط مقتبس من الأديان المختلفة، كما أنه ليس شعبة من شعب الدين الإسلامي أوالمسيحي أواليهودي، فللدين البهائي كتبه المقدسة وشرائعه الخاصة، ونظمه الإدارية وأماكنه المقدسة.
رسالة البهائية تتلخص في المبادئ الروحية الاجتماعية التي تنص علي تحقيق نظام عالمي جديد يسوده السلام العام، ويضمن لجميع أفراد الجنس البشري العدل والرفاهية والاستقرار، وخلق حضارة إنسانية دائمة التقدم.
انتشرت هذه الديانة علي يد "عباس أفندي"، وعرف عنه اللطف والكرم ومواساة المساكين والفقراء.
من هو عبد البهاء؟
عبد البهاء عباس، الذي عرفه أهل مصر والشرق باسم "عباس أفندي"، هو الابن الاكبر لـ"بهاء الله"، رسول الدين البهائي، وقبل وفاة بهاء الله كتب وصية بخط اليد لابنه "عباس أفندي" ليتولى بعده الخلافة في إدارة شؤون الدين البهائى، وأن يتبع نهج أبيه في تدبير أمور الجامعة البهائية.
ولد "عباس أفندي" في مدينة طهران في 23 مايو 1844، وهو نفس اليوم الذي أعلن فيه السيد علي محمد الملقب بـ"الباب" دعوته ببلاد فارس، للإعلان عن مجىء رسالة عالمية لتوحيد البشر وإقامة السلام في العالم، وهي الرسالة الإلهية لـ"بهاء الله"، والد عباس أفندي.
عباس أفندي بصحبة والده "بهاء الله" في سجن طهران
شب عباس أفندي منذ يومه الأول في ظل والده بهاء الله، فشاطره المنفى وآلام السجن والتعذيب ونفيه، وكان يبلغ من العمر ثماني سنوات عندما دخل والده السجن في طهران، واستمر سجن عباس أفندي حتى بعد وفاة والده، وظل في السجن لمدة أربعين عاما.
أطلق سراح "عباس أفندي" في سبتمبر 1908، بعد سقوط حكم السلطان العثماني في ثورة تركيا الفتاة، وكان قد بلغ سن الشيخوخة حين نال حريته، فقرر أن يستمر بالعيش في فلسطين التي ضمت رفاق والده.
تولى عباس أفندي شؤون الدين البهائي خلفًا لوالده، وقام بمهمة صعبة بكل حكمة ونشاط وصبر، كان ينشر قواعد الوحدة والاتحاد والحث على نشرهما بين البشر، والعمل على دعم أُسس العدالة والإنصاف والسعي لبناء صرح السلام العالمي.
وأمضى عباس أفندي باقي سنوات عمره في السفر والكتابة والمراسلة، والترويج لتعاليم والده بهاء الله، وتوجيه مسيرة الجالية البهائية التي بدأت بالانتشار في مناطق مختلفة من العالم، وقام عباس أفندي بزيارة عدد من دول الشرق الأوسط وأوروبا وأمريكا الشمالية قبيل الحرب العالمية الأولى.
زيارة عباس أفندي لمصر من (1910 :1913 )
كانت أول زيارة قام بها عباس أفندي في شهر سبتمبر عام 1910، هي زيارته إلى مصر، حيث أبحر من الأراضي المقدسة إلي بورسعيد وأقام في مصر مدة شهر واحد عزم بعدها الإبحار من بورسعيد إلى أوروبا لنشر دعوة والده.
لم يكن عبد البهاء عازما على البقاء في مصر، وعندما أبحر من بورسعيد بعد شهر من وصوله قاصدا السفر إلى مرسيليا، أصيب بوعكة صحية اضطرته لتأجيل رحلته، وظل بالاسكندرية وأقام مدة عام كامل للاستشفاء، زار خلالها القاهرة وضاحية الزيتون والمنصورة والإسماعيلية وأبي قير، وبعض الضواحي الأخرى.
وصل عباس أفندي إلى الإسكندرية ونزل أولا في فيكتوريا بالرمل، وظل هناك بضعة أيام ثم أخذ منزلا بالقرب من "شتس"، وظل عباس أفندي مركز اهتمام ومقصد كبراء العلماء والأعيان في أثناء وجوده بالإسكندرية، ليستفيدوا من علمه وحكمته.
كان "عباس أفندي" عنوان اللطف وكرم الأخلاق، وكان محبا للخير ورقيق العواطف، يواسي المساكين والفقراء، ولا فرق عنده بين الأديان مهما تعددت، فالمسلم والمسيحي واليهودي على السواء أمامه، ينظر إلى إنسانيتهم لا إلى مذاهبهم.
وقد صدرت جريدة الأهرام في ذلك الوقت، يوم 19 سبتمبر 1910، لتعلن خبرا كان مبهما للمصريين آنذاك، وجاء فيه:
وصل عباس أفندي "عبد البهاء" زعيم البابية إلى بورسعيد منذ بضعة أيام تاركا مقره في مدينة عكاء
وهكذا بدأ أتباع "عباس أفندي" من الإيرانيين يتوافدون إلى بورسعيد للتبرك برؤيته، وتضاربت الأقوال في ذلك الوقت حول سبب مجيئه إلى مصر، فالبعض يقول انه ترك عكا خوفاً من بطش الحكومة الدستورية، والبعض الآخر يقول إنه جاء إلى مصر للاستشفاء من مرض الربو، ولم يكن عبد البهاء معروفا لدى المصريين في ذلك الوقت، ولم يكن هناك انتشار كبير للدين البهائي في مصر.
وفي أغسطس عام 1911، سافر عباس أفندي من ميناء الإسكندرية إلى مرسيليا، ومنه إلى سويسرا، ثم وصل إلى العاصمة البريطانية لندن وأقام بها شهرا واحدا، وغادرها إلى باريس التي مكث بها تسعة أسابيع ليعود بعدها إلى مصر ويقضى الشتاء بمدينة الإسكندرية وسافر منها إلى نيويورك.
قام عبد البهاء بجولة واسعة بالولايات المتحدة الأمريكية من المحيط إلى المحيط، وتوجه إلى شيكاجو ليضع بيده الكريمة حجر أساس أول معبد بهائي "مشارق الأذكار" على أماكن العبادة للبهائيين، ولا تقتصر العبادة بها على البهائيين فحسب، بل هي مفتوحة لكل من يريد التعبد و الصلاة من شتى الديانات وفقا لعقيدته، شرط مراعاة الهدوء والسكينة واحترام الآخرين.
وبعد جولة أخرى في أوروبا زار فيها ليفربول وأوكسفورد وأدنبرة وشتوتجارت وبودابست، وصل إلى بورسعيد مرة أخرى في 17 يونيو، ثم انتقل إلى الإسكندرية حيث مكث في ضاحية الرملة حتى الثاني من ديسمبر عام 1913، وليعود بعد ذلك إلى الأراضي المقدسة قبل نشوب الحرب العالمية الأولى في عام 1914.
الحرب العالمية الأولى (1914 :1919)
استمرت الحرب العالمية الأولي لمدة خمسة أعوام من 1914 إلي 1919، ونتج عن هذه الحرب التي نشبت بين ألمانيا والنمسا وبريطانيا وفرنسا وروسيا وتركيا، انتشار الفقر والمجاعات في لبنان وسوريا وفلسطين، فأخذ "عباس أفندي" يمد يد العون لينقذ حياة الأطفال والعائلات الفقيرة هناك فكان يقوم بتوزيع الطعام على الفقراء والمحتاجين وفرض نظاما من التقشف على أهل بيته و أصحابه ليساعد المساكين.
وكان يزور المرضى ويواسى الجميع في محنتهم، فشهد له أهل فلسطين كبارا وصغارا بأنه "سيد المحسنين" ولم يفرق في إحسانه بين عدو وصديق، ولكن معياره كان حاجة الإنسان في شدته.
وفي إبريل 1919 أعلن "عباس أفندي" عن برنامج مفصل لتحقيق أهداف رسالة والده "بهاء الله"، ونشر مبادئ وحدة العالم الإنساني.
وفاة عبد البهاء "عباس أفندي"
جاء خبر وفاة "عباس أفندي" صدمة مفجعة لكل أتباع الدين البهائي، إذ توفي يوم الإثنين 28 نوفمبر من عام 1921، عن عمر يناهز السابعة والسبعين عاما، لتنتهي أسطورة عبد البهاء الملقب بـ"أبي الفقراء والمساكين"، ونعاه الكبير والصغير، وكان موكب جنازته صورة لم تشهدها الأراضى المقدسة من قبل، ولأول مرة توحدت الطوائف الدينية، والتحمت أطياف المجتمع لتأبين من كان خادما لقضية السلام العالمي.