التوقيت الإثنين، 23 ديسمبر 2024
التوقيت 08:31 ص , بتوقيت القاهرة

ريفيو| "خارج الخدمة" رحلة جديدة في عالم "الدخان الأزرق"

عندما شاهدت البرومو الترويجي لفيلم "خارج الخدمة" شعرت أنني أمام حالة خاصة تجمع تناقضات النفس البشرية في تجربة ترصد حال قطاع كبير من الشباب، يلجأ لتغييب الوعي هربا من الواقع والمشكلات التي تحاصرهم، إلا أن هذه الحالة سرعان ما تلاشت بسبب المشكلات الدرامية التي ظهرت في أحداث الفيلم، الذي كتبه السيناريست عمر سامي، وأخرجه محمود كامل وقام ببطولته أحمد الفيشاوي وشيرين رضا.



للوهلة الأولي يذهب المخرج محمود كامل بك في رحلة مشوقة متميزة بصريا وموسيقيا في أكثر تجاربه الفنية نضجا وتماسكا، بعد عدة تجارب موفقة نجح من خلالها في وضع اسمه في مرتبة متقدمة بين مخرجي جيله.


ونجح كامل في خلق حالة بصرية ثرية بالتفاصيل والمفردات رغم قلة أماكن التصوير حيث تدور النسبة الأكبر من أحداث الفيلم داخل شقة هدى.. متفاديا حالة الرتابة التي قد تتسبب فيها هذه النوعية من الأفلام التي تعتمد علي أماكن التصوير المحدودة.



وكان "كامل" موفق للغاية في اختياراته الفنية علي الشاشة وخلفها حيث برع الفنانون والمساعدون في إضفاء حالة خاصة من المتعة علي الأحداث رغم تشتت المشاهد في كثير من الأحيان نتيجة السيناريو الذي لم يجد مؤلفه مبررات مقنعة ورابط لشخصياته والعلاقات التي تجمعها، ورغم ذلك نجح في أن يقدم توليفة فنية مميزة.



أما سيناريو الفيلم فعابه العديد من الأمور، من بينها عدم وجود رابط قوي يجمع شخصيتي "هدي" التي جسدتها شيرين رضا، و"سعيد" -أحمد الفيشاوي-، بالإضافة إلي قلة المعلومات الخاصة بالشخصيتين، واهتم فقط بالجانب الشكلي الخاص بحالة "الغيبوبة" التي لجأ لها كل منهما، دون أن يوضح الدوافع أو المأساة التي أدت بكل منهما إلي طريق تعاطي مخدر الحشيش، رغم اهتمام بطلا الفيلم بإبراز ذلك مرارا من خلال تعبيراتهما.


ورغم نمو العلاقة بين شخصيات الفيلم وتطورها إلا أن المؤلف لم يكلف نفسه عناء توضيح هذا التطور دراميا، واكتفى برسم الصورة الخارجية للتعاطي فقط وبرع في وصف حالة اللاوعي التي تسيطر علي المتعاطي، واهتم بذلك على حساب التفاصيل الأخرى، التي لو كان اهتم بها لخلق عملا متكامل.



وفي الأداء التمثيلى أبدع الفنان أحمد الفيشاوي في تقديم دوره، وأجاد في وصف ملامح شخصية "سعيد" واهتم بأدق التفاصيل بداية من الشكل وصولا لأداء انفعالات الشخصية واضطراباتها النفسية ومأساتها، ونجح في خلق بسمه علي شفاه المشاهدين بخفة ظلة الناتجة عن حالة "اللاوعي" التي تعيشها الشخصية التي جسدها، وكان موفق جدا، وقدم واحد من أفضل أدواره.



كما تميزت الفنانة شيرين رضا في رسم ملامح شخصية "هدى" الخارجية التي تناولها سيناريو الفيلم للمرأة التي تعيش وحيدة بعد وفاة زوجها، وتتعرض للابتزاز من قبل "سعيد"، وتسمح له باقتحام حياتها واغتصابها أكثر من مرة بعد خناقاتهما المستمرة التي انتهت دائما بعلاقة جسدية، وإن عابها الارتباك في المشاعر في عدد من المشاهد.



كما تميز الفنان محمد فاروق في رسم ملامح شخصية مروج المخدرات "ممدوح" وبرع في تقديم انفعالاتها باستغلال تعبيراته الجسدية والشكل الخارجي للشخصية، وتميزت موسيقى تامر كروان بالتناغم والبعد عن المنطق التجاري، وقدم جمل لحنية عبرت بشكل بسيط ومؤثر عن طبيعة العلاقة بين الشخصيتين وتعبر عن مشاعرهما وأزماتهما وردود أفعالهما.



كما برع مدير التصوير البريطاني الفنزويلي، أرتورو سميث، في خلق حالة بصرية معبرة عن عالم الدخان الأزرق الذي يعيش فيه المتعاطي، ورسم لوحة تشكيلية مبدعة استمتع بها المشاهد، كما كانت ملابس الشخصيات أكثر من رائعة، وعبرت عن الحالة الفوضوية التي يعيش فيها كل من بطلي الفيلم.



وكان أكتر ما جذبني لمتابعة فيلم "خارج الخدمة"، النجاح في تقديم حالة جديدة، ومختلفة نوعاً ما عن المسار الحالي في السينما المصرية، الذي يعتمد علي الصغية التجارية دون الاهتمام بالقصة، ويعد الفيلم محاولة جادة لتقديم صورة مختلفة وجديدة للأفلام التي تتناول عالم المخدرات.