التوقيت الإثنين، 23 ديسمبر 2024
التوقيت 02:01 م , بتوقيت القاهرة

Fifty Shades of Grey رومانسية بتوابل جنسية وجنس بتوابل رومانسية

توقعتُ أن ننتظر شهرين في المتوسط لنشاهد نسخة عالية الجودة من فيلم خمسون ظلا لـ جراي Fifty Shades of Grey  الذي بدأ عرضه عالميا 12 فبراير ليواكب الفالنتين، وتم منعه في أغلب الدول المحافظة بسبب مشاهده وأجوائه الجنسية. لكن يبدو أن أهمية الفيلم وشهرته جماهيريا خصوصا وسط المراهقين، كانت سبب تركيز ونجاح قراصنة الأفلام على الإنترنت سريعا في انتزاع نسخة شبه ممتازة بعد أسبوعين فقط لا غير، لا يعيبها إلا بعض التقطيعات المتوفرة في نسخ أقل جودة، ووجود ترجمة مطبوعة باللغة الصينية. وهو ما يجعلنا نتساءل من جديد، هل نحن في عصر توجد به "رقابة" فعليا على أرض الواقع، تحدد ما يمكننا مشاهدته؟


على كل قبل المراجعة النقدية هنا، أنصح بشدة بقراءة (المقال السابق) عن الفيلم، ليس فقط لأنه مقال أكثر تفصيلا عن أهمية تأثيره وأصله الأدبي، ولكن لاحتوائه أيضًا على شرحٍ لبعض التعريفات والمصطلحات والاختصارات الإنجليزية التي ستتكرر هنا أكثر من مرة.



مبدئيًا حتى الآن لم أقرأ الأصل الأدبي، وهو أمر يُعتبر سلاحا ذو حدين. من ناحية هي ميزة تجعل التفاعل مع الفيلم مُجرد من أي اعتبارات أخرى، أو مقارنات حتمية تفرضها توقعات أو تخيلات ما تفصيلية مُسبقة، نابعة من قراءة الرواية. ومن ناحية أخرى هي نقطة سلبية لجمهور الرواية، الذي ينتظر تحليلا مُقارنا عن الترجمة السينمائية.


على كُلٍ نظرا لأن عدد مشاهدي الفيلم في النهاية في المنطقة العربية، سيفوق بمراحل حتما عدد قراء الرواية، أعتقد أن هذه النقطة ستظل ميزة إجمالا.


الجميلة الشابة أناستازيا ستيل تقابل الثري الغامض الجذاب كريستان جراي، لتكتشف أن وراء هذه الواجهة من الثراء والشهرة والنجاح المهني، شخص كتوم ذو ميول سادومازوشية جنسيا، يردد لها باستمرار أن الرومانسية ليست ملعبه فيما يخص العلاقات مع الجنس الآخر، وأن ملعبه الحقيقي هو الجنس السادومازوشي الذي يخصص له غرفة كبيرة كاملة في منزله، تحتوي على كل مستلزمات اللعب، من قيود وسلاسل وسياط وأقنعة وخلافه.



رغم هذا الإنكار من البطل، يحتوي الفيلم على كل تفاصيل أفلام الكوميديا الرومانسية الهوليوودية التي نعرفها، ابتداءً من مشهد البطلة التي ترتدي قميص رفيقها في الصباح بعد لقاء جنسي لتحضير الطعام، مرورا بالرسائل الورقية المتروكة بجوار الفراش، وانتهاءً بمشاهد النزهات الرومانسية الحالمة، التي تتضمن هنا جولات بالطيران نظرا لثراء البطل الفاحش.


ولعل ما سبق أحد أسباب نجاح الرواية وسط الجنس الناعم بالأخص. لدينا هنا قصة أخرى عن فتاة عادية يسقط في حبها البطل الذي يتمتع بكل مواصفات فارس الأحلام (وسيم - رياضي - ثري - ناجح.. الخ)، بكل شروط وثوابت القصص الرومانسية المعاصرة. لكن ما يميز اللعبة هنا، أن الجنس ليس فقط جزءا مهما منها، وهي نقطة تتجنبها سريعا الأفلام المينستريم حاليا في هوليوود، إذا تطرقت إليها من الأصل، لكنّه في الحقيقة أيضًا جنس ذو طبيعة مثيرة للجدل، والجزء الأهم في العلاقة، والملعب الذي يتواصل فيه البطلان باستمرار، الذي يشهد مراحل تصاعد وهبوط عواطفهما طوال الأحداث.



وكمقابل ضروري لصناعة الفيلم بشكل يؤهله رقابيًا للمشاهدة على نطاق أوسع عالميا (مينستريم) - والمقصود هنا طبعا بـ (العالم)، مناطق أخرى غير عالمنا السعيد، الذي لا يزال يناقش (هل نسمح للمرأة بالظهور على الشاشات بشعر مكشوف أم لا)- كان لابد على مخرجة الفيلم سام تايلر جونسون، أن تُنفذ المشاهد الجنسية بشكل يعتمد على الإشارة بدلا من المباشرة الصريحة على طريقة أفلام البورنو. ولهذا لا يوجد وسط كل اللقطات أعضاء جنسية واضحة مثلا، لأن كل شىء تم إعداده بعناية ليطابق التصنيف الرقابي المستهدف. رغم هذا سيعرف المتفرج بفضل الإشارة وتتابع المونتاج، طبيعة الملامسة ومكانها في كل لحظة.


رغم هذه المهارة الهندسية في تنفيذ اللقطات الجنسية، يعيب أغلب هذه اللقطات الشكل الناعم المثالي المبالغ فيه، الأقرب لأجواء الفيديوكليب وإعلانات كريمات ومستحضرات التجميل، خاصة مع الاعتماد المستمر على موسيقى الأغاني في خلفية أغلب هذه المشاهد. لا بأس طبعا ببشرة مثالية ناعمة للبطلة، أو جسد رياضي ممشوق للبطل، لأن هذا جزء مهم من لعبة إغواء وإدماج المتفرج/المتفرجة بالجو العام للجنس، والـ BDSM  هنا بالأخص، لكن قليلا من التفاصيل الطبيعية الناتجة عن الممارسة الجنسية (عرق بسيط - شعر غير مصفف.. الخ)، كانت ستجعل المشاهد الجنسية أكثر قوة وصدقا.



على كل قد يكون العذر التجاري - غير المقبول فنيا - هو وجود خطوط مستحضرات تجميل وصناديق هدايا وأدوات جنسية Sex Toys  باسم الرواية، وهو ما يجعل الفيلم فعلا إعلانًا عن منتجات أخرى بشكل ما. لكن حتى التفاصيل الأخرى مصنوعة بنفس الشكل المُبهر المثالي غير المنطقي، ابتداءً من الديكورات والأرضيات البيضاء البرّاقة، التي قد نُبررها تجاوزا بدرجة الثراء الفاحش، انتهاء بالمشاهد الخارجية للطرق والأشجار، الصعب تبريرها.


في فيلم من هذا النوع، يظل الأداء نقطة فاصلة. داكوتا جونسون تقدم أداءً جيدا إلى حد كبير، يطابق مراحل تطور الشخصية من البريئة غير الخبيرة في الجنس، إلى الفتاة الـ submissive التي تأخذ زمام المبادرة رغم خضوعها الشكلي، وتلغي أغلب الحواجز، وتتفاوض صراحة مع شريكها على تعديل المسموح والممنوع في علاقتهما السادومازوشية، في مشهد قد يكون أكثر إثارةً وإغراءً من مشاهد الفيلم الجنسية.



في المقابل لا يصل أداء جيمي دورنان إلى نفس الدرجة للأسف. بكل تأكيد يتمتع شكلا وقواما بالوسامة والجاذبية المطلوبة، لكن ينقصه الحضور والعنفوان الذكوري المطلوب للشخصية. حتى في المشاهد العادية التي يمارس فيها عمله مثلا، تظهر لمسات الافتعال والتصنع في أدائه.


ولأننا نتحدث عن فيلم أول من ثلاثية سينمائية، مستمدة من ثلاثية روائية، بعد أن قررت الكاتبة إى إل جيمس مواصلة روايتها بجزئين آخرين عقب النجاح، كان من الطبيعي أن ينتهي الفيلم بخيط مشوق للفيلم الثاني.


ربما لا يحقق الفيلم المُنتظر منه بالنسبة لعديدين، على صعيد الانطلاق البصريّ، وشحذ الخيالات الجنسية وتحريرها لأقصى درجة عامة، وفي منطقة شائكة مثل الـ BDSM  خاصة. ويبدو هو الآخر أحيانا في بعض المشاهد، مُكبلا بمنتهى الرضا بالأغلال كبطلته. وأغلال الفيلم هنا تجارية بالدرجة الأولى. لكنّه على كل عيوبه، وبسبب هذه الأغلال التجارية قبل كل شىء، يحقق ما لا يحققه أى فيلم آخر عادة متعلق بالجنس، يتحرر من هذه الأغلال، وينتهي بتواصل مع جمهور قليل مقابل تحرره.



لدينا أخيرًا فيلمٌ مينستريم رومانسي بتوابل جنسية أو فيلم مينستريم جنسي بتوابل رومانسية، كلا العبارتين وصف دقيق للفيلم، يكسر حاجز الممنوع والمسموح، ويفتح الباب نسبيا أمام الجمهور لتذوق ومناقشة شىء مختلف جنسيا، مثير للجدل، بتحرر تام، تماما كما يفتح البطل باب حجرته السرية الخاصة بالـ BDSM  للبطلة تاركًا لها القرار بالقبول أو الرفض.


وفي ظل بحيرات الأكاذيب الروائية والشعرية والسينمائية والثقافية المنتشرة، التي تبيع وهم وادعاءات الحب البرىء المُجرد من الميول الجنسية للمراهقات، كما لو كان الانجذاب الجنسي نقطة تعيب العلاقات الغرامية، يبدو Fifty Shades of Grey  على كل ألاعيبه وحيله التجارية وصورته البراقة، أكثر صدقا من أغلب منافسيه. ما دامت السينما منتجا ثقافيا مرتبطا بالحياة، فالمنطقي والمطلوب إذًا أنْ تسبح أكثر وأكثر، مع أهم دوافع تصرفات البشر في الحياة (الجنس). لنأمل أن يكون نجاح الفيلم دافعا لصناعة أفلام مينستريم أمريكية أخرى، تسبح في هذه المنطقة الوعرة.



باختصار:
فيلم مختلف يستحق المشاهدة، يمكن اعتباره مينستريم رومانسي بتوابل جنسية أو مينستريم جنسي بتوابل رومانسية، يتمتع بأداء جيد من البطلة، والكثير والكثير من ذلك العنصر المهم الذي تهرب منه أغلب الأفلام (الأفكار والميول الجنسية المختلفة).  


لمتابعة الكاتب