التوقيت السبت، 23 نوفمبر 2024
التوقيت 01:37 ص , بتوقيت القاهرة

بين زحام القاهرة ووحدة الدوحة.. قصتي (2)

البداية
"الكون كله بيدور...
وإحنا وياه بندور..
واليوم بحر نعديه..
ع اللي إحنا بنحلم بيه...
حبيبي مد إيديك.. ده العالم ملك إيدينا..
الكدب.. غيطان أحزان..
والصدق اللي مدفينا...
أحلى بكرة لينا.. تحلى الذكرى بينا"
محمد منير 1981



الدوحة.. العاشر من يوليو 2012


أنا الآن أحمل الإقامة القطرية.. قد مر شهر..


أشعر بالضيق من بُعدي عن كل ما أحب.. لا أملك سيارة ولكني أتعامل مع مندوب مبيعات هندي يعمل على تاكسي إسود.. يوصلني بنصف ثمن التاكسي العادي.. ويشترط عليّ أن أقول في أي لجنة – لم أرها قط – إنني صديقه.. حسنا لا مشكلة بعد فترة سيكون صديقي حقا.


خلال شهر لم يحدث شيء يعكر صفو علاقتي بالدوحة.. سوى مشكلة صغيرة مع ضابط قطري.. كان يأخذ بصماتي إلكترونيا، وكانت يدي متعرقه بسبب الرطوبة والحر فقال لي نظّف يديك.. ثُُرت عليه قائلا كيف تجرؤ..؟ يديّ نظيفة.. إحساس بالذهول انتاب الجميع في القاعة الكبيرة.


"إنت اتجننت.. إزاي تكلم ظابط قطري كده ؟؟" الواقع لم أجد أي مبرر للذعر المصري المتوارث من الضباط .. الخوف من الضباط لم يكن أبدا في قاموسي في مصر من قبل الثورة.. عادة لأنني أكون غير مخالف، وأيضا لأن أبي كان ضابطا بالقوات المسلحة.


"بص يابني.. هنا ما تتكلمش في 3 حاجات.. العيلة المالكة.. سياسة البلد.. الدين.. بعدت عن دول هتاكل عيش وتعيش ملك".


قالها لي صديق على قهوة المصريين في ميدان الصدفة بالوكرة.


اتبعت التعليمات.. لكني كنت سعيدا أقلب في بطاقة هويتي القطرية.. بطاقة تعريف الهوية هنا ليس بها خانة الديانة.. يا ألله.. متى سأشعر بهذا في بلدي.


مرسي العياط أصبح رئيسا..


أهلي في مصر يفكرون في الهجرة ..


 أمي ترفض ترك مصر..


البعض من المصريين هنا يحتفلون على الكورنيش...


الآن أنا أملك إنترنت سريع..


 أكلم أمي وأختي يوميا على الإنترنت.. أحسست بقيمة الإنترنت الحقيقية.. هل حصل صاحب اختراعه على جائزة نوبل؟ لا أعلم.. هل مات؟ لا أعلم.. ماهي ديانته؟ لا أعلم.. لكنه الأعظم في التاريخ.. وعندما يموت سيكون في القامة الأعلى في الملكوت.


رفيقي في الشقه سألني ونحن متوجهون للسينما.. " بعد شهر هنا إيه رأيك في البلد يا معلّم.. مصر ولا قطر؟؟" كان يسألني سؤالا وهو يتوقع الإجابة.. لكن ردّي كان صادما.. " بص يا رامي.. الفرق بين قطر ومصر.. هو بالظبط الفرق بين الوردة البلاستيك والطبيعية الدبلانة.. قطر وردة بلاستيك.. جميلة ألوانها زاهية.. بس مافيهاش روح.. مصر وردة بلدي ليها روح بس دبلانة ومتربة.. يوم ماترجع حية وسليمة هتبقى أحلى وأحسن..".


قال لي.. " ده لو ما اتقطفتش بسبب الإخوان أصلا.. هتتقلب أفغانستان ياخويا" لم أرد عليه.. الحقيقة كنت خائفا، ولم أكن متفائلا قط.
 
" دنيا تدور مهما تدور .. ماهي بتدور سواقينا ..
 في عطشنا.. في ألمنا .. مابتنساش تداوينا...
 لينا أحلى أمانينا .. ليه الزمان يكسر قلوبنا..
جينا و مدين إيدينا .. و اللي يصيبنا أهو من نصيبنا..
دنيا بتلعب بينا ليه ؟ إيه راح ناخد من ده إيه ..
"
محمد منير .. 1981
 
الدوحه ...الأول من سبتمبر 2012


بعد شهرين وعشرين يوم هنا..


أنا الآن أستطيع الادخار.. أكتفي بألفين ريال شهريا يكفونني وبشدة أكلا وشربا وتنزها، وأيضًا هدايا ومواصلات.. وأرسل الباقي في حوالة بنكية بالدولار لأمي.


لم أرغب في شراء سيارة رغم أنها هنا رخيصة جدا.. مثلا تستطيع شراء دايو لانوس 2003 فقط بخمسة آلاف ريال أي عشرة آلاف جنيه وثمنها في مصر خمسون ألفا.


لماذا لم أشتر سيارة؟ ولم أفتح حسابا في البنك هنا؟


أنا لست جزءا من هنا.. ولن أكون.. هي مجرد مرحلة مؤقتة وتمر..


كثير من الأوقات كنت أسير وحيدا بحثا عن اللا شئ.. هل تعلم معنى الحنين للوطن.. معنى افتقاد كل شيء ؟ سأشرحه لك في جملة واحدة.. في يوم طلبت من أمي إرسال السلام لعم كمال الذي يجمع القمامة من بيتنا.. وطلبت من أصدقائي إرسال السلام لعامل القهوة التي اعتدنا الجلوس فيها سويا.


الوطن ليس أرضا.. والله ليس أرضا.. هو من وما يوجد به مهما كان قربه أو بعده منك ولأنه على هذه الأرض.. فهي هذا الوطن..


لكن ...


لقد جاوز الإخوان المدى.. أحسست بأن وطني محتل.. قصص هروب الأصدقاء بفيزا سياحية لأمريكا ثم القيام بعمل قضية لجوء تعددت وكثرت .. لم أكن ألومهم كنت أستمع وأستمع ولا أعلق.


 كنت أغضب.. أثور.. أبكي.. أصلي.. أسب وأضحك على الإخوان.. لكم أحببتك يا باسم وأحببت البرنامج ! كنت قلقا بشده على أهلي وعلى بلدي.. الجحيم هو ألا يرد لأي سبب أي ممن أحب على هاتفه.. والرعب ينتابني مع كل خبر صادم.. وكل إشاعة على الإنترنت.


ولكني كنت أعمل وأعمل وأعمل.. كنت أقتل الوقت بالعمل. وها قد مرّ عليا عيد ميلادي الأول بلا أهل ولا أصحاب.. لكني أصبحت أملك أصدقاء هنا.. تقربت منهم.. أحببتهم وأحبوني.. رغم علاقتنا السطحيه في مصر.. من قال إن المصريين في الغربة هم أسوأ الرفقاء ؟ أشكر الله أن أبي علمني أن أعظم مايملك الإنسان هم الأصدقاء.


ولكن كنزي الأكبر هم أصدقائي من الجنسيات الأخرى.. كنت أحب أن أتقرب لكل جنسية جديدة.. حبي للسفر جعلني أسافر لبلادهم عن طريقهم هم.. وقد جاءتني الفرصة هنا في قطر.. كل الجنسيات وكل الأديان.. ولكن قبل أن أحكي لك عنهم.. سأقوم بإعداد كوب شاي نعنع كما يقول الهنود.. وسأقوم بتغيير قائمة الأغاني لشيء أكثر بهجة.. قبل الحلقة القادمة.