لماذا يرتبط احترام المرأة بتاريخ حياتها الجنسية؟
(1)
هل يحترم الرجل امرأة يدفع لها مقابل علاقة جسدية؟ غالبًا لا، وهذا يحدث في غالبية المجتمعات وليس فقط في مجتمعنا، ولكن في مجتمعنا بالذات فالجميع يتعامل معها كما لو أنها فقدت الصفة الإنسانية.
كثير من جرائم القتل في العالم كانت تستهدف فتيات الليل ولكنها كانت تُحدث صدمة في المجتمع ورعبًا، عندما كان القاتل المجنون يقتل فتاة ليل بطريقة وحشية كان المجتمع يُصاب بالخوف من وحشية الجريمة التي تدل على وحشية مجرم طليق، ونادرًا ما يناقش أحدٌ كونها فتاة ليل.
ولكن في مجتمعنا فكل من يسمع عن جريمة لقتل فتاة أو اغتصابها، فإن سؤاله يتركز دائمًا حول مهنة الفتاة وظروف قتلها ليتأكد أنها تستحق تعاطفه.
هذا ماحدث لي عندما كنت أقرأ خبرًا كهذا قبل سنوات برفقة صديق، فقد كانت تعليقاته على خبر مقتل فتاة ليل كلها لا مبالية باعتبارها تستحق، وأن المجتمع سيكون أفضل بدونها. (لاحظ أن هذا لن يكون تعليقه بالضرورة لو قُتل لص أو مزور أو مرتشٍ، بل وربما لن يكون تعليقه لو قتل إرهابي، رغم أن كل هؤلاء يلحقون به الضرر المباشر الذي قد يصل إلى القتل دون أن يرتكب أي ذنب، بينما هو من يذهب باختياره إلى فتاة ليل فضلاً عن كونها في الواقع تمنحه سعادةً ولو مؤقتة).
وهنا قررتُ استكمال النقاش مع صديقي للنهاية للوصول للأسباب الحقيقية لهذه الفكرة.
ما السبب في كونه لا يحترمها ؟ أنها تحصل على المال مقابل المتعة؟ ولماذا لا ينظر لنفسه ذات النظرة بل يعتبر الموضوع عاديًا جدًا ولا يؤثر على نظرته لنفسه؟ لأنه الطرف المانح للمال وليس المتلقي.
(2)
ولكن هذا غير صحيح أيضًا فماذا سيكون موقفك من امراة تدفع مقابلًا ماليًا لرجل مقابل الحصول على المتعة؟ ستحتقرها أيضًا رغم كونها الطرف المانح وليس المتلقي، ربما يحظى الرجل هنا ببعض احتقارك، ولكنها مرة أخرى ستنال النصيب الأكبر.
ليست المشكلة إذن في الطرف المانح والمتلقي، بل في فكرة أن تتورط المرأة تحديدًا في أي علاقة جسدية بمقابل مادي.
هذا أيضًا غير صحيح، تخيل هنا فتاة تختار شخصًا جديدًا كل يوم لتقيم معه علاقة دون مقابل، فهل ستتغير نظرة غالبية المجتمع لها كثيرا ؟ غالباً لا، لأن المجتمع لا ينتظر منها فقط ألا تحصل على مقابل، بل كذلك ألا يكون هدفها المتعة فقط دون تمييز، وهو غالبًا يحتقرها باعتبارها امرأة شهوانية حتى لو لم تحصل على مقابل.
حتى هذه اللحظة فقد تكون هذه القناعات سائدة في غالبية المجتمعات، ولكن هل فعلاً المشكلة في تعدد العلاقات؟
(3)
هذا أيضًا غير صحيح، فلو أن فتاة أقامت علاقة مع شخص واحد تحبه، وكانت مخلصة له، فإن النظرة لها في مجتمعنا لن تتغير كثيرًا حتى من الطرف الآخر في العلاقة، وسينظر لها باحتقار كفتاة لا تستطيع السيطرة على نفسها، وهو غالبًا يعتبرها مرحلة في حياته وستنتهي، ويحاول خلالها الاستمتاع بالتجربة لأقصى درجة، وغالبًا سيرفض تحويل علاقتهما إلى زواج.
صحيح أنه ليس من المفترض في علاقة من هذا النوع أن يتم إلزام أي طرف بما لم يتعهد به، فعلاقة ليس هدفها الزواج لن تتحول إلى ذلك إلا بموافقة الطرفين، ولكن على الأقل فمن الطبيعي أن يكون هناك درجة من الاحترام بل والعاطفة تجاه شخص تقاسمت معه السعادة لشهور وربما لسنوات، فالمشكلة ليست فقط في كل ما سبق بل أيضاً في شكل العلاقة، فأي علاقة خارج الزواج تكون المرأة فيها محتقرة من نسبة كبيرة في المجتمع.
هل نستنتج أن المشكلة الرئيسية في الزواج؟ يتصور بعض هذه إجابة صحيحة ولكنها أيضًا ليست كذلك.
(4) فإذا قررت فتاة وشاب أن يذهبا لمأذون لعقد قرانهما، وكان الزواج سليمًا فهل هذا يحسن موقفها كثيرًا؟ غالبًا لا، فالجميع سينظر إليها أنها تزوجت دون علم أو دون إرادة أهلها أو على غير رغبتهم.
(5) نستنتج من هذا كله أن المجتمع يعتبر أن الشرط الأساسي أن تحقق شرط موافقة أهلها حتى لو كان رأيهم متعسفًا أو غبيًا، فرأيها أهميته تالية لرأيهم، مع بقاء شرط الزواج قائمًا لكي لا تعتبر الفتاة عاهرة مرة أخرى.
(6) ولكن في أماكن معروفة في مصر، يأتي ثري ليرمي لوالد الفتاة مبلغًا من المال مقابل زواجٍ يعلم كل أطرافه إنه لن يدوم، وهكذا فتوافر شرط موافقة الأهل وشرط الزواج لا يُغير من كون العلاقة علاقة منفعة، بل والغريب أنها لا تحقق منفعة للفتاة نفسها.
(7) كما أنه لو جاء شاب لخطبة فتاة من أهلها وفي علاقة زواج، فإنهم سيهتمون جدًا بما سيدفعه وسيتكلفه، ليس لأنهم في حاجة إلى المال بالضرورة، ولكن لأنهم يعتبرون هنا أنه إن لم يدفع مقابلاً مجزيًا لزواجه بابنتهم فسيعتبرها رخيصة.
في الواقع إذن فقد تم دفع مقابل مادي ضخم مقابل علاقة جسدية، وتم الدفع من الطرفين معا، ولكن كلاهما دفع مبلغًا أضخم بكثير من مقابل ليلة أو ليال، بل مبلغ ضخم بحجم كونك تدفع لعلاقة عمر كامل، وتم تحصين العلاقة المفترضة بتكبيل الرجل بقيود، أما المرأة بالطبع يمكن التخلص منها بلفظ (أنتِ طالق) في أي وقت بالذات لو لم يكن هناك أطفال.
لهذا فمؤخر الصداق يبدو هنا كفلسفة إزعاج أو تعجيز، شقة الزوجية بالذات لو كان هناك أطفال هي أيضًا وسيلة تعجيز وسيطرة.
إذن فالعلاقة التي يحترمها الجميع هي علاقة تضم كل عيوب العلاقات الأخرى بدءًا من المقابل المادي إلى تدخل أطراف أخرى في القرار ولكن بشكلٍ أضخم بكثير، وفي مقابل تضاؤل أي احترام للمشاعر الحقيقية. ويبقى السؤال لماذا يرتبط احترام المرأة إذن بتاريخ حياتها الجنسية؟