التوقيت السبت، 23 نوفمبر 2024
التوقيت 02:05 ص , بتوقيت القاهرة

Fifty Shades of Grey ولماذا نحتاج إلى 100 فيلم جنسي كل فالانتين؟


رغم وجود أحداث سينمائية كثيرة مهمة هذه الأيام وعلى رأسها مهرجان برلين، وحفلة الأوسكار المُرتقبة، لن يوجد من ينافس فيلم "خمسون ظلاً لـ جراى"  Fifty Shades of Grey  الأيام القليلة القادمة، من حيث مساحة الاهتمام الجماهيري، خاصة مع الاختيار الذكي لعرض الفيلم عالميا في عيد الفلانتين.


الفيلم المقتبس من رواية هي الأولى من بين ثلاثية، كتبتها المؤلفة البريطانية "إى إل جيمس" ، وصدرت عام 2011 عن علاقة حب بين خريجة الجامعة الشابة "أناستازيا ستيل" والثري الغامض "كريستان جراى"، وتحتوى الرواية الإيروتيكية الشهيرة على أجواء وممارسات وتفاصيل جنسية صاخبة، أساسها السادومازوشية، وتعتبر من أنجح الروايات في السنوات الأخيرة. تمت ترجمتها إلى 52 لغة، ولها شهرتها وسط الجنس الناعم بالأخص، ومبيعاتها العالمية تجاوزت الـ 100 مليون نسخة، لتصبح أسرع رواية تصل إلى هذه الأرقام. رغم هذا نالت هجوما حادا على المستوى النقدى، واعتبرها كثير من النقاد نموذجا للأدب المكشوف والكتابة الرخيصة.


شخصيا لم أقرأ الرواية حتى الآن، لكتابة رأي أو تقييم أدبي، وهو نفس ما ينطبق على الفيلم غير المعروض في مصر طبعا، لكن لدي تقدير خاص في جميع الحالات للعملين، لأسباب تتعلق بـ (الأهمية والتأثير الثقافي) وليس بـ (الجودة) المتروكة للنقاش والتحليل في مقالات أخرى بعد قراءة الرواية ومشاهدة الفيلم.



البشر عموما - والشباب قبل غيرهم بالأخص - في حاجة إلى عمل جماهيري واسع الانتشار يكسر القوالب الرومانسية المحفوظة، ويحرر الخيالات والأفكار الجنسية، لتصبح هذه الأفكار رهن التجربة والممارسة والنقاش بدون خوف أو قلق. الحاجز بين (ما ترغب في تجربته أو تذوقه أو القيام به أثناء ممارسة الجنس - المقبول والسائد في ممارسة الجنس)، يجب أن يختفي تماما من الأذهان.


الممارسات الجنسية في النهاية، هى علاقة بين طرفين، ولا يجب أن يكبحها أي حواجز أو قيود، باستثناء رضا وموافقة الطرفين. نجاح رواية وفيلم من هذا النوع جماهيريا، له انعكاس إيجابي عموما على المدى الطويل، بخصوص الطريقة التي ينظر بها البشر للممارسات الجنسية، خاصة الـ BDSM  بدون إحساس بالذنب أو قهر للرغبات الشخصية، ينتج عنه لاحقا إحباطات جنسية في العلاقات.


وصلنا الآن إلى مرحلة أصبح من الضروري فيها شرح بعض المصطلحات.


BDSM  - الحروف اختصار لعدة مصطلحات:


Bondage & Discipline - B&D
عبودية وانضباط.


Dominance & Submission - D&S
سيطرة وإخضاع.


كما خمنتُ من الترجمات، فالممارسة الجنسية هنا، لا تخضع لفكرة المساواة بين الطرفين. أحدهم مُسيطر وفاعل (dominants or tops) والأخر خاضع أو مُتلقي (submissives or bottoms). العبارة غالبا ارتبطت تلقائيا في ذهن القارىء/القارئة، بخضوع الأنثى وسيطرة الذكر، لكن لا يوجد توزيع أدوار ثابت مرتبط بالنوع. ومن الممكن لكل طرف أن يلعب دورا منهما، أو يتبادل القيام بالدورين. من جديد المسألة كلها مشروطة برضا وموافقة الطرفين، لا أكثر ولا أقل.   


Sadism & Masochism or Sadomasochism  - S&M
(سادية وماسوشية) أو سادومازوشية


سادومازوشية: كما خمنت ربما من نُطق المصطلح فهو مزيج من (السادية + المازوشية). الكلمة الأولى تشير للتلذذ والاستمتاع بتعذيب الآخرين نفسيا أو بدنيا، والكلمة الثانية - وتُكتب أحيانا مازوخية بدلا من مازوشية - تشير إلى التلذذ والاستمتاع بتعذيب الذات نفسيا أو بدنيا. في الجنس تشير الـ سادومازوشية الى الاستعداد والرغبة في الفعلين.




المصطلحات قد تكون غريبة على أسماع البعض، وعلى الأغلب فكر أغلب القراء الذين مارسوا الجنس فعليا أثناء قراءة الوصف السابق، أنهم لم يمروا نهائيا بأي تجارب من هذا النوع، لكن أغلب العلاقات الجنسية تحتوي في الحقيقة على قدر ما من كل ما سبق. تثبيت يدي الطرف الأخر أثناء التقبيل مثلا يمكن اعتباره ضمنها. تصرفات معروفة مثل الشد من الشعر، أو التقبيل بعنف نسبيا أو جذب الشريك بعنف، أو تعمد إحداث أثر أو كدمة خفيفة في الكتف أو الرقبة أو خلافه، تندرج تحت نفس الباب. الاستمتاع بتصرفات الطرف الآخر ناحيتك فيما سبق، أيضا كذلك.


بعيدا عن الفعل البدني، تمتد مساحة التأثير إلى جوانب نفسية غير بدنية. من الممكن مثلا أن تجد طرفا لا يستمتع جنسيا بشكل كامل، إلا بنطق أو سماع سباب أو ألفاظ جنسية. هذه التصرفات البدنية واللفظية موجودة إذا بدرجة ما في كل العلاقات الجنسية، بغض النظر عن الحرج العام في مناقشتها أو الاعتراف بها. وتتواجد طبعا كخيالات ورغبات مكبوتة أيضا في العديد من العلاقات، التي ينتج عن كبتها باستمرار إحباط جنسي، خصوصا في المجتمعات المحافظة.


ورغم أن المصطلحات نفسها مستحدثة لكن التصرفات نفسها قديمة في تاريخ البشرية، وموصوفة في الـ كاماسوترا. الكتاب الهندي الشهير الذي يُعتبر أحد أقدم المؤلفات والأشروحات المعروفة عن الممارسات الجنسية.




ما الذي تقدمه الثلاثية الروائية إذا في هذا الشأن؟
بعيدا عن تفاصيل الروايات، فالنجاح في حد ذاته، فتح أبواب النقاش لهذه الأفكار والرغبات على نطاق واسع، بدون إحراج، وبدون النظرة القاصرة التي ترى في ممارستها ما يتعارض مع الحب أو الاحترام بين الطرفين.


ماذا عن الفيلم؟
مبدئيا أصاب عدد كبير من عشاق الرواية بالإحباط، مع بدء عرض إعلاناته، بسبب عدم مطابقة الأبطال للصورة المرسومة في الرواية. وردود الأفعال حاليا بعد عرضه، تصب في نفس الاتجاه. هاجم أغلب النقاد أيضا الفيلم، ومن الواضح من تحليلاتهم أن صُناع الفيلم بذلوا أقصى جهدهم لتقديم المشاهد الجنسية، التي تمتد لأكثر من 20 دقيقة من زمن الفيلم، في إطار يعتمد على الإشارة والتلميح، بدون مشاهد حادة صريحة، تاركا لخيال المُشاهد مهمة إتمام الصورة. هذا أمر مفهوم جماهيريا لأن صناع الفيلم يريدون في النهاية الابتعاد عن التصنيفات الرقابية العُمرية العالية التي تحرمهم من شريحة المراهقين والمراهقات.


على كل اختلفت طريقة الغرب في تحديد الفئة العمرية المسموح لها بمشاهدته. في أمريكا نال تصنيف  R  وهو التصنيف المثالي تجاريا، الذي يسمح بمساحة نسبية من المشاهد الجنسية، يمكن مشاهدتها للمراهقين دون الـ  17 سنة مع بعض التحفظات. في فرنسا وهي دولة صاحبة تاريخ عريق في المرونة مع المشاهد الجنسية، نال الفيلم سماحا بالعرض لكل من تجاوز الـ 12 من العمر. وعندما اعترض البعض هناك على التصنيف، صرح أصحاب القرار أن الفيلم في الحقيقة من وجهة نظرهم مجرد فيلم رومانسي!



رغم هذا، فمردود الفيلم عامة لن يقل إيجابية عن الرواية، وسيجعل التأثير يمتد عالميا أكثر وأكثر. ومن المرجح أن البعض يتسابق الآن على ترجمة ونشر الثلاثية كاملة للغات أخرى. التوقعات المبدئية للفيلم تشير إلى إيرادات أمريكية تتجاوز الـ 60  مليون دولار أول أسبوع، لكن شخصيا أتوقع رقم أقوى بكثير بالنظر لعرض الفيلم في الفالنتين، ولن أتعجب نهائيا من 90 أو 100 مليون وقت إعلان الأرقام.


عرض الفيلم في الفالنتين، رغم كونه قرارا تجاريا من الألف للياء، له أيضا تأثير إيجابي مهم. الآن وبفضل رواية يراها الكثير من النقاد (رخيصة)، وبفضل فيلم يرونه (تافها وسطحيا)، انكسر نسبيا الحاجز السخيف بين الحب والجنس، وأصبح الجنس - وممارساته موضع الجدل بالأخص - المحور المهيمن على نُزهات ونقاشات الملايين في (عيد الحب)!.. هذا تأثير يستحق فائق التحية والاحترام، حتى لو كان هدف صناع الفيلم الربح ليس إلا.


الارتواء الجنسي عامل رئيسي في نجاح أي علاقة. والنظرة السطحية السائدة التي يتم توريثها للمراهقين والمراهقات، التي يتم فيها وصف علاقة الحب العظيمة باعتبارها العلاقة البريئة المُجردة من الجنس، يجب نسفها. ولن ينسفها الا أعمال تجارية جماهيرية بسيطة موجهة للكل، وقادرة على الانتشار.



قد يكون الفيلم سيئا أو سيئا جداً، لكن تأثيره جيد جداً جداً!.. وأهم من ألف مهرجان وألف جائزة. وبالطبع سيفتح نجاحه الباب لإنتاج أعمال أخرى من نفس النوع. في عالم لا يزال يخجل من الحديث عن أهم الدوافع البشرية وأقدمها، نحتاج في الحقيقة إلى 100  فيلم جنسي كل فالنتين. والشىء الجيد أننا الآن نعيش في عصر لا نحتاج فيه إلى موافقات رقابية من أي نوع، من أنصار الخجل. نحتاج فقط إلى "كليكة" واحدة، لنشاهد الفيلم الذي يظن موظف ما، ينتمي فكرا ووعيا إلى (متحف التاريخ)، أنه لا يجوز لنا مشاهدته.

للتواصل مع الكاتب