التوقيت الأربعاء، 06 نوفمبر 2024
التوقيت 01:26 ص , بتوقيت القاهرة

القضايا العديدة أرهقت النتيجة النهائية في The Judge

من فترة لأخرى يحاول فيلمٌ ما أن يُصبح تشكيلة من عدة أفكار وأفلام، ويبذل صُناعه جهدا مستميتا للتوسع الدرامي يمينا ويسارا، لضمان إرضاء النقاد والجمهور، لكن تأتي النتائج النهائية عكسية مع الحمل الثقيل، ويصبح الفيلم إجمالا متوسطا رغم كل هذا التخطيط الهندسي الذكي (أو ربما بسببه).


فيلم القاضي  The Judge  للمخرج ديفيد دوبكن والنجمين روبرت دواني جونيور، وروبرت دوفال (المُرشح لأوسكار أفضل ممثل مساعد عن الدور)، مثال جيد لهذه النوعية.



هانك بالمر(روبرت دواني جونيور) محامي ناجح وثري بفضل مهاراته في تبرئة الفاسدين، يضطر للعودة إلى المدينة الصغيرة مسقط رأسه، مع خبر وفاة والدته. علاقته المتوترة بوالده القاضي (روبرت دوفال)، تطفو على السطح من جديد، لكن قبل أن يُغادر المدينة ويعود إلى حياته، يتم اتهام والده بالمسؤولية عن حادث قتل متعمد بسيارته. الحلقة تضيق بمرور الوقت. والأب العجوز لا يذكر تفاصيل ما حدث ليلتها تحديدا بسبب ظروفه المرضية. وعلى الابن أن يبدأ كفاحه كمحام لتبرئة والده قضائيا.


أثناء رحلة الكشف عن حقيقة ما حدث ليلة الحادث، سنكتشف أيضا الكثير والكثير عن أصل علاقتهما المتوترة. لدينا إذًا فيلمٌ يحاول أن يقتبس جزءا تشويقيا من (دراما وألغاز المحاكم)، على طريقة روايات جون جريشام الشهيرة، ويمزجها بفكرة عاطفية جماهيرية مضمونة التأثير (لم شمل العائلة). وغالبا لو كان الفيلم اكتفى بالعنصرين فقط، لكانت النتيجة أفضل.



المشكلة أن السيناريو لا يكتفي بهذا الحمل، ويختلق العديد من القضايا والشخصيات والأحداث الأخرى بدون داع. لدينا مثلا قصة حب قديمة ومعقدة للبطل في مسقط رأسه تعود للظهور. لدينا محام خصم (بيلي بوب ثورنتون)، تم خلقه دراميا لتصبح المواجهة القضائية أكثر شراسة. لدينا أخان بظروف وقصص مأساوية طويلة لإضافة المزيد من الدراما على العائلة ككل. وهكذا.


أغلب هذه الشخصيات أجاد فيها الممثلون أداء أدوارهم. بالأخص فيرا فيرميجا والقدير فينست دونفريو الذي يلعب هنا دور الأخ الأكبر، ويسرق الأضواء في كل مشهد. لكن في النهاية كل هذا الحشد الدرامي كان عبئا على الفيلم ومحوره الأساسي، خاصة أن أغلب هذه الشخصيات كليشيهات مكررة.



الشخصية الرئيسية تم هندستها بإحكام لـ جونيور، وهو أحد منتجي الفيلم بالمناسبة. على المستوى الشكلي يبدو الدور مختلف تماما عن شخصيات Iron Man و Sherlock Holmes، لكن في الحقيقة يسمح له الدور باللعب في نفس منطقة نجوميته المعتادة (الذكي جدا السليط اللسان - زير النساء الوسيم - اللامبالي على القشرة العاطفي في جوهره.. الخ). أداؤه جيد بالفعل، لكن أي ادعاءات لاعتبار الدور مختلفا عن تاريخه، لا محل لها من الإعراب.


روبرت دوفال البالغ من العمر حاليا 84 عاما أسعد حظا. من الصعب في هذه السن أن تجد شخصية رئيسية تتيح هذه المساحة. وعلى العكس من جونيور، لا يورطه السيناريو في قصص كثيرة جانبية هامشية. أغلب مشاهده مكتوبة بإتقان أكبر من الفيلم ككل، وأداؤه المتميز يمنح للشخصية المزيج المطلوب تماما من الكبرياء والإحباط النفسي. وبشكل ما ينعكس هذا الأداء الجيد على الموجودين حوله. أفضل مشاهد جونيور هي المشاهد المشتركة بينهما.



على كُلٍ الطابع الهندسي المُصطنع يتجاوز البناء الدرامي، ويمتد للصورة أيضا، وفي العديد من المشاهد التي صورها جانوس كامينسكي مدير التصوير المعتمد لـ ستيفن سبليبرج، وخصوصا المشاهد النهارية، تظهر جماليات الصورة بشكل مصطنع مُبالغ فيه، وخارج النطاق المطلوب عادة لفيلم من هذا النوع. 


رغم هذا الجو المصطنع وكل هذه الكليشيهات، ينضج الفيلم بالروح في مشهد مؤلم ومؤثر، يوضح المشاكل اليومية لكبار السن والمرضى مع مهام بسيطة مثل دخول الحمام والاستحمام. إخراج المشهد متقن، وتم توظيفه جيدا لخدمة العلاقة بين الشخصيات، ومن الغريب أن تجد مشهدا جريئا من هذا النوع في فيلم أمريكي جماهيري الطابع.



باختصار:
القاضي احتاج إلى 141  دقيقة، وإلى توسع غير ضروري في الشخصيات والأحداث الهامشية، ليتلو قصة أساسية جيدة عن شرخ في علاقة أب وابن. المشكلة أن جوهر القصة الأساسي الجيد، وجو التشويق القضائي، ومزايا التمثيل وخلافه، ضاعوا وسط هذا البناء الهندسي المصطنع، ليصبح الفيلم إجمالا في النهاية دراما متوسطة رغم أسماء أبطاله.


للتواصل مع الكاتب