التوقيت الثلاثاء، 26 نوفمبر 2024
التوقيت 04:17 ص , بتوقيت القاهرة

رغبات قاتلة (1)

البني آدم منينا مش ملك نفسه، يا ريت الواحد كان بـ زراير، زِرّ الموضوعية، زر الحياد، زر الرؤية الثاقبة، زر التحليل المجرد، زر التسامح، زر السيطرة على المشاعر، زر الدموع، زر التجاهل، زر الـ ششششششش، بالذات الزر الأخير ده ضروري جدا في أحيان كتير.


لكن ده ما يمنعش برضه ضرورة المقاومة، وأهمية إن الواحد يقف ضد رغباته القاتلة، رغباته اللي ممكن تضر قضيته ما تفيدهاش، وتهد أحلامه ما تبنيهاش، وتقفل البيبان فـ وشه ما تفتحهاش ، وممكن تدمره وتدمر اللي حواليه كمان. ومن الرغبات اللي الواحد بـ يقاومها بـ كل بسالة السنة الأخيرة:


الرغبة في تبسيط الأمور، تحس كده إننا عايزين نتقمص شخصية الشيخ في النكتة المشهورة بـتاعة قصة سيدنا يوسف، وللتذكرة بس كان فيه اتنين شيوخ الشيخ حسن والشيخ حسين، حسن عزم حسين على الغدا، وبعدين حب يلهي الضيف عن الأكل، فـ قال له: ما تحكي لنا يا شيخ حسين قصة سيدنا يوسف.


قعد صاحبنا يحكي الحكاية، من أول الحلم والإخوات والجب وامرأة العزيز، وإلخ إلخ ويشرح له ملابسات كل حادثة، ودوافع كل شخصية، لـ حد ما الأكل خلص.


أسبوع كده، والشيخ حسين حب يردهاله، عزمه على الغدا، وأول ما بدؤوا ياكلوا، قال له: ما تحكيلنا يا شيخ حسن قصة سيدنا يوسف، فـ قال له: أبدا، عيل تاه ولقوه.


أعتقد إن معظمنا عايز يلخص اللي بـ يحصل بـ الطريقة دي، سيدنا يوسف كان عيل تاه، ولقوه، أمريكا بـ تتآمر علينا عايزة تدمرنا، الداخلية بلطجية، الإخوان بـ ينشروا الفوضى، النظام قمعي استبدادي، لجنة الحكام عايزة الأهلي ياخد الدوري، الأهلي نادي المبادئ، عيال الفيسبوك عايزين يفترسوا البلد، إلخ إلخ.


ومن التعبيرات اللي انتشرت بعد 25 يناير، تعبير: في التحليل الأخير، ومع احترامي لـ كافة الأساتذة والدكاترة، وجهودهم البحثية والأكاديمية، فـ في أحيان كتيرة بحس التعبيرات اللي من النوع ده صياغة أكاديمية لـ فكرة: "عيل تاه ولقوه"، يعني إيه اللي يخلي التحليل الأخير يظهر وإحنا لسه في مرحلة المعطيات مثلا من المقال، لسه ما وصلناش للتحليل، ناهيك عن القفز للمخرجات.


وتعال شوف كم الفيديوهات اللي الناس فيها حريصة على تلخيص الموضوع، وأقربها فيديو صاحبه بـ يشرح إزاي تبقى شاعر عامية في تلاتين ثانية، وبرضه مع احترامي لـ موهبة الراجل ومحبيه ومعجبيه وكل من شير الفيديو، مفيش حاجة اسمها كده، حتى لو على سبيل السخرية. مش عايز أستفيض في مناقشة قضية الشعر، لأنها تستحق أكتر من تلاتين ثانية، ومن 48 كمان، بس عايز أشاور على شهوة الـ تلاتين ثانية.


مشكلة الرغبة في تبسيط القضايا، والوصول إلى فكرة واضحة عبارة عن معادلة بسيطة بساطة 1+1 = 2، بـ تعمي العين عن تفاعلات كتيرة بـ تحصل، وهي تفاعلات مؤثرة جدا على "التحليل الأخير"، وبـ تهدر مجهودات كتير بـ تبذل في اتجاهات متعددة، والأخطر إنها بـ تعودنا على التفكير في حلول عنترية متصورين إنها جذرية وعادلة، في حين إنها غالبا بـ تبقى مستحيلة ناهيك عن إنها مش بـ توصل لـ حاجة.


خايف أضرب أمثلة نغرق فيها، أو يظن القارئ إن هدف المقال "في التحليل الأخير" الوصول للقضية دي بـ عينها، لكن خلينا نضرب المثال الشهير بتاع إن التلامذة بـ تزوغ من المدرسة فـ تروح السينما، يبقى الحل إيه؟ نقفل السينما


برافو، هو ده بالظبط اللي نفسي ما نعملوش، اللي نفسي فيه إننا نشوف التلامذة بـ يقضوا وقتهم إزاي في المدرسة؟ وهل فيه دوافع للتزويغ ليها علاقة بالمراهقة مثلا؟ وكده يعني. أي شغل يخلينا نبعد عن صاحبي بتاع العولمة.


إيه حكاية صاحبي بتاع العولمة؟


خلينا بكرة بقى