التوقيت الإثنين، 23 ديسمبر 2024
التوقيت 06:24 م , بتوقيت القاهرة

أدونيس في ندوته بمعرض الكتاب: "إذا ذهبت مصر.. ذهب العرب"

شهدت القاعة الرئيسية بصندوق التمنية الاجتماعية والثقافية التابع للهيئة المصرية العامة للكتاب، أمس الخميس، ندوة للشاعر السوري "أدونيس" تحت عنوان "نحو خطاب ديني جديد"، وأدار الندوة رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب الدكتور "أحمد مجاهد"، كما حضر مجموعة كبيرة من النقّاد والمثقفين والكتّاب.


في مستهل كلمته قال مجاهد: "أدونيس يضرب قلما راسخا في عمق التراث العربي، ويكفي أن نتذكر أنه صاحب ديوان الشعر العربي والثابت والمتحول، وهو على مدار حياته الثقافية اختار أن يطل علينا من خلال نافذتي: الشاعر والمفكر، واليوم آثر أن يبدأ من النافذة الثانية".


وبدأ أدونيس كلمته بتقدم الشكر لللسيدات والسادة الحضور، وأضاف اسمحوا لي أن أشكر الدكتور أحمد مجاهد على هذه الدعوة الكريمة، قبل أن يقول: "إذا ذهبت مصر، ذهب العرب".


وتابع: "بهذا القلم وبهذه الروح اسمحوا لي أن أتحدث اليوم، سأقول لكم بعض الأفكار التي ربما تعرفون بعضا منها في كتاباتي السابقة، واسمحوا لي أن أبدأ ببعض الإشارات حول هذا المعرض فيما يتعلق بالتجديد في الخطاب الديني الديني، وحديثنا المشترك معا هو تجديد الخطاب الديني".


الحداثة العربية ليست حاضرة


وأضاف صاحب "الثابت والمتحوّل" أنه رغم كل الإنجازات التي حققها المبدعون العرب في كل الميادين، شخصيا أقول إن الحداثة العربية ليست حاضرة معنا، وليست أمامنا وإنما خلفنا، ولذلك فإن الأطروحات والأفكار والقطائع التي حدثت في القرن الثامن الميلادي أكثر جرأة وعمقا من الأطروحات المعاصرة اليوم، وبالتالي لا نجد شاعرا خلق لغة خاصة بالمدينة وطباعها كما فعل أبو نواس، ولا في شعرية اللغة وعلاقتها بالأشياء والعالم كما فعل أبو تمام، أو في الموروث الديني والاجتماعي العربي كما حدث عند أبي العلاء المعري. هذه أمثلة فقط ، وفي مجالات أخرى يُمكن أن نجد هذا كتجربة المتصوفين، وكذلك ابن خلدون في مقدمته بخصوص علم الاجتماع".


وتابع أدونيس: "حداثتنا العربية خلفنا اليوم وليست أمامنا، إلا إذا غيّرنا مسار التفكير والعمل معا، والسؤال كيف حدثت هذه المنجزات في الماضي ولم تحدث في الوقت الحاضر؟ لا يُمكن الانتقال من مرحلة إلى مرحلة إلا بإحداث قطائع معرفية وجمالية كما حدث في العصر العباسي، وهذا لم يحدث اليوم داخل الانقلابات المعرفية الكبري في آخر قرنين".


ورأى أدونيس أن كل تأويل هو تقويل للنص، وبالتالي فإن أي نص مهما كان عظيما إذا مرّ في عقل صغير فإن هذا النصّ يصغر، وإذا مر في عقل كبير فهذا النصّ يكبر.


كما أشار إلى التأويلات التي حدثت في الثقافة العربية وفي الأفق الديني، وإنه تم اختصار النصّ القرآني إلى الـ150 آية المتعلقة فقط بالنكاح والشرع والطقوس الدينية، أما الآيات الأخرى التي تتعلق بالتعقل والتفكير فليست موجودة، ولا نستغرب إذن أننا لا نجد بين المليار ونصف المليار نسمة مفكرا واحدا أو شاعرا واحدا أو فيلسوفا عظيما، وإنما نجد فقاعات تقلد مفكرين كبار يمكن أن نضعهم بجوار جان بول سارتر وغيرهم".


تجديد الشعراء


وتابع: "أبي نواس جدد، لأنه خلق لغة للمدينة توازى لغة البداوة، وأبي تمام غير علاقة الكلمة بالأشياء فيما حولها، وكذلك المعري بحث في الشك والتساؤل، لا نزال ثقافيا في ثقافة الامبراطورية العربية الاسلامية؛ حيث ثقافة الغزوات والفتوحات. لكن الإنسان العربي اليوم لم يعد يكتفِ بالتسامح. فالإنسان لا يرده بل يريد التساوي مع الآخر، والإنسان العربي اليوم يرفض التسامح وإقامة العدالة التي تفترضها المساواة، نحن نعيش ثقافة القرون الوسطى، كأن يُقال هذا إسلام صحيح وهذا غير صحيح، قد يكون هناك مسلمون معتدلون أو متطرفون، لكن الاسلام واحد. هذه اللغة أوصلتنا اليوم إلى ما يُسمى العنف والتكفير. وبالتالي أصبح النقاش حول الخطأ و الصواب هو اللغة السائدة. 


واستطرد: "الحقيقة دائما هجوم وليست دفاعا، ونحن نترك للمتطرفين أن يقوموا بالهجوم، ونكتفي نحن بالدفاع، وتساءل صاحب "المسرح والمرايا": ما هو المشروع العربي اليوم للوقوف في وجه التطرف الديني، وماذا تُقدم الأنظمة التي تتنازع فيما بينها ضد هذا المشروع. السؤال ماذا نعمل إذن؟.


الحضارة العربية قديما


وأردف أن مصر وسوريا والعراق اسهموا في صنع الحضارة البشرية. ولذلك نحن الآن مسئلون أمام الآخر. ولا أتجرأ أن أصف لكم الصورة التي يصفون بها الإسلام في العالم الآن. في السطح يقولون إن هذا لا يعبر عن الاسلام في شيء، أما في الحقيقة الواقع غير ذلك. إن الإرهاب اليوم ليس إلا تنوعيا جديدا على قضايا الارهاب القديم. تاريخنا دائما هو تاريخ السلطة، وهذه السلطة تفكر دائما في الحفاظ على الحكم. فمن منكم قرأ تاريخ العرب، وكيف عاشوا في بغداد في القرن الثالث الهجري أو دمشق..ببساطة لا يوجد. دائما تاريخ الحروب التي تقوم بها السلطات هو السائد. ولذلك لا يُمكن أن نرى حاضرنا إلا إذا درسنا الماضي.


وتساءل "أدونيس" من منكم يتصور أن التراث الأشمل عن الشخصية العربية هو الشعر؟ وليس هناك كتابا واحدا بعد 14 قرنا يدرس جمالية الشعر العربي وما كتبه لقاضي "الجرجاني" كان عن جمالية النص القرآني وليس الشعر. نحن عندنا فقر في النقد العربي، وليس لدينا عقل نقدي.


كما إننا جماعات  تعيش على ما يقوله السلف. في كل منا شخصيتان؛ نأكل ونلبس ونشتري ونعيش، لكن نرفض رفضا باتا تلك الأسس العلمية التي أدت إلى هذه الاكتشافات. نعيش في عالم ونفكر في عالم آخر. نحن شعب منشطر الشخصية، فدائما الآخر هو المخطيء، ولا أحد يبدأ بنفسه. ولذلك ليس عندنا أدب اعترافات. فالثورة  الحقيقة أن نثور أولا على أنفسنا.


الإسلام بين الرسالة والدولة


وتابع "أدونيس" إنني أكره الوعظ والتعاليم والارشادات، أعظم معلم للانسان - إذا كان صادقا مع نفسه- هو نفسه.كما أن الثقافة العربية السائدة لا تعلم سوى الكذب والنفاق والرياء. إذا كانت الثقافة لا تستطيع أن تقول الحقيقة فلا معنى لها، وهذا هو حال الثقافة العربية التي لا تبحث ولا تتسأل إنها فقط وظيفية، وبالتالي لا دور للمثقف. وإن كان هناك دور للمثقف، لكان علي عبد الرازق أو محمد عبده أو طه حسين في المقدمة. لا يثوجد أسهل من النقد والهدم  كما أفعل الآن، وما لم نؤسس لقطيعة معرفية كاملة فلن نستطيع أن نفعل شيئًا. وأجمل "أدونيس" مشروعه في عدة نقاط أولها: أن توجد قطيعة للقراءة السائدة للدين، وهي تحول النصّ الديني من نصّ رحمة وتعظيم للانسان إلى نصّ عنفي وجلاّد. ما دام التدين فرديا فأنا مسئول عن الدفاع عنه، ولكن منذ أن يفرض عليا المتدين طريقة حياته ومعيشته وثقافته، فهنا أنا لست معه. وأكد "أدونيس" على أن الإسلام رسالة وليس دولة.


إذا كان الاسلام دولة فهذا بالطبيعة سيؤدي الى العنف، ويتحول الدين من أفق روحي معرفي إلى قمع وسجَّان. ولا اعتقد أن الرسالات السماوية نزلت لتقيد البشر بل نزلت لتحرر البشر. فالرسول (ص) تحدث في كل الاشياء وأكثرها خصوصية، ولم يتحدث عن الاسلام كدولة، وإذا كنّا حرصين على الدولة نفسها، يجب أن تكون هناك جبهة علمانية على مستوى الوطن العربي تقوم للتأسيس لقيم وثقافات جديدة. وتحرير الثقافة العربية من الوظيفية، فمزيد من الحرية والمعرفة وافتتاح الآفاق. أما النقطة الأخيرة فهي لا مفر لنا من الديموقراطية، فبدونها لا حرية أو حقوق أو مساواة.