التوقيت الإثنين، 23 ديسمبر 2024
التوقيت 08:17 ص , بتوقيت القاهرة

ريفيو| "أسوار القمر".. حالة فنية مثيرة بعد 6 سنوات تأجيل

يقدم المخرج طارق العريان في سباق موسم منتصف العام صورة مثيرة تحبس الأنفاس، وتضع المشاهد شريكا في أحداث فيلمه الجديد "أسوار القمر"، الذي تأجل عرضه نحو 6 أعوام، لنشهد موسما سينمائيا قويا يجمع عددا لا بأس به من الأفلام التي تناسب كافة فئات المجتمع المصري والعربي.



الفيلم يعتمد على التشويق والإثارة بقدر كبير، وهي مغامرة لمؤلف الفيلم محمد حفظي خاصة أن هذه النوعية من الأفلام لم تحقق المرجو منها من قبل في السينما العربية، وكانت المحصلة النهائية للفيلم كفيلة بتجاهل الفترة الطويلة التي استغرقها تصويره، حيث بدأ التصوير بشكل فعلي عام 2009، واستمر حتى الأيام الأولى من 2015.



وتعتمد مشاهد الفيلم بشكل كبير على مشاهد الفلاش باك التي تمزج الماضي بالحاضر، لينتقل المُشاهد عبرها من مجرد مستقبل للأحداث لمتوحد معها بحثا عن التفاصيل التي قد يكون البعض عايشها في واقعه.



تبدأ أحداث الفيلم ببطلته الكفيفة "زينة" وحيدة والدتها التي فقدت النظر إثر حادث، وهي تتحسس طريقها إلى البحر الذي يشهد صراعا عنيفا بين رشيد "عمرو سعد"، وأحمد "آسر ياسين"،  اللذان يتنافسان على حبها، ثم تبدأ "زينة" في استعادة ذاكرتها لتتذكر ما مرت به من لحظات حب هادئة ومغامرة مع كل منهما.


ونجح المخرج طارق العريان في اختيار أماكن التصوير وإن عاب الفيلم قصور في تنفيذ بعض مشاهد الجرافيك التي مازالت السينما المصرية تتحسس الطريق لتنفيذها، وهو ما ظهر في مشاهد البحر والرياح ومشهد الحريق في نهاية الأحداث، وكان اختيار المخرج لأبطال فيلمه مميزا وموفقا بقدر كبير ساهم في حدوث حالة كبيرة من التناغم بينهم خلال الأحداث.



واتسمت الحبكة الدرامية للفيلم في أحيان قليلة بنوع من اللامنطقية، خاصة أن هناك عدد من المشاهد التي كانت بحاجة للتوضيح، ومنها كيفية استعادة "زينة" لذاكرتها، وكذلك عودتها لـ"أحمد" مرة أخرى دون سبب، ولكن الحالة الدرامية المميزة للأحدث بشكل عام ونجاح المؤلف "محمد حفظي" في خلق إطار جديد ومميز، جعلت المشاهد يتغاضى عن هذه الأخطاء البسيطة مقابل استمتاعه بالخيوط الدرامية المشوقة التي حافظ عليها "حفظي" حتى المشهد الأخير والجمل الحوارية الرومانسية التي رسمها بإتقان عبر شخصياته الثلاث التي اتسمت بالتناقض.


ولا يحسب للمخرج طارق العريان والمؤلف محمد حفظي أنهما أعادا اكتشاف عمرو سعد بشكل جديد بعيدا عن أدوار البلطجة والحارة الشعبية التي حصر نفسه فيها فقط، لكنهما استطاعا أن يُعيدا آسر ياسين ومنى زكي أيضا بقوة اكسبتهما تعاطف الجمهور، بعد تألق كل منهم في إبراز تفاصيل الشخصية التي يقدمها باحترافية عالية تُحسب لهما.



وتميز مدير التصوير أحمد المرسي بالاحترافية العالية في خلق المساحات التي تعتمد على الظل ولون البحر، ونجح في تقديمها بشكل مبهر للمشاهد، من خلال موسيقى مختلفة ومميزة للرائع هشام نزيه الذي عبرت موسيقاه عن اللحظات الرومانسية وأجواء التوتر التي شهدتها الأحداث المتسارعة دراميا في بداية الفيلم وحتى ما بعد المنتصف بقليل، رغم أنها أصيبت بالترهل والمط في الربع الأخير منها.


ويمثل الفيلم عودة قوية لـ"منى زكي" التي تميزت في رسم ملامح الشخصية بشكل أكسب المشاهد التعاطف ونجحت في تقديم صورة الفتاة الكفيفة بأداء بسيط ومُعبر بحضورها الرائع وقدرتها على إبراز تفاصيل الشخصية الشكلية والنفسية.



وبعيدا عن الإبداع والتميز الفني للفيلم بشكل عام، شهدت الأحداث مباراة تمثيلية بين آسر ياسين وعمرو سعد، وهو ما ظهر في النصف الثاني من الأحداث حينما تبادل كل منهم دوره مع الآخر، ونجح آسر في أن يكون "آسر" بأدائه طوال أحداث الفيلم وأخفق عمرو في أداءه الصوتي قليلا في النصف الثاني، وكان الفيلم بمثابة ميلاد جديد له في نوعية جديدة من الأدوار التي أثبت قدرته على تجسيدها، وتعد شخصية "رشيد" أكثر الشخصيات عمقا وتأثيرا في مسيرته الفنية.


ونجح الفيلم بشكل عام في تأكيد معنى أن الحياة ليست كما تبدو في ظاهرها فقط، وأن لكل منا هدف أسمى داخله يبحث عن طريق للوصول له، من خلال التواصل الإنساني رغم صعوبة الحياة، بدلا من أن يحيا كغيره ممن لا هدف لهم ولا غاية.