عيِّل وبيلعَب
أكتر ناس مستفزة في الدنيا هما الأهل اللي بيكسِّلوا يعَدِّلوا سلوكيات أطفالهم المؤذية لممتلكات الآخرين.. وهما على فكرة نفس الأهل اللي بيسيبوا أطفالهم يرَزِّلوا على الناس اللي حواليهم من غير كلمة تأنيب أو تأديب أو حتى همسة عتاب.
بالعكس تلاقيهم واخدين الموضوع هزار أو مدّين لولادهم حق الأذية أو عاملين نفسهم أموات.. الأم اللي بتسيب ابنها يلعب في ماكينة الصراف الآلي من غير ما تقول له إن دى مش بلاي ستاشين.. الأب اللي بيسيب بنته ترسم على حيطة المطعم من غير ما يقول لها إن ده مش وِرث جدو الباشا.. الأم اللي بتسيب بنتها طايحة جري وصريخ في مستشفى من غير ما تقول لها دي مش "كوكى بارك".
ده طبعاً غير اللعبة السَمِجة اللي بيعلِّموها لولادهم واسمها "اضرَب عَمُّو" على سبيل الهزار وخفِّة الدم يعني وكده.. وطبعاً لو أبديت أي امتعاض من سلوك الأطفال دي حتاخد في وشَّك الجُملة الكلاسيكية "عيِّل وبيلعَب".
من أسخَف المواقف بأه إنك تقابل هذا النوع من الأهل مع ولادهم فى أي مكان.. والأسوأ إنك تكون مُضطر تتحِبِس معاهم بلا أي وسيلة تمكنك من الهروب لكوكب تاني.. زي مثلا لما تبقى في طيارة وقاعد في الكرسي اللي وراك طفل رِزِل وأهلُه اللي أرزَل منُه.. قُربهم منك بيحرِمَك من أي حاجة تخلّي ساعات الطيران الطويلة تعَّدي في سلام.
يعني مثلاً لا تعرف تسمع شوية موسيقى، ولا تقرا كتاب، ولا حتى تنام شوية عشان تهرب من رزالِتهُم.. لما الطفل طول ما هو قاعِد يخبط فى الكرسي اللي أنت قاعد عليه بشكل هستيري... والأم لا تسمع لا ترى لاتتكلم.. والأب سماعاته في ودانه وبيتفرج على فيلم رومانسي وسايب لك أنت فيلم الرعب اللي قاعِد جنبه.. أعتَقِد يبقى مافيش قدامك بديل غير إنك تاخد موقف إيجابي وتقوم تديهم بوكس يكوِّمهُم كلهم على بعض.. ومع ذلك أنا ماعملتش كده.. لكن وقفت أكلِّم الأم بكل ثبات انفعالي وقلت لها:
-هو ابن حضرتك بيلعب في وزن إيه؟
- نعم؟!
- مش بيتمرن مصارعة حُرة بردو؟
- ههههه لأ "سولى" بيلعب سكواش.
- خسارة عنده إمكانيات "هالك هوجان".
- يعنى إيه؟؟!!!
- يعنى حابقى متشكرة أوي لو ممكن تقولي له إن اللى قاعِد في الكرسي اللي قدامُه بنى آدم مش كيس رَمل!!
- (تنظر إلى ابنها بلا مبالاة).. بس يا "سولى" طانط عايزة تنام.
- شكراً..
أرجع إلى كُرسيا... آخد نفس عميق... ابتدي قراءة كتابي... "سولى" يواصِل تمرين المصارعة بنجاح ساحِق... أتلَفَّت للأب بنظرات غَضَب.. الأب يرد بابتسامة لَزِجَة لزاجة الطبيخ الحَمضان.. فأقول له:
- هو ماتش البوكس ده مالوش آخر؟
- (ببرود)... بس يا "سولى" طانط حاتزعَل منك... معلش أصلُه زهقان.
- فيه فيلم كرتون على قناة 3 على فكرة.
- أصل إحنا مانعين الكارتون.. بيبوَّظ أخلاق العيال.
- والسكوت على أذية الناس مش بيبوَّظ أخلاقهم؟
- يعني عايزاني اضربه مثلاً؟ مش عيِّل ولازم نستحمله؟
- (بصوت عالي)... لأ طبعاً مش عايزاك تضربُه.. أنا عايزاك تيجي تقعد مكاني وتستحملُه.
- (يتلفت حوله في قلق ثم ينظُر لـ"سولى" بغضب)... عارف يا زِفت أنت لو مديت رجليك كده تاني؟ حالطُشَك قلم يلفِفَك حوالين نفسك.. وبعدين حاشيلَك من رجليك وارميك برَّه الطيارة.
يا نهار رُعب.. مافيش مثلاُ هاحرِمَك من المصروف لمدة أسبوع؟
مش هاجيب لك اللعبة اللى عاوِزها؟ هامنَعَك من الفُسحة لمدة يومين؟... هو يا إما تطلِق الطفل بدون توجيه والتطنيش التام وودن من طين وودن من عجين يا إما التهديد بالعاهة المستديمة والقتل مع سبق الإصرار والترصد؟!
نهاية القصة إيه؟... أبداً يا سيدي "سولى" قضّى باقي الرحلة مربَّع رجليه على الكرسي... وأنا قضيت باقي الرحلة مرعوبة إنه يمِد رِجليه ولو بالغَلَط!!!