عن "Dubsmash" وأشياء أخرى
- وآفة حارتنا إيه يا مُنى؟
كان ذلك سؤالا عابرا منها لي وسط دردشة قصيرة، أعرف أن "النسيان" هو إجابته النموذجية، لكنني أجبتها بلهجة مزجت بين السخرية والأسى.
الأفورة
(1)
بعينين جاحظتين وثغرٍ مفتوح، يوحيان بحالة من البله أكثر من أي شيء آخر، يعيد قراءة "البوست" الطويل الذي كتبه، والذي لم يحرص فيه على شيء، بقدر ما حرص أن يزينه بما يوحي بعمقه، من حديث عن قاعٍ قد ازدحم، وإقحامٍ لسيرة القهوة وفيروز، يضغط Post، ويغمض عينيه بانتشاء، في انتظار تعليقات أصدقائه على مقاله العظيم في هجاء الـ Dubsmash ومستخدميه، والعيشة واللي عايشينها إن لزم الأمر.
قصة قصيرة حزينة.
(2)
هاتفها قبيل الفجر، أيقظتها النغمة التي خصصتها له "ده حبيبي أغلى من عمري، والله أغلى من عمري"، تصورتْ لوهلة أنها تحلُم، ولكنّها تعرف أن الأحلام لا تكون أبدا بحلاوة تلك اللحظة التي ترى فيها اسمه على شاشة هاتفها، تجيبه بصوت أضفى عليه النعاس دلالا.
- أيوة يا روحي
- إحنا مش هنقدر نكمل مع بعض.
صامتة هي على الطرف الثاني من الخط، تتسارع دقات قلبها وتصلي بعينيها، أملا في أن تكون تلك دعابة ثقيلة، ولكن جديةً في صوته تنفي ذلك وبشدة.
- بصي، أنا فكرت كتير، ومش عاوز أظلمك معايا، إنتي عارفة كويس ظروف أهلي، وفهمتك من البداية إن أدامي مش أقل من خمس سنين علشان ..
تقاطعه باستجداء..
- بس أنا قولتلك إني هستناك.
- مش هينفع، صدقيني مش هينفع، فكري بعقلك مرة واحدة أرجوكي.
قصة قصيرة أكثر حزنا، والمأساوي فيها، أن السيد بطلها المتخاذل، الذي لم تتحسن ظروفه المادية حتى الآن بالمناسبة، يجلس اليوم خلف شاشة حاسبه، يُطلق نكاتا بشأن زواج مي كساب ومحمد صلاح، أوكا.
ذلك نوع من الناس أعرف، وتعرف أنت أكثر مني، أنه قد صار منتشرا كانتشار الإيبولا في ليبيريا وسيراليون، صحيح أن تقارير طبية تشير إلى تراجعه هناك، ولكن تقارير اجتماعية أقسم لك عليها بالعشرة، تُثبت أن ذلك النوع ينتشر ويتوغل في مصر وكأنما يتكاثر بالانقسام، ذلك النوع الذي لا أعرف حقيقة، ما الذي يضره في كون عمو حمادة عنده بطة بتعمل كدهوو !
ارتفع حاجباي حين قرأت تحليلا لأستاذ جامعي، ذهب فيه إلى أن مي كساب قررت أن تُطبق أحد القوانين الفيزيائية حين ارتبطت بأوكا طمعا في بعض من شهرته التي هي وطبقا للموازين المجتمعية الحالية أكبر من شهرتها، لكنني وعلى الرغم من حالة الدهشة التي لم أفِق منها حتى الآن، كدت أسجد لله شكرا، أن أحدهم لم يخرج لنا ليشرح المؤامرة السياسية التي تسعى بها دول معادية لتدمير عقول شبابنا الواعد، من خلال الـ Dubsmash.
يغلب حماري أحيانا في فهم سيكولوجية الأشخاص من حولي، أستغرب جدا أن يتداول ما يزيد عن عشرة ملايين شخص حول العالم تطبيقا للهواتف الذكية، وأن يُسجل بوساطته ملايين وملايين من المقاطع الساخرة، ثم نترفع عنه نحن، أصحاب الشهرة بخفة الدم، وننعت مستخدميه بالتفاهة والفراغ، على الرغم من أنه وفي رأيي، لا يوجد على هذه الأرض أكثر بؤسا من شخص يكلف نفسه شقاء متابعة مالا يعجبه، ليعبر بعدها عن أنه لا يعجبه، وفي يده أساسا حرية تجنب ذلك الشيء!
لا أفهم أن نهيم حبا في قصة جمعت بين نجم الكرة بيكيه والكولومبية الأشهر شاكيرا، وأن نتداول صور الإعلان عن مولودهما الثاني مصحوبة بتعليق "أكيد البيبي تشيز كيك ^-^ "، ثم نعلق على خبر قران أوكا وكساب بالمثل الشعبي "من همه اتجوز واحدة أد أمه"، على الرغم من أن تسعة سنوات تفصل أيضا بين عمري شاكيرا وبيكيه !
ولكن هل هذا كل شيء ؟
أنا لا أتصور، فالأفورة، شأنها شأن كل فعل، لها رد فعل مساوٍ لها في المقدار ومضاد لها في الاتجاه، وتبقى مشكلتنا لا في المبالغة في التعليق على الأشياء، وإنما في كوننا مبالغون أيضا، وبصورة أكثر ضراوة في التعلق بها، مبالغون في الحزن والفرح وفي الحب وفي الكره لذا يصبح أبسط قوانين الطبيعة، أن يُرد علينا بالمزيد من المبالغة، فندخل جميعا دائرة من الأفورة، لا طائل من وراها، سوى أن "تجيبنا ورا".
شعب مصر الحبيب، رسالة استغاثة رقم واحد:
بين أقصى اليمين وأقصى اليسار مساحة، حافظ على البقاء فيها، أرجوك !
اعتدلوا يرحمكم ويرحمنا الله ..