التوقيت الجمعة، 22 نوفمبر 2024
التوقيت 06:42 م , بتوقيت القاهرة

عصر الجواري

في هذيان الحلم عادت بي السنوات إلى زمن جميل تخيّلت فيه نفسي "توفيق الحكيم"، والسيدة حرمي هي "سيادات توفيق الحكيم"، تلك الحسناء التي تزوجته مُرحبة بشروطه الخمسة عشر القاسية، وفيها ألا تستقبل ضيوفًا في بيته.. لا من الرجال ولا من النساء.. وألا يصطحبها في نزهة أو رحلة، وأن يعطيها كل شهر مائتي جنيه، تدفع منهما إيجار البيت ومصاريف الطعام والكهرباء، ولا تتجاوز هذا المبلغ بمليم واحد . 


كما أنه ليس مسؤولاً عن مشاكل البيت والأولاد .. فهي أمور من صميم اختصاصها .. وأن يكون بيته هادئًا لا ضجة فيه ولا أصواتًا مزعجة حتى يتفرغ للكتابة.. وهو يعتبر نفسه مسجونًا في سجن بلا أسوار يدخل فيه عندما يريد ويخرج منه عندما يشاء. 


يقول في ذلك: لم تكن حياتي الزوجية بالنسبة لها مُيسرة، فأنا زوج من طراز أزواج القرن التاسع عشر.. لا اختلاط ولا خروج معي، وأكثر وقتي وحدي في حجرتي الخاصة مع كتبي وأوراقي.. أما أولادي الأربعة فقلما أكون بينهم.. وكانت أمهم تفهمهم أن أباهم مشغول فلا تزعجونه. 


المهم أن "سيادات" الرائعة لم تكتف بالترحاب بشروطه، وإنما كانت تجد لذة في خدمته.. لا تتركه إلا بعد أن تقدم له عشاءه وتضعه في فراشه وتغطيه باللحاف وتضع القربة الساخنة تحت قدميه، وتحرص أن تستيقط قبل أن يفتح عينيه بساعة لتعد له طعام إفطاره.. وهي تُشعره دائمًا أنه الملك، وأنها رعيته فقد أحبت المفكر الفنان فيه قبل أن تُحب الرجل.


وأفقت مذعورًا بفضل نكزة من زوجتي أعقبتها بصياح هادر: اصحى كل المنبهات اللي بترن دي مش سامعها.. الأولاد اتأخروا عن المدرسة.. وصلهم وادفع المصاريف.. والباص.. وبعدين روح ادفع فاتورة التليفون.. واشتراك النادي.. واطلع على شغلي جددلي الإجازة بدون راتب.. وأنت راجع عدي على ماما اطمن عليها.. عطست إمبارح وكل اجواز إخواتي طلوا عليها ما عدا إنت.. وما تدخلش بإيديك فاضية.. هات لها تورتة على شكل قلب.. واكتب لها عليها حمد الله على السلامة يا حماتي يا غالية علي.. وما تنساش تجيب لنا لحمة وفراخ وجمبري وخضار وفاكهة.. وعلى فكرة متبقاش تغافلني مرة ثانية وتحلم "بتوفيق الحكيم" ومراته.


صحت مبهوراً عرفتي إزاي؟!


مش شغلك.. دي آخر مرة تحلم فيها بالخزعبلات دي.. وإلا ..


وإلا إيه.. إنتِ عندك سُلطة مصادرة الحلم ؟


لا عندي سلطة الخلع.


هتفت مأخوذاً بدهشة بالغة.. الخلع؟!  


- أيوه الخلع.. مستغرب ليه.. إحنا كمان بقى عندنا خلع.. حا اغير الملة وأبقى تبع الشريعة الإسلامية وأخلعك.


استجمعت شجاعتي وانفجرت فيها :


- يبدو أنت تعيشين في دولة أخرى.. وتصورتي أن الإخوان قد رحلوا.. ولا تدركين أنهم ما زالوا يعيشون بيننا.. وفي دماء الكثيرين منا وفي قلوبهم وعقولهم بأفكارهم وأرواحهم وآرائهم "التنويرية العظيمة".


- وما علاقة الإخوان بما أقوله؟!


- أنهم كما تعلمين يزدرون المرأة ويحتقرونها ويعتبرونها عورة من أخمص قدميها حتى رأسها.. ثم استدركت مؤكداً:


ولا تنسى أيضاً أن حزب النور مازال موجوداً وبقوة، رغم أنه من المفترض عدم وجود أحزاب ذات مرجعية دينية.. (وما أدراك ما حزب النور).. وهم يعملون بدأب .. وعزيمة جبارة لإعادة سيطرة الرجل واسترجاع حقوقه المسلوبة من الهانم زوجة المخلوع وشلتها من عضوات المجلس الأعلى للمرأة، حيث – في عصرهم البائد – أرسوا فعاليات قهر الرجل ونفيه وطرد القبيلة الذكورية في المجتمع المعاصر، وتحويلهم إلى كائنات خرافية كالغول أو العنقاء أو أجناس منقرضة كالهنود الحمر.. وتعمدوا إذلال الرجل. 


إن رئيسة إحدى الجمعيات النسائية طالبت بإصدار قانون يفرض على الرجل أن يقوم بتنظيف المراحيض العامة إذا ما أخفق في القيام بواجبه في المعاشرة الزوجية خير قيام.


لقد انضممت فكرياً ووجدانياً إلى هؤلاء الظلاميين العظام، وأتابع في تشف وحبور مجهوداتهم الرائعة التي تسعى إلى عودة النساء إلى عصر الجواري.. كما أثلج صدري أن يتقدم الصفوف الآن ويقود المسيرة الأخ المبارك مولانا الإعلامي الكبير "عمرو أديب"، الذي دوت صرخته الرهيبة أرجاء المعمورة، حينما صاح في هستيريا حادة من خلال برنامجه "القاهرة اليوم"


- يعني إيه الزوجة ما تشيلش طبقي بعد ما آكل؟!  


- يعني إيه أرمي هدومي ومتعلقهاش؟!


سوف أطالبه في أول اجتماع لتكوين ائتلاف "يارجال العالم اتحدوا"، والذي يشرفنا جميعاً أن يكون هو رئيس النضال لمحاربة مساواة المرأة بالرجل.. وتشجيع الختان وزواج القاصرات.. والسعي إلى ضم البقية الباقية من الليبراليين والمستنيرين إلى السلفيين وأباطرة الفتوى.. ونطالب بإلغاء المجلس القومي للمرأة وإنشاء المجلس للرجل.. وإلى عودتها إلى المنزل حبيسة لا تبرحه إلا إلى القبر وعدم جواز توليها أي مناصب قيادية ونفيها من فردوس الولاية لأنها تحيض.. وهو ما يضعها في مرتبة دنيا لا تستحق سوى النبذ والاحتقار.


ثم هتفت في حماس بالغ:


يعيش .. يعيش حكم المرشد؟!