"مشروب الصداقة" يعيد البهجة إلى قلوب السوريين
بدأ عام جديد وبعض الدول مازالت على حالها، تعاني الاضطرابات ولم يتغير شيء والشعوب تنتظر العام يليه العام فربما تتحسن الأوضاع.
هذا هو لسان حال الشعب السوري الذي يقف مكانه ينظر حوله، فكل الدول المجاورة التي عانت من الثورات والاضطرابات بدأت تتعافى من جديد، لكن السوريين ينتظرون.
بعضهم فر إلى مخيمات اللجوء بعد أن فقدوا بيوتهم، خوفا من القصف والهجمات اليومية التي عانوها، والبعض الآخر ترك أرضه ولجأ إلى دول أخرى بحثا عن مكان أوفر أمانا مودعا كل شيء، ووطن لا يعرف متى يعود.
اللاجئون يعانون من البرد القارس في الشتاء، ووسائل الإعلام تنقل صورا من معاناة هؤلاء وسقوط بعضهم متجمدين، ومع الأهوال التي يشهدها أبناء هذا الشعب ترافقهم بعض العادات اليومية، مثل عشقهم للتجمع والثرثرة الشتوية، بينما يحتسون "مشروب الصداقة" الذي يمثل لديهم معنى الدفء وبعض البهجة، وربما سببا لابتسامة مسروقة في ظل تلك الأوضاع.
"مشروب الصداقة" أو ما يعرف بالمتة هو مشروب عشبي يحضر دافئا، ويعد بمثابة عادة مرتبطة بأبناء الشام ولبنان، لكن مهلا فتلك العادة ليست شامية في الأصل.
على الرغم من أنها أصبحت تشكل جزءا مهما من الثقافة السورية اليومية، لكن بالعودة لأصل المشروب نجد أن أصله يعود إلى شعب الغواراني، وكانوا سكان أرض ضمن الباراغواي وجنوب البرازيل شمال شرق الأرجنتين حاليا، إيمانا بأسطورة تقول إن آلهة القمر والغيوم نزلت للأرض مرة لتزورها وبدلا من أن يجدها الفلاحين وجدوا فهدا حاول الانقضاض عليهم، إلا أن رجلا عجوزا حكيما ساعدهم في النجاة فكافأته الآلهة بأن أعطته "مشروب الصداقة".
وتم استقدام المتة إلى الوطن العربي مع مطلع القرن العشرين، عندما كان العديد من سكان بلاد الشام تحديدا يهاجرون أمريكا الجنوبية سعيا لكسب الرزق.
وفي سوريا
يتركز استهلاكها في منطقة جبل العرب وفي منطقة حمص ومدينة سلمية وفي الساحل السوري، إضافة إلى بعض المناطق الداخلية مثل بعض بلدات القلمون خصوصا النبك ويبرود، التي يوجد فيها أكثر من معمل لتعبئة المتة.
أصبحت المتة مع نهاية القرن العشرين مشروبا رسميا للعديد من المناطق وتحديدا في طرطوس وريفها وفي جبل الزاوية بريف ادلب وريف حماة، بعضهم يشربون المتة مع إضافة بعض الأعشاب المحلية ذات المنشأ الطبيعي - نباتات برية - كالزعتر والنعناع البري والزوفا مما يجعلها أكثر لذه وأطيب مذاقا.
وأصبح العديد من رواد المتة يشربونها مع وضع المكسرات إلى جانبها، لتصبح يوما بعد يوم عادة متأصلة في العديد من مناطق ومدن وقرى سورية،
و"المتة" كلمة إسبانية توصف بها في بارغواي وتعني قرعة، وتشرب في كأس خاص بها مصنوع من خشب الجوز المجفف، ويتكون المشروب من عشب أوراق نبات البَهْشِيِّة البراغوانية.
يلجأ السوريون إلى المخيمات تاركين تاريخهم وذكرياتهم ومتعلقاتهم وأحبتهم، بعد أن فقدوا العديد منهم هربا من جماعات الإسلام المتطرف، أو خوفا من قصف لا يعلمون مصدره، في النهاية هم ضحايا يذهبون للقاء لاجئين آخرين يعانون البرد، ليحتسوا "المتة" مستجدين الدفء ويبتسمون ويتحدثون عن أحلام العودة.