الشرطة الحديثة في مصر على يد محمد علي باشا
الشرطة نظام حضاري يهدف إلى الحفاظ على الأمن والكيان الداخلي للدولة، وبعيدا عن تشكيلها التابع لأنظمة الدول الحديثة، فهي وظيفة معروفة منذ بدء التجمعات البشرية.
مسؤولية الحفاظ على الأمن
عند تكوين المجتمعات البدائية، كانت الناس بحاجة لمن يتولى مسؤولية الحفاظ على الأمن وحماية الأفراد، فتولى رجال القبيلة هذه المسؤولية، وتدريجيا أصبح شيخ القبيلة أو زعيمها يعتمد على مجموعة من الرجال، للحفاظ على نظامه، ضد المعتدين من أجل الحفاظ على النظام والعرف.
وظهرت في وقت لاحق الشرطة، كجهاز مؤسسي تابع لنظام الدولة، بمعنى وجود قوات مرتبة، ومكلفة بحفظ النظام ومنع الجريمة.
ماذا تعني الشرطة؟
وكلمة الشرطة هي تفسير لما كان يتميز به رجالها من "شرط" بضم الشين، أى علامات ظاهرة تميز هؤلاء الرجال عن غيرهم.
وكان لكلمة "شرطة " معنى آخر، حيث أطلقت على أول كتيبة من الجيش تشهد الحرب.
البوليس والحضارة
كلمة البوليس ترجع للغة اللاتينية، وهي المأخوذ به في بلاد العالم المختلفة، وتعني الحفاظ على أمن المدينة والحضارة، ومن هنا نرى العلاقة الوثيقة بين الأمن والرقي الحضاري، فكان جهاز البوليس معنيًا بالمحافظة على أمن الدولة ومكتسباتها الحضارية.
استعملت كلمة بوليس أول مرة في مصر سنة 1863، عندما استدعى الخديوي إسماعيل الضابطين الإيطاليين كارلسيمو Carlsiom، والمركيز نيجرى Marquis Negri، وأوكل إليهما تشكيل قوة نظامية لحفظ الأمن تحل محل طائفة "القواسة"، الأتراك غير النظاميين.
تاريخ الشرطة المصرية
يعتقد البعض أن جهاز الشرطة من مستلزمات الدولة الحديثة مع وصول محمد علي إلى سدة الحكم، في مطلع القرن التاسع عشر، مع التنظيمات التي أدخلها لتحديث مصر.
مينا موحد القطرين أول من أسس الشرطة
لكن التاريخ يثبت عكس ذلك، فجهاز الشرطة عرفته مصر مع بدايات الدولة المصرية القديمة، عندما وحّد مينا مصر، فظهرت الحاجة الماسة لإدارة تنظم أعمال توزيع مياه النيل بين المصريين، فكان جهاز الشرطة الذي اقتصرت مهمته الأولى على توزيع مياه النيل بشكل عادل، بين جميع المصريين آنذاك.
وكانت العلاقة ودية بين الشعب والشرطة في عصر الفراعنة، وهو ما عبر عنه الحكيم "آني" لابنه، بأن يكون على وفاق كامل مع رجال الشرطة، قائلاً: "اتخذ من شرطي شارعك صديقاً لك ولا تجعله يثور عليك، وأعطه من طرائف بيتك، حينما يكون منها في بيتك في أيام العيد، ولا تتغاضى عنه وقت صلاته بل قل له: المديح لك".
على العكس من العلاقة الطيبة، التي جمعت بين المصريين والشرطة في عصر الفراعنة، ساءت العلاقة بينهما في عهد دولة البطالمة.،فقد أصبح رجال الشرطة من الإغريق الغرباء، الذين لا همّ لهم إلا جمع المال واحتقار المصريين.
وعند نهاية عصر البطالمة ومن بعدهم الرومان، تم الاستعانة بالمصريين في جهاز الشرطة، ما ساعد على عمل هذا الجهاز الحيوي بكفاءة مرة أخرى، وإن كانت قيادة الشرطة ظلت في يد القيادة العليا "دوق مصر" لقوى الاحتلال في مصر، إبان الاحتلال الروماني.
نظام العسس في الإسلام
مع دخول الإسلام إلى مصر في عام 21هـ/641م، شهدت أنظمة الشرطة تغيرات جذرية. وأطلق عليها نظام "العسس" في عهد الخليفة عمر بن الخطاب. وفي عهد الخليفة علي بن أبي طالب، نظمت الشرطة وأطلق على رئيسها صاحب الشرطة، وكان يُختار من علية القوم، ومن أهل القوة.
انفلات أمني
دخلت مصر في حالة من الانفلات الأمني مع الغزو العثماني لها في سنة 922هـ/1516م، وفي ظل الصراع بين القوات العثمانية ممثلة في الباشا، وقوات الانكشارية والعربان وبقايا أمراء المماليك بزعامة شيخ البلد، تمكن قائد الغزو الفرنسي بونابرت من احتلال مصر.
محمد علي باشا
لم تنقطع حالة الفوضى تلك إلا مع وصول محمد علي إلى سدة الحكم عام 1805م، فبدأ تنظيم جهاز الشرطة ضمن مشروعه التحديثي، وأوكل هذه المهمة لـ"لاظوغلي كتخدا"، الذي أعاد تنظيم الشرطة في كيان محكم.
توسعت بعد ذلك مهام الشرطة، التي بدأت تأخذ طابعها العصري من حفظ الأمن في مختلف مرافق الدولة، وبدأ استحداث بعض الإدارات التابعة للجهاز، كشرطة الجمارك والبصاصين "الشرطة السرية"، وكانت مهمتهم التنكر في أزياء الباعة الجائلين، والتردّد على دور الناقمين على السلطة الجديدة، ورفع تقارير الى أولي الأمر لاتخاذ اللازم.
وصدر في عهد سعيد باشا أمر رسمي سنة 1858م، بمنع رجال الشرطة من استخدام العنف ضد المتهمين أثناء التحقيق، وألا يتجاوز ضرب من يتضح إدانته منهم بأكثر من 200 جلدة.
الخديوي إسماعيل
مع تولي الخديوي إسماعيل الحكم سنة 1863م، استدعى الضابطين الإيطاليين كارلسيمو والمركيز نيجري، وأوكل إليهما مهمة تشكيل قوة نظامية لحفظ الأمن، تحل محل طائفة "القواسة" الأتراك غير النظاميين. ومع هذه الطائفة ظهر على السطح مصطلح "البوليس" لأول مرة في تاريخ مصر.