التوقيت الإثنين، 23 ديسمبر 2024
التوقيت 09:47 م , بتوقيت القاهرة

المواضيع المفضلة لكُتاب الأغنية المصرية.. سنين العذاب

صحيح إن الكتابة عند ناس كتير هي بالأساس تفريج عن المعاناة، بس تحس إننا فـ مصر، وبالذات فـ الأغاني مزودينها حبتين، لأ تلات حبات. فـ كتير من أغانينا تحس إنها مش مهتمة بالموضوع اللي بـ تتكلم فيه قد ما هي مهتمة بإنها تسود الدنيا فـ عينيك، وتصدر لك أكبر كمية كآبة ممكنة.


من الصعب الكلام عن كافة أشكال العذاب في الأغنية المصرية، بس خلينا ناخد سلخة كده بطلها الحاج حنفي محمود والمقدس عبد المسيح محروس وولده نصر، ويمكن شوية سيد نصر. ودول أصحاب شركات إنتاج أغاني نشطت في التمانينات والتسعينات، وتخصصت في إنتاج الأغنية "الشعبية" وأصدرت أهم "هتات" حسن الأسمر وطارق الشيخ وعبد الباسط حمودة وغيرهم من نجوم العذاب.


في التمانينات والتسعينات كانت الألبومات ليها ترتيب معين، مش مجرد تنقية أغاني حلوة (من وجهة نظر المنتج) لأ، الغنوة الأولى (اسمها الهيد) ليها شكل معين، التانية ليها شكل، الأخيرة ليها شكل، كده يعني.


فـ الألبومات المذكورة كانت آخر أغنية في الألبوم حاجة بيسموها "الموال"، مع إنها من الناحية الفنية مش موال، الموال ليه شكل في نظْم الكلمات مش متوفر في الأغاني دي، بس يمكن لأنه لازم يدوها اسم معين، وكان الموال أقرب حاجة ليها.


الأغنية دي كانت لازم تبقى حتة من قاع جهنم شخصيا، يعني من أوائل "المواويل" دي: كتاب حياتي يا عين بتاعة حسن الأسمر، اللي يعتبر واحد من رواد العذاب في الأغنية المصرية، وطبعا سألوني ويا خوفي من سكات زمني.


ومن أوائل الناس برضه اللي اشتغلت اللون ده مجدي طلعت في ألبوم "اللي عايزني يجيني"، ساعتها عمل موال "أنا كده زعلان" وبعد الأسمر وطلعت اشتغل ناس كتير. 


طارق الشيخ مرة قال لي إنه كان رافض يشتغل أغاني جديدة، ومقفل الألبوم، فـ المنتج اتصل بيه وقال له إن مؤلف وملحن جداد جايبين له أغنية، قال له: ما انت عارف يا حاج إني قفلت الألبوم. قال له: تعال بس ده الموال اسمه "دقيقة حداد". قال له: طب امضي معاهم لـ حد ما أجيلك.


يا سلااام! "دقيقة حداد" ده موال نجاحه مضمون، وقد كان.


في المواويل دي لازم طبعا الشكوى من الزمن اللي ظالمنا ومبهدلنا وبـ يضيع حق الأصيل، وبـ ينصف الظالم والعويل. وما تبقاش عارف لما كل الناس دول أصلاء ومظلومين وغلابة، أومال مين اللي بـ يظلم؟


ولازم الصاحب يبقى غدار، والحبيبة خاينة والأخلاق ضايعة والوفا في ذمة الله. وجوه الشكل الكبير ده، فيه معاني ثابتة، زي إن اللي إحنا بنيناهم هدونا، واللي ساعدناهم دمرونا. 


الرابط بين كل الحاجات دي هي إحساس الاستشهاد القائم على إننا أطهار بـ نتعامل في حياتنا مع ناس أوساخ مسيطرين على حياتنا.


مش عايز أبقى متعسف فـ التأويل، لكن فـ الحقيقة الواحد اكتشف بعد 25 يناير إن الشعور ده متمكن في نفوس المصريين ومسيطر بما في ذلك المثقفين اللي بـ يتريقوا من الأغاني دي.


ظهر ده على اختلاف المراحل، وباختلاف التوجهات، وراجع الأفكار اللي اتقالت (اللي قلناها كلنا) من أول: لماذا لا يموت ولاد الوسخة؟ لـ حد أي توديع لأي سنة وإزاي إنها كانت سنة كئيبة، والاحتفاء بـ حاجات زي: "بـ أقول لك أيام سودا" والمقاطع اللي الناس بـ تشيرها من الأفلام، زي مشاهد فيلم جاءنا البيان التالي في ليلة راس السنة.
وهـ نروح بعيد ليه؟
شوف النجاح الساحق لأغنية زي "آه يا دنيا" اللي تعتبر نموذج مكثف لكل تراث العذاب عند المصريين، أو راجع كل أغاني مصطفى كامل مؤلفا وملحنا ومطربا ومنتجا، وقول الحمد لله الذي عافانا، أو الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه، وصباح الخيرات.