التوقيت الأربعاء، 05 فبراير 2025
التوقيت 10:46 ص , بتوقيت القاهرة

حوار| مدير "الملحدين العرب": لسنا شياطين ودورنا إيجابي في المجتمع

حوار- أحمد الفخراني، أحمد بلال:

"الإلحاد" و"الملحدون"، مصطلحات كثر تداولها في الفترة الأخيرة، داخل المجتمع المصري، ويعرف الملحد دائما بأنه الشخص الذي يرفض الإيمان بالله والأديان. "دوت مصر" التقى العراقي علي النجفي، مدير ومؤسس موقع "الملحدين العرب"، لطرح رؤيته حول الظاهرة، والحديث الموقع وتاريخ إنشائه، وتمويله، وصناعة الإرهاب في الوطن العربي، إضافة لأسباب هجوم الملحدين على الدين الإسلامي.

- حدثنا عن فكرة إنشاء الموقع وتاريخ ظهوره؟

افتتح "الملحدين العرب" في عام 2011، كموقع مخصص لإذاعة الملحد العربي، التي أنشأها بسام بغدادي وعلي علي، ولم يضم في ذلك الوقت إلا حلقات الإذاعة التي كانت تُعرض على "يوتيوب"، مع بضع صفحات تعريفية عن القائمين عليها، واستمر على هذه الصورة عامين، حتى اتصل بسام البغدادي بهيئة تحرير مجلة "الملحدين العرب" وناشطين آخرين كإسماعيل محمد وألبير صابر، وأعرب عن رغبته في إنشاء موقع يضم مجموعة أعمال تحت مظلة واحدة، ومن هنا بدأنا العمل على الموقع في منتصف عام 2013 لبضعة أشهر، حتى تم إطلاقه بصورته الجديدة تحت مسمى "قناة الملحدين بالعربي" مطلع العام الحالي، فلاقى شعبية كبيرة، وأضفنا له محتويات يتابعها العديدون، ومعظم هذه المشروعات لم تبدأ منذ افتتاح الموقع، ولكن لها تاريخ يمتد منذ أول منتدى للملحدين العرب.

- وهل واجهتم صعوبات رقابية بسبب فكرة الموقع غير المرحب بها في المجتمع العربي؟

بالطبع، فقد حظرت بعض دول الخليج العربي الموقع، كما تم حظره بواسطة بعض شركات الإنترنت في العراق، إلا أنه بسبب إتاحة الموقع في جميع أنحاء العالم، يستطيع الزائر التعامل مع هذه الأمور بسهولة، ونستطيع نحن أيضا التعامل مع ذلك.

- ما مدى تفاعلكم مع القراء غير الملحدين ومعدل القراءات بالموقع؟

محتوى الموقع موجه للجميع، ونتلقى رسائل من قراء مسلمين ومسيحيين طوال الوقت، وحين يتم نشر المحتوى على شبكات التواصل الاجتماعي، وجدنا كثيرا من ردود الفعل الإيجابية والاهتمام من أشخاص غير ملحدين، كما أن معدل القراءات لدينا يتزايد، حيث تصل زيارات الموقع في بعض الأحيان إلى 5 آلاف في اليوم الواحد، وبلغ معدل زيارات الموقع لشهر نوفمبر الماضي، 3 آلاف زيارة لليوم الواحد.

- وكم عدد القائمين على الموقع، وكيف تمولونه؟

يشارك في بناء الموقع صحفيون من جنسيات مختلفة، من أقصى شرق الوطن العربي، وحتى دول المغرب العربي، وعلى الرغم من أن معظمهم لا يمتهن الصحافة على أرض الواقع، فإنهم يعملون كتّابًا وناشرين محترفين، والموقع لا يحتاج إلى قدر كبير من التمويل، فمعظم محتوياته يتم إنشاؤها مجانا، والموقع نفسه قائم بهدف توفير مادة فكرية لا توفرها الوسائل الإعلامية الأخرى نتيجة لطبيعتها، ومن المفترض أن تمول الفكرة ذاتها الموقع، فنحن لم نؤسسه كاستثمار مادي ربحي، لذا لن تجد فيه إعلانات، أو ما يماثلها من الأمور الربحية.


- "الإلحاد" مصطلح يسمعه الناس كثيرا هذه الأيام.. هل ترى أن هناك خلطا بينه وبين الربوبية واللاأدرية، وما الفرق بين كل منهم؟

الإلحاد بمصطلحه الكلاسيكي هو الميل عن الشيء، إلا أن هذه الكلمة تستخدم مؤخرًا كترجمة لكلمة Atheism الإنجليزية، والتي بدورها تعني اللادينية أو اللاربوبية، وهناك فارق بين الاثنين حاليا، فكلمة "ملحد" تستخدم لوصف كل من لا يؤمن بوجود الإله، وأحيانا لوصف من لا يؤمن بوجود الغيبيات بشكل عام، أو من لا يعتقد بصحة الأديان بشكل خاص، وربما تجد من لا يؤمن بصحة الأديان فحسب، مؤمنًا بوجود إله لم تصفه الأديان، لذا فتسمية لا ديني مناسبة أكثر له وأحيانا يسمى ربوبيا.

أما اللاأدريين فهم من يصرّحون بعدم إمكانية نفي أو إثبات وجود الإله، ربما لأنه ليس ضمن معارفنا الحالية، وربما لن نتمكن من ذلك أبدا، فمسألة المصطلحات هذه محيرة، وقد لا يتفق عليها من يطلقون على أنفسهم هذه المسميات، وبمجرد بحث صغير على الإنترنت، ستجد كما هائلا منها كالعدمية واللااكتراثية والإنسانوية والكونية، عموما يمكنك إطلاق تسمية "ملحدين" عليهم جميعا للسهولة، على الرغم من أن هذا الوصف قد لا ينطبق عليهم تماما بمفهمومه الحديث.

- رغم كثرة الأديان الموجودة في العالم.. لماذا يركز الملحدون هجومهم على الإسلام في أغلب الأحيان؟

طبيعة المجتمع العربي، وكون الأغلبية الساحقة من العرب مسلمين، جعلا الإسلام مصبّ اهتمام نقاد الأديان العرب، وستجد السؤال نفسه مطروحا على نقاد الأديان الغربيين، بصورة: "لماذا لا يهاجم الملحدون إلا المسيحية؟"، ورغم هذا تجد أن الكثير من نقاد الأديان الغربيين ينتقدون الإسلام كذلك، ولكن بصورة أقل، وتجد أن نقاد الأديان العرب ينتقدون المسيحية ولكن بصورة أقل.

وزائر موقع "قناة الملحدين بالعربي" سيجد أن كليهما يحصل على نصيبه من النقد بشكل متساو تقريبا، فقد لاقت المسيحية واليهودية اهتماما من كتاب مجلة "الملحدين العرب"، وانتقدت خلالها الوصايا العشر "الوصايا العشر لجورج كارلن"، والتشكيك في وجود المسيح "أعظم قصة رويت على الإطلاق"، إضافة إلى تحرّي الأخلاقيات الإنجيلية "الإنجيل وأخلاقيات الله"، مع كتابات أخرى تنتقد الأديان الإبراهيمية بشكل عام "الجذور الوثنية للأديان الإبراهيمية".

- ما تعليقك على إحصائية وزارة الأوقاف عن عدد الملحدين المصريين والعرب؟

لا تعتمد هذه الإحصائيات على بيانات رسمية، فبمجرد أن تسأل شخصا من المارة "هل أنت ملحد؟" فقد رميت عليه شبهة وقد تعرّض حياته للخطر، وأكثر ما يمكن أن توصف به هذه التصريحات، أنها مجرد تخمينات وشائعات.

المشكلة أنهم ينظرون للأمر بشكل خاطئ، فكأننا سندخل حربا ونرى من سيتغلب فيها عددا، على عكس ما يشاع، فنحن لا نهتم بعدد هذه الفئة وتلك، ما يهمنا هو دخول التفكير النقدي والقيم الإنسانية النبيلة عقل الإنسان، وألا تشوب ذلك أفكار عقائدية أو إيدلوجية.

- وكيف تنظرون لموقف الأزهر الرافض لتكفير داعش؟

هو قرار متوقع جدا، فـ"داعش" وغيره من التنظيمات الجهادية يريد تطبيق الصورة الأصولية الحرفية للدين، والأزهر وغيره من المؤسسات الدينية التي تود أن تمتاز بالحداثة والاعتدال في الدين تخشى على سمعة هذا الدين.

شخصيا أرى أن هذا الموقف جيد، فلعل الدين الإسلامي يمر بالمرحلة التي مرت بها المسيحية، ويخرج لنا بدين أقل تشجيعا على أعمال العنف، فلا يمكن أن ننسى أن المسيحية تحمل بصورتها الأصولية نصوصا لا تقل عن نصوص الإسلام من ناحية العنف والإرهاب، ولا ننسى أن الفترة التي سيطرت فيها المؤسسات الكنائسية على أوروبا أصبحت تدعى بالعصور المظلمة، بينما يصرح البابا فرانسيس علنا اليوم بصحة نظرية التطور، وبتسامح الدين المسيحي مع المثلية الجنسية وغيرها.


اقرأ أيضا:

- في رأيك.. كيف يصُنع الإرهاب في عالمنا العربي؟

هذا السؤال يحتاج أوراقا كثيرة للإجابة عنه، والمسألة معقدة جدا لصعوبة تحديد الموقف والمصطلح، فعادة ما نجد الأهداف سياسية، ولكن جذور التطرف تنبع من أفكار دينية، فبينما يوفر الدين النظام الفكري الذي يقود الفرد لأن يكون إرهابيا متميزا، تمجد مجتمعاتنا العربية هذه المعالم أيضا، فتجد أن الضعيف يتم الاعتداء عليه من القوي، وتجد أطفالنا مهووسين بفكرة إنشاء "عصابات" تلاحق بعضها بعضا، وتجد أن من يجيد استخدام السلاح يوصف بأنه "أكثر رجولة"، وهذه الصفة تقع في أعلى سلم الأوصاف الإنسانية داخل مجتمعنا، كما تجد حشدا لجميع الإمكانيات الترويجية لتسليط الضوء على تاريخنا، ثقافتنا، لغتنا، شعرنا، قصصنا، أخلاقياتنا، قيمنا، فلسفاتنا، بطريقة تصب وتخدم صناعة الفرد المحارب، الشرس الصنديد، الشجاع، القومي، الشوفيني، المضحي، الشهيد، عديم الرحمة على أعدائه، ببساطة فقد تمّت "عسكرة" مجتمعنا العربي بشكل مؤثر جدا.

- هل هناك تبشير ودعوة للإلحاد؟

لا، فالإلحاد موقف سلبي لا يحتمل معناه أكثر من عدم الإيمان بوجود إله، ولكن المسألة التي تدعو الملحدين لنشر أفكارهم هي أنهم يعدونها غرضا، فتجد الملحد يكتب وينشر أفكارا معرفية وثقافات لن يكتب أو ينشر عنها غيره، ناهيك عن كون نظامنا التعليمي بشكل عام منحازا وبائسا جدا، يقوض أفكار الفرد وعقلانيته بدلا من أن ينميها، لذا وجد الملحد مسؤولا عن القيام بدوره في المجتمع بالكتابة والنشر وتوفير مادة معرفية وثقافية بديلة.

ومن ناحية أخرى، يرى كثير من الملحدين أن الأديان، وخصوصا الإبراهيمية، لها دور سلبي في المجتمع بصناعة العنف والإرهاب والتخلف، وبذلك لا بدّ أن يكون لتركها أثر إيجابي، ولا أنفي أن هناك ملحدين يدعون بالفعل للإلحاد ويبشرون به وكأنه دين بذاته، لكنها حالات جزئية وليست كلية.

- هل العلم هو إله الملحدين كما يقول كثيرون؟

علاقة العلم بالملحد لا تقل أو تزيد على علاقة أي شخص به مهما كانت هويته الدينية، غير أن الشخص المتدين قد يجد تعارضا بين ما يرويه له العلم وما يرويه له الدين، فيقع في حيرة وعادة ما يختار الدين، والعلم ببساطة يوفر للملحد إجابات مقنعة وجيدة جدا لأسئلة لا يعلمها الإنسان، ويستحيل أن يعد العلم دينا أو إلها لطبيعته وفلسفته القابلة للنقد والشك.

- كيف يصدق الملحد نظريات يتم دحضها بعد فترة بنظريات أخرى؟

إن كان هناك ملحد يصدق نظرية لا يوجد عليها إثبات أو تم دحضها، فهو مؤمن بحسب تعريف هذا المصطلح، وحينما يتم دحض نظرية ما عادة ما يستعاض عنها بنظرية علمية أخرى، وإن لم يكن الحال هكذا، فلا بأس أبدا من القول التالي: "لا أعلم".

- موقف الملحدين من القضايا الأخلاقية يثير المجتمع الشرقي، خاصة فيما يتعلق بالحريات الجنسية، فكيف ينظر الملحد للأخلاق؟

لا يتفق الملحدون على أي أمر سوى عدم الإيمان بالله، فترى أن بعضا منهم يتبعون مجموعة من القيم الأخلاقية، وترى آخرين يؤمنون بغيرها، ويمكن أن تشاهد بعضهم متأثرين بالثقافة الغربية وما تقدمه من قيم أخلاقية مختلفة عما نشهده في المجتمعات العربية، بينما هناك آخرون ما زالوا يلتزمون الطابع الشرقي ولا يميلون عنه.

شخصيا، أرى أن الأخلاق دافع نفسي، جاءت نتيجة امتلاك الإنسان عقلا معقدا، وما يثبت صحة قولي وجود كثير من النصوص العلمية التي تبين بعضا من القيم الأخلاقية لدى حيوانات مختلفة، وأنا أرى أن الحرية الجنسية حق إنساني، أي إن كل فرد يحمل صفة إنسان، يجب أن يحصل على هذا الحق.

نحن نجد غرابة في قناعة المؤمن المطلقة دوما بالقضايا الأخلاقية واصطفائه للقيم الأخلاقية، فلا يقتل إلا من عارض الدين، ولا يسرق ولكن من حقه أن يسبي، بل حتى موضوع الزنا، نجد أن له مخارج عدة كالمسيار والمتعة وغيره، فالمتدينون يختلفون في أمور أخلاقية كثيرة، لاعتماد النصوص الدينية على معارف إنسانية خارج الدين، فمثلا إن كان الإجهاض محرمًا لكونه قتلا عمدًا، فمتى تقع هذه الفترة التي يصبح فيها الجنين إنسانا يمكن قتله؟ هذا السؤال يثبت لنا أن الدافع الأخلاقي مرتبط بالإنسان وليس بالدين.

- لماذا توجد صورة نمطية للملحد بأنه الشخص السكير الذي لا يهتم بشيء، ولا هدف له في الحياة؟

هذه صورة مغلوطة زرعها الشيوخ لأمر يجهله متابعوهم، فهم يحاولون دائما شيطنة الآخر بشكل قبيح لتخويف أتباعهم، فالمسيحي لدى المسلمين شخص يأكل الخنزير ويشرب الخمر، والمسلم لدى المسيحيين إرهابي لديه أربع زوجات، والدرزي له قرون وذيول تخرج ليلا، واليزيدي يعبد الشيطان ولا يخرج من دائرة إن رسمتها حوله، لهذا لا بدّ أن يحصل الملحد أيضا على نصيبه من هذه الشيطنة.

لا يعلم المرء ما إذا كان المحامي الذي استأجره آخر مرة ملحدا، وقد يكون الطبيب الذي وقع بين أيديه في آخر عملية جراحية ملحدا أيضا، وقد يكون المدرس الذي يستقي منه الأطفال معلوماتهم كذلك، أو قد يكون أحد الطلاب أنفسهم، نحن حالنا حال المسيحي والمسلم والدرزي واليزيدي؛ أشخاص عاديون جدا، لا يمكنك التمييز بيننا وبين أي شخص ذي أي هوية دينية يسير جنبا إلى جنب معنا في الشارع.