أطباء الروح.. مهرجون يقدمون عروض "أونلاين" للأطفال وكبار السن بسبب كورونا
ومع انتشار جائحة كورونا، حاول مؤخرا المهرج جاليفورد آدامز، بعث جو من المرح عندما ملأ حقيبة كبيرة خضراء اللون بأدوات المهنة، للترفيه عن عشرة من الأطفال الذين يشعرون بالملل ولم يصلوا إلى سن المدرسة بعد، وذلك بمركز للرعاية اليومية للأطفال فى مدينة جلينديل بولاية كاليفورنيا لمدة ساعة تقريبا، وفجأة شعر آدمز بالقلق من أن الحيل التى سيقدمها لن تثير الضحك، وفقا لما نقله "العين الإخبارى"، عن وكالة الأنباء الألمانية.
والسبب فى هذا الشعور هو تساؤلات طرأت على ذهنه، منها هل يستطيع الأطفال فهم نكاته التى أصبح يتعين عليه أن يصيح بها من خلف كمامته؟، وهل يستطيعون متابعة حيله السحرية السخيفة وخفة يديه من مسافة التباعد الاجتماعى الآمنة؟، بل هل هم يريدون فعلا البالونات التى على شكل حيوانات بعد أن يتم تطهيرها بالمواد المطهرة؟، وظلت مثل هذه المخاوف تنتاب المهرج فى زمن كورونا.
وقال آدمز - وهو يضع فى يديه زوجا من القفازات البلاستيكية الزرقاء محاولا إخفاء عبوس وجهه الناتج عن القلق بابتسامة عريضة وأنف أحمر على شكل بصلة، تم رسمه على كمامة قماشية بيضاء - "أشعر أن الجو كله غير مترابط إلى حد ما"، مضيفا "إنك لا تستطيع أن تفعل كل شىء تريده".
وبالفعل تحققت مخاوفه حيث بدأ يوم الترفيه فى مركز الرعاية بشكل متعثر، وكان آدامز يرتدى سروالا مزينًا بنقط سوداء وبيضاء وحمالات حمراء وقميص به مربعات وقبعة حمراء، وبذل جهدا كبيرًا لكى يستطيع التواصل مع الصغار الذين كانوا يجلسون على الجانب الآخر من الحديقة بمسافة آمنة، لكن لم تلق أول دعابتين استجابة، وعندما لم تظهر الحيل السحرية أثرها المطلوب، بدأ المتفرجون الصغار يتململون فى مقاعدهم.
وعندما لم يتمكن آدم من استخدام الحركات المثيرة والتفاعلات التى يعتمد عليها المهرجون للتواصل مع الصغار، بدأ يتصبب عرقا تحت أشعة الشمس التى أخذت تزداد سخونة مع مرور الوقت فى الصباح، وحينها تعرض آدامز لأزمة مالية من جراء جائحة كورونا، مثله فى ذلك مثل بقية العمال الذين ليست لهم وظائف ثابتة، وكذلك من جراء التغيرات الحادة التى جلبتها الجائحة على الحياة اليومية، حيث قبل تفشى الفيروس كان بإمكانه أن يؤدى نحو 6 عروض طوال عطلة نهاية الأسبوع ويحصل على 1000 دولار.
ويعد العرض الذى قدمه فى فناء مركز الرعاية اليومية بجلنديل، هو الثالث من نوعه فقط منذ صدور الأوامر الاحترازية بالبقاء بالبيت، ومنذ ذلك الحين لم يقدم أى عرض آخر، ويشكو آدامز - الذى يسكن فى شقة صغيرة مع زوجته وطفلاه التوأم - قائلا "يتعين على أن أسدد قسط القرض العقارى، وكذلك قيمة الفواتير، ويجب على أن استكشف كيفية العمل فى عالم يهدده فيروس كورونا، ونحن جميعا نحاول الإبحار فى هذا العالم والخروج منه بسلام".
غير أنه إذا كانت الجائحة قد أغلقت الحسابات المصرفية وأدمت الأنوف الزائفة للمهرجين مثل آدامز، فإنها فتحت الباب أمام عارضين آخرين، وحيث أن الجائحة اضطرت المستشفيات إلى إغلاق أبوابها أمام مقدمى الخدمات باستثناء الأطقم الأساسية، فإن المهرجين الذين كانوا يعملون فى المستشفيات للترفيه عن المرضى نقلوا عروضهم إلى المنصات الإلكترونية على الإنترنت، وكانت عروض المهرجين بالمستشفيات التى تعرف أيضا باسم برنامج "رعاية المهرج" معروفة منذ 30 عاما.
ومن جهتها، أوضحت راكويل جيندرى، البالغة من العمر 51 عامًا، "فى البداية لم يكن المجتمع أو الأطباء يعلمون شيئا عن فوائد هذا البرنامج"، وأسهم البرنامج الذى تطبقه جيندرى حول "رعاية المهرج" بالإكوادور فى تدريب 200 مهرج متطوع قدموا عروضا أمام نحو 300 ألف مريض على مدى 14 عاما.
وقالت جيندرى، بلغتها الإسبانية، "إننا لا نعالج، ولكن يمكن أن يطلق علينا اسم "أطباء الروح"، فاللهو والحب هما من الرغبات الموجود فى العالم كله، ونحن نستخرج الابتسامات من المرضى، ونلعب معهم، حتى ينسوا ولو للحظة إنهم موجودون داخل مستشفى".
وتسهم برامج "رعاية المهرج" فى أحسن حالاتها فى تحقيق الاسترخاء للمرضى وإبعاد تفكيرهم عما يعانونه من أمراض، وأكدت العديد من الدراسات السريرية فعالية هذه البرامج خاصة بين الأطفال، فى الحد من مشاعر الخوف والتشكك فى إمكانية العلاج من مرض يهدد الحياة.
وبينما أفقد الانتقال إلى المنصات الإلكترونية الاتصال المباشر والتلقائية فى العروض، فإن الجائحة أدت على أية حال إلى فقدان الكثير من هذه المزايا السابقة، كما أنها سمحت للعارضين بأن يروا أن هناك مزايا معينة فى تقديم العروض من بعيد.
ولا يزال المهرجون الذين يقدمون عروضهم على مواقع الإنترنت يضعون أنوفا حمراء وقبعات ويستخدمون نفس الأدوات، غير أن عروض الإنترنت تتيح لهم تغيير الخلفية والتلاعب بزوايا الكاميرا والتحرك بين اللقطات، والأهم من ذلك أن عروضهم الافتراضية تدخل المستشفيات التى لا يستطيعون دخولها بأشخاصهم، كذذلك أصبح بإمكانهم الآن تقديم هذه العروض الافتراضية لأى مكان فى العالم، بما فيها مراكز رعاية المسنين التى ضربتها الجائحة بشدة.
وفقدان العمل هو أحد التحديات التى يتعين على المهرجين أن يتعاملوا معها، والتحدى الآخر هو أن يتعلموا كيف يقدمون عروضهم وسط الظروف الحالية التى أصبحت هى الواقع الطبيعى الجديد، أى بارتداء الكمامات والالتزام بالتباعد الاجتماعى.
وأكد آدمز الذى يقدر أنه قدم طوال حياه أربعة آلاف عرض "يجب أن أغير من طريقة عروضى"، وهو يرى أن تقديم العروض بالأسلوب القديم غير مقبول ما دام الفيروس موجود، ومن هنا فإن آدمز يصر على وضع كمامة وقفازات، ويشجع الكبار من حوله على الاقتداء به، كما يرى أنه يكفى أن تقدم هذه الإجراءات الاحترازية نموذجا للأطفال الذين قد يتعين عليهم التعايش مع الفيروس لفترة من الزمن.