من فاطمة إلى شادية.. ما لا تعرفه عن "معبودة الجماهير"
كانت هناك فتاة لم تتجاوز الأعوام الثمانية من عمرها تقف أمام مرآتها لساعات وساعات، تحاول تقليد المطربة ذائعة الصيت آنذاك ليلى مراد، والتى رأتها في أول فيلم شاهدته لها وهو فيلم "ليلى"، متمنية أن تصبح في يوم من الأيام "النسخة الحديثة من ليلى مراد".
لم تكن هذه الفتاة الصغيرة سوى فاطمة محمد شاكر، التي غزت العالم العربي كله تحت اسم شادية، فقد كانت تعشق الغناء والتمثيل منذ الصغر، وكانت أيضًا بارعة في تقليد ليلى مراد وحفظ أغانيها عن ظهر قلب.
كانت شقيقتها عفاف أول من شجعها على تطوير موهبتها منذ البداية، خاصة أن عفاف نفسها كانت تتمتع بصوت عذب جميل، إلا أن محاولتها دخول عالم الفن لم تلقَ نجاحًا كبيرًا نظرًا لاعتراض والدها، ففضلت الاعتزال مبكرًا، وتحقيق أحلامها الشخصية عن طريق شقيقتها الصغرى، ولم يمر يوم إلا واشتركتا في غناء أكثر من أغنية، وبالطبع كانت أغاني ليلى مراد في طليعة القائمة، وتحديدًا أغنية "يادي النعيم اللي أنت فيه يا قلبي" التي غنتها ليلى برفقة محمد عبد الوهاب، وكانت شادية تقوم بغناء المقطع الخاص بمطربتها المفضلة على أن تترك غناء مقاطع عبد الوهاب لعفاف.
في المقابل، اكتشف المهندس الزراعي كمال شاكر، حجم الموهبة الكبيرة التي تحملها ابنته الصغرى بالصدفة البحتة، أو بمعنى أصح عن طريق صدفة "مدبرة"، حيث كانت فاطمة ترغب في دخول عالم الفن، ولكنها كانت تخشى رد فعل أبيها الذي سبق وأن قاطع أختها الكبرى عفاف لمدة عام كامل بسبب رغبتها في دخول هذا العالم، فاستغلت فاطمة وجود المغني التركي الشهير منير نور الدين مع العائلة في إحدى المناسبات، وطلبت من جدتها أن تدعوها للغناء أمام الجميع، فاستجابت الجدة على الفور، وفي نفس الوقت تساءل الأب بدهشة: "وهي تعرف تغني؟" ،لترد الجدة: "نشوف..".
لم تتردد الفتاة الصغيرة في الغناء بأغنية ليلى مراد الشهيرة "بتبص لي كده ليه"، لتنال إعجاب منير نور الدين بشدة، ويخبر والدها بأن بين يديه كنزًا يجب أن يعرف طريقه إلى عالم الفن الرحب، ومنذ تلك اللحظة أدرك الوالد موهبة ابنته ذات السنوات الثمانية، وقرر أن يساعدها على صقلها بالدراسة، فأحضر لها من علمها العود و ال"صوفليج" أو الغناء مع البيانو، حتى تعاقدت فاطمة بمرور الوقت مع شركات الإنتاج الفني المرموقة آنذلك، لتصبح "شادية" الفتاة الدلوعة الرقيقة التي دخلت البيوت و القلوب دون استئذان.
ولعل وجود شادية في فترة النصف الثاني من الأربعينيات كان ضرورة أكثر منه صدفة، فقد كانت الساحة في شوق لوجه جديد سواء في الغناء أو السينما يكسر السيطرة والمنافسة المحتدمة بين زهرتي الشام نور الهدى وصباح، إلى جانب "المخضرمة" ليلى مراد، التي ارتبطت أكثر بمؤسسة أنور وجدي الفنية، لذا كان استقبال شادية الذي يميل إلى الاحتفاء متوقعًا للغاية بعد أن أثبتت براعتها ومواهبها الطبيعية مبكرًا وهي دون الثالثة عشرة من عمرها، لتكون أكبر المرشحات لخلافة ليلى مراد في مملكتي الغناء والتمثيل معًا.
شهد عام 1947 أول تعارف بين شادية والجمهور من خلال فيلم "أزهار وأشواك"، من خلال دور ثانوي لم يكن له الأثر الأكبر على مسيرتها المبكرة، إلا إنها قفزت إلى أدوار البطولة مباشرة في نفس العام برفقة محمد فوزي من خلال فيلم "العقل في إجازة"، والذي قام فوزي بتلحين أغانيه بطريقة خفيفة تتناسب مع الصوت الرقيق لمطربته المراهقة، لتدهش شادية الجميع بأداءها المتميز لهذه الألحان، والذي جعل منها ملكة للأغاني الخفيفة على ساحة الغناء بمساعدة ملحنين من جبابرة هذا النوع على الساحة لعقود، ويأتي في مقدمتهم منير مراد الذي لحن لها عددًا كبيرًا من الأغنيات أهمها "واحد اتنين" و"إن راح منك يا عين"، ومحمود الشريف مع أغنية "حبينا بعضنا"، إضافة إلى تعاونها المميز مع كمال الطويل الذي أثمر عن أعمال فائقة النجاح مثل أغنية "وحياة عينيك وفداها عنيه".
لا يعلم الكثير من محبي فاطمة أن اسم "شادية" تم إطلاقه عليها للمرة الأولى على يد المخرج حلمي رفلة، عندما اختارها لتقوم ببطولة فيلم "العقل في إجازة"، ولكن تتردد شائعات أن الذي اختار لها هذا الاسم هو يوسف وهبي حين كان يمثل في فيلم اسمه "شادية الوادي"، وقيل أيضًا أن هذا اللقب اختاره لها عبد الوارث عسر الذي لقبها بشادية الكلمات لطريقتها المميزة في أداء الجمل الحوارية.
حياة شادية في سطور:
-8 فبراير1929: ولدت فاطمة كامل شاكر أو "شادية" في حي الحلمية الجديدة بالقاهرة.
- 1947: السنة التي دخلت فيها شادية إلى عالم الفن سينمائيًا وبقوة، لكنها في البداية اشتركت مشاركة بسيطة بمشهد في فيلم "أزهار وأشواك"، الذي لم يحقق نجاحًا يذكر، وفى نفس العام عرفت شادية أول بطولة لها مع محمد فوزي في فيلم "العقل في إجازة"، و لكن هناك حقيقة أخرى لا يعلمها الكثيرون من خلال مشاركة شادية بصوتها فقط في فيلم "المتشردة" من خلال دور الفنانة حكمت فهمي التي اكتفت بتحريك شفتيها فقط.
- 1947: بداية تعارف شادية وكمال الشناوي، أشهر ثنائي في السينما المصرية بمرحلة الخمسينيات، واستمر تعاونهما على مدار 25 فيلمًا.
- 1948: ظهرالحب الأول والحقيقي في حياة شادية، والتي كان عمرها آنذاك 19 عامًا لشاب أسمر صعيدي وسيم كان ضابطًا في الكلية الحربية، وتمت خطبتها إليه، ووافقت على طلبه باعتزالها الفن، ولكنه توفي في حرب فلسطين عام 1948.
- 1952: أكثر أعوام شادية ازدهارًا في السينما، وقدمت فيه 13 فيلمًا، أي بمعدل فيلم كل شهر تقريبًا، ولم يضاهيها في هذا الرقم سوى إسماعيل يس في قمة مجده.
- 1952: تقابلت شادية مع عماد حمدي في "قطار الرحمة"، الذي كان متجهًا للصعيد لأغراض خيرية، وتزوجا أثناء تصوير مشاهد فيلم "أقوى من الحب" بالإسكندرية عام 1953، وكان يكبرها بحوالي 23 عامًا، ودام الزواج 3 سنوات لينتهي نهاية هادئة بالانفصال.
- 1956: ظهرت قصة حب بين شادية وفريد الأطرش أثناء عملهما معًا في فيلم "ودعت حبك"، واعترف الاثنان بذلك ولكنهما لم يتزوجا وذلك بسبب العناد والكبرياء الذي سيطر على كل منهما.
- 1957: تزوجت شادية من المهندس عزيز فتحي الذي تعرفت عليه في سرداق عزاء الفنان سراج منير، ولكنه لم يستمر أكثر من 3 سنوات وانتهى بالطلاق.
- 1962: كانت نقلة كبيرة في حياة شادية الفنية، حيث دخلت عالم الإنتاج السينمائي بفيلم "اللص والكلاب" الذي اشتركت في بطولته أيضًا في دور فتاة غانية تقدم يد العون لهارب من العدالة يسعى للانتقام من شركاء الماضي، وخرجت الفتاة الدلوعة الشقية وأظهرت بهذه التجربة قدراتها الفنية المختلفة وإمكانياتها في التنوع.
- 1965: تزوجت شادية من صلاح ذو الفقار بعد قصة حب شهيرة، ولكنهما انفصلا عام 1969 انفصالًا نهائيًا.
- 1984: قدمت شادية للسينما آخر أفلامها "لا تسألني من أنا" مع المخرج أشرف فهمي.
-1985: اشتركت شادية في أول وآخر عمل مسرحي لها "ريا وسكينة"، وحققت نجاحًا جماهيريًا كبيرًا لم تعرفه مطربة أو نجمة سينمائية من قبل.
- 1986: كان آخر ظهور لشادية على المسرح من خلال اشتراكها في "الليلة المحمدية"، وغنت أول أغنية دينية لها "خد بإيدي" التي كانت تناجي فيها الرسول الكريم، لتقرر الاعتزال عقب هذه الحفلة مكتفية بما حققته من نجاح وأصبحت تسعى إلى نجاح أكبر ألا وهو التقرب من الله.
-بلغ ما قدمته شادية للفن 117 فيلمًا سينمائيًا، و10 مسلسلات إذاعية، ومسرحية، وأكثر من 1500 من الأغاني الخفيفة والوطنية التي لقبت على إثرهم بلقب "بنت مصر".
أشهر ما قالته شادية:
"أكبر غلطة تقع فيها المطربة أن تتصور أن عجلة الزمن لن تتغير وأن أذواق الناس لن تتطور".
"أنا أعرف أنه سيأتي يوم أترك فيه مكاني على المسرح لأنتقل إلى مقاعد المتفرجين، ولذلك فالمطربة الذكية هي التي تعرف بالضبط اللحظة التي تنسحب فيها من المسرح والوقت الذي تودع فيه الجمهور، مرفوعة الرأس قبل أن يودعها الناس".
اقرأ أيضًا ..
صور.. من "طاطش" لـ"معبودة الجماهير".. "دوت مصر" داخل منزل شادية بالشرقية