التوقيت الإثنين، 23 ديسمبر 2024
التوقيت 05:57 م , بتوقيت القاهرة

في ذكراه الـ 95.. عندما اغترب النادي المصري

النادي الوحيد الذي لا تسأل عن جنسيته، لأن سماع اسمه يكفيك لمعرفة ذلك.

يحتفل المصري هذه الأيام، بالذكرى الـ95 لتأسيسه، وهو ذلك النادي صاحب التاريخ الكبير والثري في تاريخ الرياضة والأمة المصرية.

إن كان المصري لعب جميع مبارياته خلال الموسمين، الحالي والسابق، خارج أرضه، فإن العديد من الناس لا يعلمون أن هذه ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها النادي لهذا الموقف الصعب، حيث سبق للمصري أن خاض أيضاً مبارياته خارج مدينته طوال خمس سنوات متتالية بسبب الحروب التي خاضتها مصر.

تٌعرف مدينة بورسعيد بأنها "المدينة الباسلة" وتظل ومعها باقي محافظات القناة دائماً الخط الدفاعي الأول عن مصر تاريخياً ضد أي عدوان، ولذلك فهم أيضاً دائماً أول المتضررين.

في يونيو من عام 1967 تعرضت مصر لنكسة الحرب وكان الشعب كله يمر بحالة من الانكسار، وفي عام 1969 أصدر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر قراراً بتهجير سكان مدينة بورسعيد استعداداً لمعركة التحرير واسترداد الأرض المحتلة، خاصة بعد أن أصبحت المدينة هدفاً لهجمات طيران العدو.

في تلك الفترة أصبح المصري لا يملك ملعباً يخوض عليه مبارياته، ولا حتى مقراً للتدريب أو التجمع، لم يكن النادي يتمتع برفاهية أن يكون له كيان، فاللاعبون لا يرون بعضهم إلا في مباريات الفريق بعد أن تشتتوا بمختلف مدن مصر.

كل لاعب يعيش في محافظة مختلفة بعضهم ذهب إلى أقاصي الصعيد ومنهم من التحق بالقوات المٌسلحة للدفاع عن الوطن، ولكنهم كانوا يتجمعون فقط في وقت المباريات لخوضها ثم يعودون بعدها إلى ديارهم الجديدة في مختلف ربوع مصر أوثكناتهم العسكرية.

في هذه الفترة لم يكن هناك كيان كما قلنا، وبالتالي لم يكن هناك أموال أيضاً إلا تبرعات المحبين، كان هذا الجيل من لاعبي المصري يخوضون مباريات الفريق دون مقابل فقط حٌباً في ناديهم وإيماناً منهم بقيمة الكيان الذي يمثلونه وأهمية استمراره حياً رغم قسوة الظروف، كما بلغت الدراما ذروتها في أن انتقالات لاعبي المصري بين المدن لأداء المباريات كانت تتم بواسطة القطار بالمجان بموجب استمارات تصرفها وزارة الشئون الإجتماعية للنادي لعدم قدرته على دفع نفقات الانتقالات.

لم تتوقف بطولات هذا الجيل من أبناء النادي الساحلي عند هذا الحد، بل أنك ستتعجب عندما تعلم أن بعض لاعبي المصري وقتها تركوا فرصاً أكبر بكثير بأندية مستقرة للدفاع عن ناديهم أمثال النجم الأسطوري مسعد نور الذي ترك الزمالك وعاد للمصري تلبية لنداء ناديه، الأمر ذاته فعله عبود الخضري الذي كان مٌحترفاً في الدوري اليوناني لكنه فضل العودة للمصري من أجل الحفاظ على كيانه.

خاض المصري وقتها مبارياته طوال خمس سنوات متتالية ما بين عام 1969 حتى 1974 خارج بورسعيد، في دمياط تارة وفي طنطا تاره، إلى أن استقر به المقام في الزقازيق في النهاية، لا يهم المكان ولكن الأهم هو أن تٌلعب كرة القدم وأن يبقى اسم ناديهم بين الكبار كما كان دائماً منذ تأسيسه عام 1920.

جمهور المصري هو الآخر لم يكن أقل من لاعبي فريقه تفانياً في سبيل ناديه، فرغم ظروف التهجير بين المدن المختلفة وما ترتب عليها من ضيق ذات اليد والمعاناة المالية لدى الغالبية العظمى منهم بعد ترك أملاكهم أو وظائفهم ببورسعيد، كانت الجماهير تحرص على الحضور بكثافة من مختلف المدن التي تعيش بها إلى ملاعب مباريات المصري لمساندة ناديهم ولاغتنام الفرصة للقاء صديق أو رؤية قريب فرقتهم ظروف الحرب والبعد عن مدينتهم فكانت مباريات المصري بمثابة اللحظات التي يتنسمون فيها رائحة بورسعيد قبل أن يعود كل منهم من حيث أتى.

هذه كانت المرة الأولى للنادي المصري التي يتغرب فيها بعيداً عن مدينته والتي تعرف بإسم "فترة التهجير" وتفتخر بها جماهير المصري باعتبارها قصة من أروع قصص الانتماء التي عرفتها كرة القدم، وفي الموسم الماضي تكرر الموقف مع جماهير النادي الساحلي الأخضر، فتٌرى ماذا يخبئ القدر مرة أخرى لهذا النادي العريق وجماهيره الوفية؟