هل يشهد العالم قطبية ثنائية في الاقتصاد ؟
انتهت القطبية الثنائية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي بعد سقوط الشيوعية ونهاية الحرب الباردة. وتربعت الولايات المتحدة على عرش العالم للحظة محدودة، ثم استقر النظام الدولي بعد ذلك في إطار منظومة لتعدد الأقطاب تضم قوى مثل الولايات المتحدة الأمريكية والصين وروسيا والاتحاد الأوروبي.
العالم يشهد اليوم إرهاصات لعودة شكل جديد من القطبية الثنائية، هذه المرة بين الولايات المتحدة والصين، وترتكز بشكل أساسي على التنافس الاقتصادي وليس الأيديولوجي أو العسكري.
الصين هي ثاني أكبر اقتصاد في العالم من حيث الحجم بعد الولايات المتحدة، وهي أيضًا أكبر دولة مصدرة في العالم، وأكبر دولة تمتلك رصيدا من الاحتياطي، وأكبر دائن في العالم.
بالرغم من كل هذه المؤشرات فإن الولايات المتحدة لا تريد أن تسمح بأن يكون للصين مكانة في المؤسسات الاقتصادية الدولية تتماشى مع قوتها، وتريد أن تستمر في هيمنتها على هذه المؤسسات وخاصة البنك الدولي وصندوق النقد. على سبيل المثال فإن الصين تشكل 3.8% من القوة التصويتية في صندوق النقد الدولي، و 5.5% فى بنك التنمية الاسيوى مقارنة بنسبة 16.8% و 12.8% على التوالى للولايات المتحدة، و6.2% و 12.8% لليابان.
وصندوق النقد الدولي يرأسه أوروبي، والبنك الدولي يرأسه أمريكي، وبنك التنمية الأسيوي يرأسه ياباني منذ نشأة هذه المؤسسات.
الصين طلبت زيادة حصتها في هذه المؤسسات ودورا أكبر في عملية صنع القرار، كما طالبت بإضافة عملتها إلى سلة العملات التي يستخدمها صندوق النقد الدولي، والتي تتضمن حاليا الدولار الأمريكي واليورو والجنيه الاسترلينى و الين اليابانى. ولكن الولايات المتحدة تتحفظ على هذه المطالب، والكونجرس الأمريكى يرفض التصديق على الاتفاقية التي تم التوصل إليها عام 2010 وتقضي بمنح الصين وقوى اقتصادية أخرى ناشئة قوة تصويت أكبر في البنك الدولى و صندوق النقد الدولي.
هذا الموقف الأمريكي المتعنت ساهم في قيام الصين بإنشاء البنك الآسيوى للاستثمار في البنية التحتية فى اكتوبر الماضي. والذي يعتقد كثيرون بأنه يمكن أن يمثل بديلا للبنك الدولي، وللمؤسسات الاقتصادية الدولية التي نشأت برعاية أمريكية فى إطار نظام بريتون وودز بعد الحرب العالمية الثانية.
رأس مال البنك الجديد سيبلغ خمسين مليار دولار، والصين أعلنت مساهمتها بنسبة 50% فى البنك، وسيتولى رئاسته شخصية صينية وسيكون مقره في بكين. وسيتولى تمويل وتقديم الخبرات الفنية لمشاريع التنمية في آسيا والدول النامية.
الصين دعت دول العالم للمشاركة في البنك، واستجاب لها كثيرون وبلغ الأعضاء المؤسسون ما يزيد عن خمسين دولة، منها حلفاء للولايات المتحدة مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا.
الولايات المتحدة مارست العديد من الضغوط لمنع الدول من الانضمام لهذا البنك ولكن مسعاها باء بالفشل.
البنك الآسيوى للاستثمار فى البنية التحتية، وبنك التنمية الجديد الذي شاركت الصين في تأسسيه عام 2014 مع الدول الأخرى في مجموعة البريكس (روسيا والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا) يعكسان رغبة الصين في توفير إطار مؤسسي اقتصادي جديد و بديل للنظام الذى تهيمن عليه الولايات المتحدة.
وبالتالى قد يشهد العالم في السنوات القادمة تنافسا بين هذين الاطارين المؤسسين، شبيه بالتنافس الذى كان قائما فى زمن القطبية الثنائية. هذا التنافس سوف يعود بالفائدة على الدول النامية و ستسعى كل مؤسسة لتقديم شروط أفضل لهذه الدول. لذا كان قرار مصر بالانضمام للبنك الاسيوى للاستثمار فى البنية التحتية فى 15 إبريل 2015 خطوة هامة ستعود بالفائدة على اقتصادها.