كيف يبدأ تنظيم الاقتصاد من تنظيم الأسرة
لا يخفى على أحد أن مشكلة مصر الاقتصادية تتمثل في عدم كفاية الإنتاج لسد احتياجات السكان الذين تجاوز عددهم ال100مليون نسمة، ومهما كانت طريقة التنظيم والإصلاح الاقتصادي فإنها لن تُجدي دون تنظيم أحوال الأسر المصرية التي تُقدر بنحو 23,4 مليون أسرة، في حين تُشير الإحصاءات لوجود نحو12,5 مليون عانس ممن تجاوز عمرهم ال30، ووجود نحو 7,1 مليون مطلق 65% منهم من السيدات، ووجود 3 مليون أرمل وأرملة 86% منهم من السيدات، الأمر الذي يعني أن غالب الأسر المصرية تُعاني من مشكلات العنوسة، والطلاق، والترمل. ومن الطبيعي أن يترتب على هذه المشكلات انخفاض في الإنتاجية، وتراجع مُعدلات السعادة، واختلال في هياكل إنفاق تلك الأسر، وهكذا نجد المجتمع المصري يُعاني من متناقضات تتمثل في زيادة أعداد المواليد، وفي المُقابل تزايد نسبة العنوسة والمطلقين والأرامل، والأيتام في ظل عناد مجتمعي بالتمسك بفكر شاذ يرفض تطوير القيم ليتجاوز الجميع تلك المشكلات التي لا تصلح كبيئة للإنتاج أو الشعور بالرضا والسعادة مهما تحسنت المؤشرات الاقتصادية.
ويقول د وليد جاب الله خبير التشريعات الاقتصادية إن بداية الإصلاح هنا لابد أن تبدأ من التوعية من كافة مؤسسات المجتمع لتطوير قيم المجتمع بشأن تيسير نفقات الزواج، وتشجيع زواج المطلقات والأرامل، والوصول لتنظيم لا يحرمهم من أبنائهم حال زواجهم، وفي ذات الوقت يتعين مُحاربة زيادة مُعدلات إنجاب الأسر المستقرة، فمن غير المقبول أن يستأثر من يُنجب كثيراً بحقوق ودعم من الوطن لأولاده لا يحصل عليها من لم يتزوج أو من أنجب عدد أقل، فالقضية تتمثل في الحاجة لبناء تنظيم عادل للأسرة المصرية بصورة تجعلها أكثر سعادة وإنتاجية.
ويضيف د وليد جاب الله أنه للتعامل مع هذه القضية ندعو أن تكون البداية من حقيقة أن عقد الزواج لم يعد من طرفين، وإنما هو عقد تدخل فيه الدولة كطرف ثالث طالما أنها سوف تتأثر بحجم إنتاجية الأسر، وتتحمل التزامات مالية واجتماعية عما ينتج عنها من أطفال، لذا ندعو أن تتدخل الدولة لتنظيم نفقات الزواج من خلال تحديد ثلاثة مستويات لقائمة منقولات الزوجية، والمؤخر، وما يزيد عنها لا يُلزم القاضي ولا يحق المُطالبة به، كما يُشترط الاتفاق في عقد الزواج على قيمة نفقة الزوجية ونفقة الأطفال، وألية رؤية الأطفال، إذا تم انفصال خلال ال5 سنوات الأولى (باعتبار أن النسبة الغالبة من حالات الطلاق تتم في الفترة الأولى من الزواج)، مما يُساهم في تخفيض نفقات الزواج، وسهولة الإقدام عليه، حيث أن تنظيم الالتزامات يدعم استقرار الأسرة، ويُخفض حالات النزاع أمام المحاكم إذا استحكمت العشرة بحيث حتى ولو حدث طلاق يتم بصورة أقرب للعدالة، ويفتح الباب للطرفين للانفصال الهادئ بدون أن تتحمل الدولة تكلفة اقتصادية لمنازعاتهم القضائية، كما يفتح الباب للمطلقين بالعودة السريعة لتكوين أسر جديدة بصورة سوية، دون أن تؤدي المُنازعات القضائية إلى استهلاك طاقات الأسر المادية والمعنوية، وتُخفض من إنتاجيتها.
ودعا جاب الله لأن تُحدد الدولة بصفتها طرف ثالث في عقد الزواج عدد الأطفال الذي تستطيع أن تُقدم لهم الرعاية والدعم وتُدرج ذلك في عقد الزواج، وتكون هناك إجراءات وتدابير ضد من يُخالف ذلك، وأخيراً فإن تلك الأفكار وغيرها يُمكن أن تكون محاور في حوار مجتمعي نصل به لصياغة جديدة لتنظيم الأسرة المصرية بصورة سوية قائمة على التوسع في أعداد الأسر بتشجيع زواج غير المتزوجين، مع وضع قيود على الإنجاب الغير مُنضبط، لنكون أمام أسر صغيرة أكثر قُدرة على تحفيزاً أفرادها على العمل والإنتاج، وأكثر ملائمة على تهيئة بيئة السعادة لأفرادها.