التوقيت الجمعة، 22 نوفمبر 2024
التوقيت 04:22 م , بتوقيت القاهرة

نصير الفلاحين وزعيم الغلابة.. حكاية حضرة صاحب السعادة طلعت باشا حرب

حضرة صاحب السعادة طلعت باشا حرب
حضرة صاحب السعادة طلعت باشا حرب

أنهى سيطرة الأجانب على البنوك ورفض اقتران اسمه بألقاب وعبارات تفخيم

القليلون منا لا يعرفون من هو حضرة صاحب السعادة طلعت باشا حرب رائد الاقتصاد الوطني نصير الفلاحين والغلابة، الذي كان له الفضل في إنشاء أول بنك وطني مملوك للمصريين.

لم يكن طلعت باشا حرب رائدا للاقتصاد الوطني فقط، ولكنه أيضا كان زعيما في كرم الأخلاق والتواضع أمام الناس، وهذا ما يكشفه خطاب أرسله في إبريل 1938 إلى رئيس تحرير جريدة الأهرام وقتها يرجوه أن يطلب من المحررين ألا يقرنوا اسمه (طلعت حرب) بألقاب وعبارات تفخيم.

جاء نص الخطاب الذي يكشف أخلاق هذا الرجل العظيم كالتالي: "اعتاد بعض الكتاب أن يضيفوا أسمي فيما يكتبونه لمناسبة من المناسبات القابا مخمة توحيها إليهم فيما أظن نيتهم السامية ويعلم الله أنني أكره الألقاب لنفسي ولا أرضاها لها بتاتا إذ لست في الواقع استحق شيئا منها بل لم أخلق لها ولا لاحتمالها وإنما خلقت لأجاهد في الميدان الذي يسره الله لي فإن كنت قد وفقت إلى عمل شئ نافع لبلادي فذلك واجب مفروض وأداء الواجب لا جزاء له ولا منَ به ولا أجر عليه وحسبي توفيق الله والله ذو الفضل العظيم".

خطاب طلعت حرب لرئيس تحرير الأهرام
خطاب طلعت حرب لرئيس تحرير الأهرام

في عام 1911 قدم طلعت حرب باشا رؤيته الفكرية عن كيفية إحداث ثورته الثقافية وذلك من خلال كتابه "علاج مصر الاقتصادي وإنشاء بنك للمصريين"، كان طلعت حرب ميالاً للفلاحين والفقراء، حيث كان يضطر معظمهم للاستدانة بشكل ربوي مجحف من بعض المرابين، وساهم في الدفاع عنهم عند تصفية الدائرة السنية سعى إلى بيع الأراضي للفلاحين الذين يزرعونها، كانت أسعار القطن عالمياً قد شهدت زيادة لكنها لم تصب في صالح المزارع المصري البسيط.

طلعت حرب باشا كان متعدد المواهب ولولا إخلاصه وتفرغه لدعم ومساندة ثورته الاقتصادية لأصبح واحدا من كبار المفكرين والكتاب العرب حيث بدأ حياته بتأليف الكتب.

ولد طلعت حرب في 25 نوفمبر عام 1867 بمنطقة الجمالية بالقاهرة، أنهى دراسته الثانوية بمدرسة التوفيقية، ثم حصل على شهادة الحقوق من مدرسة الحقوق عام 1889، أهتم بالإضافة لدراسة الحقوق بدراسة الأمور الاقتصادية، وأيضاً الإطلاع على العديد من الكتب في مختلف مجالات المعرفة والعلوم ، وقام بدراسة اللغة الفرنسية حتى أجادها إجادة تامة  .

بدأ طلعت حرب حياته العملية مترجماً بقلم القضايا بالدائرة السنية التي كانت تتولى الأراضي الزراعية المملوكة للدولة ، ثم تدرج في المناصب حتى عين مديراً لأقلام القضايا ، عمل بعد ذلك مديرا لشركة كوم أمبو و التي كان مجال نشاطها في استصلاح وبيع الأراضي ، ثم مديراً للشركة العقارية المصرية وكانت تعمل في مجال تقسيم وبيع الأراضي وعمل على تمصيرها حتى أصبحت غالبية أسهمها للمصريين .

كان طلعت حرب يتطلع دائماً للعمل الحر فقام بإنشاء " شركة التعاون المالي"، و التي قامت بتقديم العديد من القروض المالية للشركات الصغيرة المتعسرة مادياً.

بعد أن أعلن طلعت حرب عن فكرته في ضرورة إنشاء بنك للمصريين انعقد المؤتمر الوطني عام 1911 للنظر في مشكلات مصر الاجتماعية وقرر المجتمعون تنفيذ فكرة حرب في إنشاء بنك مصر وقد تعطلت عملية إنشاء البنك بسبب الحرب العالمية الأولى.

وعندما انتهت الحرب دون أن تحصل مصر على استقلالها السياسي انفجرت ثورة 1919 بقيادة سعد زغلول وأثناء الثورة دعا طلعت حرب أبناء مصر إلى الكفاح ضد سيطرة الأجانب الاقتصادية على المقدرات المصرية، وتعود فكرة إنشاء بنك مصر وينجح طلعت حرب في إنشاء البنك عام 1920 حيث تم الاحتفال بتأسيسه مساء الجمعة 7 مايو 1920 في دار الأوبرا السلطانية ، وذلك برأس مال 180 ألف جنيه وتم تحديد قيمة السهم بأربعة جنيهات مصرية، وفي نهاية عامه الأول ارتفع رأس مال البنك إلى 175 ألف جنيه ثم إلى نصف مليون جنيه عام 1925، ثم إلى مليون جنيه عام 1932، وقد بدأ بنك مصر في ركن متواضع من أوطان شارع الشيخ أبي السباع . 

بنك مصر برأس البر
بنك مصر برأس البر

ويعد إنشاء بنك مصر في أوائل القرن العشرين بمثابة بداية الاستقلال الاقتصادي لمصر، كما كانت ثورة 1919 م بداية الاستقلال السياسي.

ولم تقتصر إنجازات طلعت حرب باشا على الاقتصاد فقط، فكان له الفضل في ظهور السينما المصرية وإنشاء معهد فن السينما، والتعليمي منها بإقامة صرح التعليم الشامخ الجامعة الأهلية (جامعة القاهرة ) التي تعد أول جامعة تدرس العلوم المدنية في المنطقة كلها.

بعد عامين فقط من إنشاء بنك مصر قام طلعت حرب بإنشاء أول مطبعة مصرية برأس مال قدره خمسة آلاف جنيه ، وذلك ليدعم الفكر والأدب ويقوي المقاومة الوطنية، حيث كان يؤكد على أهمية أن تكون القراءة في أيدينا وليس في يد الأجنبي، وبعد إنشاء المطبعة توالت الشركات المصرية التي ينشئها البنك مثل شركة مصر للنقل البري التي قامت بشراء أول حافلات لنقل الركاب والتي ظهرت في فيلم "الوردة البيضاء" للموسيقار محمد عبد الوهاب، كما قامت الشركة بشراء الشاحنات الكبيرة لنقل البضائع من الموانئ، كما أنشأ البنك شركة مصر للنقل النهري ثم شركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة الكبرى واستقدم طلعت حرب خبراء هذه الصناعة من بلجيكا وأرسل بعثات العمال والفنيين للتدريب في الخارج، كما أقام مصنعا لحلج القطن في بني سويف ، وأنشأ البنك مخازن  ( شون ) لجمع القطن في كل محافظات مصر.مبني أول فرع لبنك مصر بالإسكندرية

مبني أول فرع لبنك مصر بالإسكندرية

وتواصلت عطاءات طلعت حرب فأنشأ شركات مصر للملاحة البحرية، ومصر لأعمال الإسمنت المسلح، ومصر للصباغة، ومصر للمناجم والمحاجر، ومصر لتجارة وتصنيع الزيوت، ومصر للمستحضرات الطبية، ومصر للألبان والتغذية، ومصر للكيمياويات، ومصر للفنادق، ومصر للتأمين، كما أنشأ طلعت حرب شركة بيع المصنوعات المصرية لتنافس الشركات الأجنبية بنزايون ، صيدناوي وغيرهم. 

كما سعى طلعت حرب لإنشاء شركة مصرية للطيران إلى أن صدر مرسوم ملكي بإنشاء شركة مصر للطيران كأول شركة طيران في الشرق الأوسط برأس مال 20 ألف جنيه، وبعد عشرة أشهر زاد رأس المال إلى 75 ألف جنيه، وقد بدأت الشركة بطائرتين من طراز دراجون موت ذات المحركين تسع كل منها لثمانية ركاب، وكان أول خط من القاهرة إلى الإسكندرية ثم مرسى مطروح، وكان الخط الثاني من القاهرة إلى أسوان، وفي عام 1934 بدأ أول خط خارجي للشركة من القاهرة إلى القدس.

ستوديو مصر. أسسه طلعت حرب باشا عام ١٩٣٥
ستوديو مصر. أسسه طلعت حرب باشا عام ١٩٣٥
جثمان طلعت حرب محمول إلى المقبرة (توفى يوم 13 أغسطس 1941)
جثمان طلعت حرب محمول إلى المقبرة (توفى يوم 13 أغسطس 1941)