التوقيت الجمعة، 22 نوفمبر 2024
التوقيت 05:39 م , بتوقيت القاهرة

ما الفرق بين الخصخصة وطرح الشركات الحكومية فى البورصة ؟

محمود عسكر


البورصة أفضل وسيلة لتمويل إعادة هيكلة شركات القطاع العام دون تحميل الحكومة أى ديون .. ولا اقتراض من البنوك أو بيع الشركات بشكل كامل

تعتزم الحكومة طرح عدد من الشركات العامة المملوكة كليا للدولة في البورصة خلال الفترة المقبلة، بهدف توفير مصدر تمويل لإعادة هيكلة هذه الشركات، خصوصا الخاسر منها، ووضعها على طريق النمو من جديد، ومن جانب آخر تنشيط البورصة ضمن استراتيجية معلنة للحكومة تهدف جعل مصر مركزا ماليا إقليميا.


وتمتلك الحكومة المصرية مجموعة من الشركات في قطاعات متعددة منها شركات ناجحة تساهم في الناتج المحلى الإجمالى وتمول خزينة الدولة بأرباحها وتساهم فى تغطية الطلب فى السوق المحلى، وخاصة فى قطاعى البترول والبنوك، وهناك مجموعة أخرى من الشركات تتراكم خسائرها وتحتاج تمويلات كبيرة من الحكومة لإعادة هيكلتها وتطويرها لوضعها على مسار الربحية والمساهمة فى دعم الاقتصاد المصرى.


ورغم ذلك لا تمتلك الحكومة حالياً التمويلات الكافية لضخ سيولة فى هذه الشركات فى ظل وجود فجوة تمويلية كبيرة تعاني منها الحكومة فى موازناتها حالياً ما بين 10 إلى 12 مليار دولار أمريكى سنوياً ومحاولاتها لسد هذه الفجوة عن طريق الاقتراض وتخفيض الدعم ورفع الضرائب مع توجيهها لبند الاستثمارات الحكومية فى الموازنة العامة بشكل رئيسى لمشروعات البنية التحتية، لذلك فإنه لا توجد أية تمويلات حكومية متاحة أو قد تتاح لتمويل الشركات الحكومية المتعثرة لإعادة هيكلتها واستمرار الشركات الحكومية الخاسرة على هذا الوضع يضعها على مقصلة الانهيار.


وفى نفس الوقت فإن التجربة القاسية التى تعرضنا لها ببرنامج الخصخصة للشركات الحكومية الذى طبق في زمن الرئيس الأسبق مبارك بشكل خاطئ وفاسد وبصورة كارثية، يصعب معها إعادة هذه التجربة القاسية حتى ولو كان بشكل صحيح، فلم يصبح أمام الحكومة الحالية إلا التوجه إلى طرح الشركات الناجحة فى البورصة المصرية واستخدام حصيلة الطرح فى تمويل إعادة هيكلة الشركات الحكومية الخاسرة والمتعثرة وكان توجه الحكومة لهذه الإستراتيجية ضمن برنامج الإصلاح الاقتصادى الذى أقره صندوق النقد الدولى لمنح مصر قرضا بقيمة 12 مليار جنيه خلال 3 سنوات.


ويشمل برنامج الطروحات الحكومية طرح 24 شركة تابعة لقطاع الأعمال العام فى البورصة والذى تستهدف منه تحصيل ما بين 8 إلى 10 مليارات دولار خلال 3-5  سنوات القادمة، وتتمثل استراتيجية الطرح في شقين الأول طرح حصص من بعض الشركات الجاهزة للطرح، والثاني خاص بالشركات المطروحة فعليا من خلال رفع حصص الطرح لنحو 12 شركة مطروحة بالفعل.


ولذلك فإن توجه الحكومة في الاعتماد على البورصة المصرية هو خطوة جيدة تعكس تغير نظرة الحكومة للبورصة المصرية بأنها السوق التمويلى الأهم لدعم الاقتصاد القومى، وأنها أهم السبل التى تدعم إعادة هيكلة شركات القطاع العام وتوفير التمويل اللازم للتوسع وزيادة ربحيتها وحجم أعمالها بعيداً عن الاستدانة، والتى أثقلت كاهل شركات القطاع العام، وحملت الموازنة والاقتصاد القومى أعباء لا نهاية لها بالديون، والتى تعيق بشكل كبير نمو أداء شركات القطاع العام ونجاح خطط إعادة هيكلته، ولكن بشرط أن يتم استخدام حصيلة الطرح للشركات الناجحة فى تمويل إعادة هيكلة وتطوير الشركات الحكومية الخاسرة والمتعثرة وليس استخدام حصيلة الطرح فى تمويل عجز الموازنة والفجوة التمويلية المتنامية بشكل كبير.


دعم التوسعات الرأس مالية


وتعد البورصة أو سوق رأس المال هى أحد أهم مصادر التمويل للمشروعات والتى تدعم التوسعات الرأسمالية للشركات وتساعدها على النمو والتطور من خلال المشاركة الاستثمارية وبدون أية تكاليف أو أعباء، ومثلت البورصة المصرية طريق النجاح والتطور للعديد من الشركات فى القطاع الخاص، والتى بطرح أسهمها فى البورصة ساعدها على النمو بشكل كبير، وتحولت لشركات عملاقة.


وسيكون لبرنامج الطروحات الحكومية عائد إيجابى قوى على البورصة المصرية بطرح 24 شركة تابعة لقطاع الأعمال العام خلال 3-5 سنوات، حيث سيمثل دفعة كبيرة وهائلة لتنشيط البورصة، وإضافة قطاعات جديدة فيها وزيادة السيولة ودخول مستثمرين جدد محليين وأجانب وجذب رؤوس أموال جديدة والذى سيحدث تطورا قويا لأدائها لاتاحة الاستثمار فى هذه القطاعات، وتعد تعزيزا لدور البورصة كإحدى أهم القنوات للتفعيل الحقيقى لمفهوم الشراكة بين القطاع العام والخاص فى القطاعات الإستراتيجية، كما نرى أن قيد شركات القطاع العام فى البورصة يحقق هدفًا آخر مهمًا أيضا وهو توافر الشفافية والإفصاح بما يمكن المواطنين من متابعة أوضاع تلك الشركات ونتائج أعمالها لينعكس فى النهاية بشكل إيجابى على الاقتصاد المصرى ككل. 


وهنا يطرح السؤال: لماذا الطرح في البورصة هو الأفضل للشركات الحكومية من الخصخصة؟ 


يقول محمد رضا خبير سوق المال إن هناك عدة أسباب لذلك، أولاً: القيمة العادلة للطرح سيتم إعدادها من قبل مستشارين ماليين مستقلين والتى ستحدد قيمة بيع الحصص فى الشركات الحكومية وستخضع للمراجعة مسبقاً من الهيئة العامة للرقابة المالية والبورصة المصرية قبل إعلان القيمة العادلة وتنفيذ الطرح، ثانياً: سيتم طرح حصة محدودة، كما هو متوقع لا تتعدى نسبة 25% من رأس المال، وبالتالى فإنه ستستمر سيطرة الحكومة المصرية عليها، وستظل تحت إدارتها، وكذلك فإن الجزء المطروح سيتفتت على عديد من المستثمرين وفقاً لقواعد القيد لا يقل عن 300 مستثمر وبدون حد أقصى، وبالتالى فلن تكون الحصة المباعة عن طريق الطرح فى يد مجموعة واحدة وإنما سيمتلكها مجموعة من المستثمرين وقواعد التداول فى البورصة المصرية تعيق سيطرة مجموعة من المستثمرين مرتبطين على الحصة المطروحة من الشركة.


كما أن تداول أسهم الحصة المطروحة وتحديد سعر السهم وفقاً لقوى العرض والطلب وأداء الشركة المالى يوفر آلية تسعير يومية لقيمة الشركات الحكومية المطروحة، ويضمن طرح الشركات فى البورصة تطوير هذه الشركات، وتعزيز الشفافية والحوكمة والإفصاح مما يجعل أداء الشركات الحكومية تحت رقابة ومتابعة يومية وتقييم دائم لها، كما يمنح لها الفرص لزيادة رأسمالها فى أى وقت عن طريق البورصة لتمويل التوسعات الاستثمارية والإنتاجية مما يمنحها قدرات هائلة على التوسع والنمو وبالتالى تعظيم قيمة الشركات وزيادة مستويات الربحية وقيمة الأصول مما يزيد من العائد لخزينة الدولة من أرباحها بشكل مستمر، ويعظم من مساهمتها فى الناتج المحلى الإجمالى وتغطية احتياجات السوق المحلى والمساهمة فى التصدير مما يفتح أفاقا أكبر لموارد من النقد الأجنبى.


مفهوم الطرح


 ويعد مفهوم الطرح فى البورصة هو بيع جزء من ملكية الشركة للمستثمرين فى البورصة (السوق الأولى) ثم بعد ذلك يتم التداول على الأسهم المطروحة بيعاً وشراءً (السوق الثانوى)، وذلك على عكس الخصخصة والتى كانت تقوم ببيع الشركة بالكامل لمستثمر دون أن تكون هناك جهات رقابية تراجع الأمر مسبقاً وتحدد سعر البيع.


ويرى رضا أن طرح شركة إنبي سيكون البداية الحقيقية لبرنامج الطروحات الحكومية وسيمثل اختبارا لمدى نجاح تنفيذ البرنامج والاستمرار فيه، وأن نجاحه سيحدد الخطوة القادمة فى تنفيذ برنامج الطروحات لباقى الشركات والبنوك الحكومية المستهدفة بالطرح. 


ويضيف: لذلك يجب على اللجنة المختصة إتباع مثلث النجاح للطروحات وهو قيمة عادلة، وتوقيت مناسب وترويج أمثل لضمان نجاح الطروحات الحكومية القادمة، وخاصة في الطرح القادم لشركة إنبي، حيث يجب تحديد قيمة عادلة لطرح الأسهم وتسعير الأسهم بشكل جذاب، واختيار التوقيت المناسب للطرح وتهيئة السوق أولاً من خلال زيادة أحجام التداول والسيولة به لاستيعاب برنامج الطروحات والذى سيكون تخفيض أسعار الفائدة لدى البنك المركزى من أكبر وأهم المحفزات لزيادة التداول والسيولة ودخول مستثمرين وجذب استثمارات جديدة فى البورصة، وكذلك القيام بأعمال الترويج للطروحات عن طريق مؤسسات متخصصة واستقطاب عملاء المؤسسات وعملاء الأفراد ذوى الملاءة وتوفير صانع سوق لطروحات الشركات الحكومية.