التوقيت الثلاثاء، 26 نوفمبر 2024
التوقيت 03:04 ص , بتوقيت القاهرة

"دوت مصر" في حي الشجاعية.. عاصمة الدمار في غزة (فيديو)

غزة- سامح رمضان

في الشرق من مدينة غزة، وتحديدا على خطوط التماس الشرقية للحدود مع الغلاف الإسرائيلي، وصلت هناك عدسة "دوت مصر" برفقة قصص و كومة ركام و بقايا أحياء سكنية، تشهد جميعا على ما أقدمت عليه قوات الاحتلال طيلة حرب طويلة، أجهزت فيها المدفعية الإسرائيلية على شرق قطاع غزة بشكل عام، وبشكل خاص حي الشجاعية، فكانت لأهله هناك حكايات لا تنتهي عن الحرب والرعب.



أطفال عائلة الخيسي

"ملاك وعُلا الخيسي"، طفلتان من عائلة واحدة، تركا منزلهما بمعية أسرتهما هربا من بطش الاحتلال، وخوفا من قصف بيتهما الواقع بالقرب من مستشفى الوفاء، وهي واحدة من أكثر المناطق خطورة في غزة، وأول منطقة يدخلها الاحتلال خلال العملية البرية، التي بدأت في 17 يوليو الماضي.

 

تقول ملاك، 10 أعوام، لـ"دوت مصر" إن "الاحتلال قد حرمني من مدرستي، ودمروا فصولها بالكامل بعد أن استقروا بها طيلة أيام العدوان، وأقاموا بها بعد أن صاروا يركنون مدرعاتهم و دباباتهم في ساحة المدرسة. دمروا بيتي، وسيارتنا التي كنا نلعب بها أثناء عودة والدي من العمل، واليوم ها نحن نكمل لعبنا وسط الركام".

وتضيف "أم محمد"، من عائلة الخيسي: "جئنا بعد هذه الحرب، تحت ظل الخوف المروع لما عايشناه لحظة بلحظة، لنجد منزلنا وهو كوم رمال، وما نملكه في حياتنا عبارة عن حطام. لم نستطع الاستمرار في ساحات مدراس الإيواء، بعد أن انتشرت الأمراض هناك، وأصبحت حياتنا جحيم، ففضّلنا العودة لمنزلنا مهما كانت النتائج".

 

و تتابع أم محمد، 43 عاما، روايتها: "خرجنا من منزلنا في رعب، وعدنا إليه أيضا لنعيش رعبا بسبب الفقدان والخسارة. بالإضافة إلى أننا لا نبعد سوى خمس دقائق عن السلك الفاصل بيننا وبين الجيش الإسرائيلي، الذي لا يستغرق في الدخول والوصول لنا أكثر من ثلاث دقائق، فكيف لنا أن نعيش لحظة أمان؟ وحتى إن انتهت الحرب أم لم تنتهِ، ستظل حياتنا قريبة من موت محقق في أي لحظة.

أما أحد أبناء عائلة "الخيسي"، فقال لنا "أعداد قليلة من الصحفيين استطاعوا الوصول إلينا ومتابعة وضعنا، نظرا لصعوبة المنطقة من الناحية الأمنية، ونظرا لحجم طائرات الاستطلاع وبالونات المراقبة التي ترصد المنطقة وكأنها منزل صغير، وخشية إطلاق الأعيرة النارية التحذيرية من قبل الثكنات العسكرية المتمركزة على طول الحدود القريبة جدا، والتي من الممكن أن تكون إصابتها قاتلة.

عاصمة الركام و الدمار

وفي محيط منزل عائلة الخيسي، تبدأ رواية أخرى اختفى فيها آلاف الأحياء من منازلهم أثناء العملية الإسرائيلية الأخيرة، ليتركوا مساحة شاسعة للخواء، وكتل من الردم ذات اللون الواحد، لون الإسمنت الذي يوحي بأنه في هذه البقعة كانت هناك منزل أو مؤسسة أو مدرسة.

وعلى بعد أمتار قليلة، كانت بقايا "مستشفى الوفاء لتأهيل المسنين والمعوقين"، والتي استقبلت أكثر من 80 قذيفة صاروخية من الآليات الإسرائيلية؛ لتختفي معالمها بالكامل، في استهداف مباشر ومقصود لدكّ كل ما يعيق دخول القوات الإسرائيلية بريا، تحت غطاء جوي من قبل الطائرات. وكان ثمن دخول هذه القوات مكلفا وباهظا، دفعته كل منشأة موجودة في شرق هذه المناطق، فلم يتبق مصنعا ولا حتى مخزنا تجاريا إلا ولقي مصير مستشفى الوفاء نفسه، فكل هذه المباني كانت في نظر قوات الاحتلال "مبان معادية".

 



بيت الجعبري وسط الركام

على مسافة ليست بالبعيدة عن الدمار الذي غير معالم المنطقة، كانت عدسة "دوت مصر" قد وصلت لمنزل الشهيد القيادي في كتائب القسام "أحمد الجعبري"، الذي لم نستطع التعرف عليه سوى من خلال بعض الكتابات على أحد الجدران الملاصقة للبيت كتب عليها: "هنا منزل الجعبري"، وصورة ملقاة على الأرض لابنه الشهيد، ولولا هذه العبارة لاختفى أثر "الجعبري" تماما في لوحة الدمار الذي ألمّ بالمنطقة بأسرها.

قال أحد المواطنين التقينا به في محيط منزل الجعبري: "أصبحنا لا نستطيع التفرقة ما بين منزلي وشارعنا والمنزل المقابل لنا، كلها أصبحت عنوانا واحدا للخراب".

أما مواطن آخر من سكان نفس المنطقة، فقال إن مسؤولية حجم الدمار الذي أصاب المنطقة لا تستطيع حكومة واحدة أو حتى عشر حكومات تحمّله. وتابع: "لا نعرف من يتحمل مسئولية إعادة إعمار هذه الهياكل الإسمنتية التي نزحها أهلها منذ مدة، بل إن بعضا منهم لن يعودوا إليها لأنهم دُفنوا تحتها، ومن عاش لن يستطيع الوصول أصلا بعد أن تغيرت الطرق، وماتت فرص الأمل في عودته لغرفته وطاولته وحاجياته التي رست تحت الأرض.