كيف نتعامل مع ما يجري في مصر؟!
إذا كنت إنسانًا طبيعيًا، فأنت تحاول أن ترضي ضميرك، لاسيما في آرائك التي تُعبر عنها بشأن القضايا العامة، ومن بينها بالطبع ما يجري في مصر اليوم، على صعيد السياسة.
البعض يرى باقتناع صادق في داخله، أن "الأمل"، هو عنوان المرحلة، وأننا منطلقون نحو "الحُلم"، وسنصل قريبًا جدًا. عزيمتنا سلاحنا، ولن يثنينا شيء (هذا طريق المؤيدين دائما وأبدا). والبعض الآخر تفرض عليه قناعاته الصادقة بداخله أيضا أن يرتدي ثوب "الألم"، حزنا على مصر، التي لم يتغير فيها شيء، بعد أن أضاع أهلها ثورتهم بأيديهم (وهذا طريق الثائرين في كل حين). أما البعض الثالث فهو، مقتنع بحق بمظلوميته، وبأن الكلام لم يعد يجدي، وأن الحل هو العمل على الأرض، لإفساد طريق الظالمين، وفرض طريق الحق بالقوة على السائرين؛ كل السائرين (طريق الإخوان).
لكن أهل "الطريق الرابع" يرون رأيا آخر. هو رأي يقوم عنوانه الرئيسي، على أن الأمل والقلق معا هما عنوان ما يجري اليوم، وينبغي أن يظلا باقيين متجاورين، حتى لا تنتكس الآمال، أو تقهرنا الآلام.. فالأمل والقلق، واجب عقلي وحكم تاريخي.. "الاتنين فى عضم مصر".
كيف نرى ما يجري؟.. ما يجري هو أن لدينا رئيسا طالبته جماهير حاشدة بترشيح نفسه في انتخابات الرئاسة، فترشح، وانتخبته باكتساح، فأصبح رئيسا منتخبا يحظى بشعبية عريضة. (إذا كنت ترى سيدي الثائر أنها جماهير من العامة والدهماء الذين تم تغييبهم فإنني أقول لك، تذكر: الديمقراطية).
هذا الرئيس، نُصدق نواياه، وأحلامه في إقامة مشروع استقلال وطني جديد، يقوم على قاعدة أنك إذا لم تستطع أن تطعم نفسك فلا استقلال لك، وهو لا يحاول تحقيق جماهيرية أكبر بقرارات اقتصادية تؤتي ثمارها خلال فترة أو فترتي رئاسته، بل يعمل في مشروعات كبرى ربما لن نشهد، أنت وأنا وهو، في أعمارنا حصادها، بل أنه يضغط على البسطاء أحيانا، ثم يحاول التوازن بتحسين مستوى الخدمات المقدمة لهم، ويخوض جولات من المواجهة مع الأغنياء، فينتصرون أحيانا.
هو رئيس، نُصدق نواياه وأحلامه إذن. (سيدي المواطن السيساوي المؤيد، أشعر بسعادتك الآن بهذه الكلمات، ولكن لا تستعجل الرزق، فكل الكتب المقدسة لم تخبرنا بأن نبيا سيبعث اسمه "السيسى"، فالرجل قد يخطئ، وهو يخطئ أحيانا بالفعل).
الأحلام الصادقة، والعمل المكثف، لا يكفيان كي يصبح الحلم حقيقة، بل لا بد من رؤية واضحة نحو المستقبل، وتخطيط مسبق لتحقيق أهداف محددة؛ تخطيط يراعي الإمكانيات والقدرات، حتى لا تداهمنا المفاجآت. أعني أنه لا بد أن تكون هناك منظومة، قائمة على مؤسسات تعمل، لا فرد يدير ويوجه، حتى وإن كنا لا نشك في صدقه.
وبناء المنظومة، رغم صعوبته في الوقت الحالى، لكنّه يمكن - بل ينبغى- أن يبدأ، مجرد بداية على الأقل، كيف؟.. باختيار المعاونين والمساعدين الأكفاء، والكفء هنا لا يعنى أنه متفان في العمل ومجابهة التحديات وحسب، بل من الضروري أن يكون صاحب عقل قادر على الإبداع وابتكار الأفكار للحلول، وأن يكون قادرا على تخطي ترسانة اللوائح والقوانين المعرقلة.
أريد، بل أحلم، أن يكون بجوار الرئيس فريق من "المفكرين" المحترمين، الذين يرسمون له "نظريا" صورة لمصر الجديدة التي نريدها، ويريدها هو، كل في مجاله، وبالتنسيق والتناغم فيما بينهم.. وفريق آخر من "المستشارين" الذين يتولون تحويل الأفكار النظرية إلى رؤى سياسية واقعية، يبحثها الرئيس ويناقشها مع الحكومة، والوزراء كل فى تخصصه، ليضيفوا إليها أو يعدلوها ويبدعوا فيها، بما يتناسب مع الواقع على الأرض، ويتماشى مع الرؤية النظرية العامة للدولة، التي وضعها المفكرون مع الرئيس.
لديّ أمل في ذلك، ولديّ أيضا قلق، فقد أصبحت أخشى من اختيارات الرئيس. لديه نية صادقة أو أهداف محددة في اختياراته، لكنه يخطئ أحيانا بوضوح، فهو بشر، ولذلك فنحن نقول إن الدول لا يُمكن أن تدار فقط برؤية فرد؛ فرد واحد من البشر، مهما كان صدقه، بل لابد من منظومة.
لكن المنظومة الحالية، تشير إلى اضطراب في الرؤية، لاسيما في التعامل مع قضايا بعينها، كالأمن والإعلام والثقافة، إذ ليس بالاقتصاد وحده تحيا الشعوب. والعمل المكثف، نحترمه ونصدقه، لكنه إذا ما كان بلا رؤية حاكمة، فقد يضحى هدرا وخَبط عشواء في بعض الوقت. ولذا فليس من المناسب أن يأتي رد السلطة على القضايا المثارة في صورة بضع كلمات حانية تستهدف جموع الشعب من البسطاء، بل لا بد من الانخراط في مناقشة المثقفين ومحاولة إقناعهم، بالفكرة والمعلومة، حتى وإن كانوا هم الأقل عددا، لكن الحياة ليست رقمًا وحسب، وهؤلاء لا يمكن أن يقنعهم، بل يقلقهم كثيرا، أن يكون الأستاذ توفيق عكاشة هو الذراع الإعلامية للنظام الجديد!
وأعود لأقول.. أن كل ذلك يجري على أرضية الحرب في مواجهة الإرهاب، والحروب التي تستهدف تمزيق المنطقة، والمواجهات في الغرف المغلقة مع الفاسدين من رجال الأعمال، وتحديات اهتراء مؤسسات الدولة عبر عقود، وغيرها وغيرها، فالإرث ثقيل بالفعل، لكنّه يمكن التعامل معه، من خلال البدايات الصحيحة، دون انتظار تحقق النتائج في أعمارنا القصيرة، فالمهم أن نبدأ ببناء منظومة تكون...
ولكن مهلا.. مهلا حقا.. لماذا نناقش ونحلل دوما اتجاهات وسياسات السلطة وكأنها تعمل في دولة "فسخونيا" الصديقة؟!.. لابد لأي منظومة، من أفراد يطبقونها، هؤلاء الأفراد هم أنت وأنا و.. الشعب، فماذا عن الشعب؟! هل نحن مؤهلون حقا للانخراط في منظومة ناجحة؟!
تعال نقف جميعا أمام المرآة.. مرآة لن تجدها غالبا إلا هنا.. في "الطريق الرابع".. ولكن في محطات مقبلة ومقالات لاحقة.. فإلى الملتقى يا شعب!