التوقيت الإثنين، 23 ديسمبر 2024
التوقيت 09:53 ص , بتوقيت القاهرة

أسئلة بخصوص نداء الكنانة

سياق: "نداء الكنانة" هو دعوة إلى تبني "العنف" كوسيلة "شرعية" لجماعة الإخوان المسلمين. البيان وقع عليه 159 رجل دين يعيشون في 40 دولة مختلفة. بعضها دول إسلامية وبعضها دول غربية. وقد تبناه شباب الإخوان، القيادة الجديدة للجماعة، ما أحدث انشقاقا بين شيوخ الجماعة وشبابها.

السؤال الأول: ما القيمة الحركية لنداء الكنانة؟

كلنا يعلم أن جماعة الإخوان أصل جماعات العنف، وقواعدها تدعمه، وكتابها من جميع الأجيال ينظرون له، ومفتيها لا يفتون بحرمانيته أبدا، وهو كلمة سر تعني أنه مسموح شرعيا، مؤجل حركيا، لدواعي المصلحة.

لكن قياداتها لا تعلن ذلك. وعدم الإعلان أعطاها ميزة نوعية، حيث سمح لها بالعمل في أكثر من دولة أوروبية تحظر قوانينها الجماعات التي تدعو إلى العنف، ولا سيما الجماعات التي تدعو إليه على أساس ديني أو عرقي.

وبالتالي فما الجديد الذي يضيفه هذا البيان. هل سيجعل إخوانيين لم يكونوا ينتهجون العنف يغيرون آراءهم وينتهجونه؟ أبدا. إذا الإخوان كما أسلفت مقتنعون بجدواه، قبل رابعة وفي أثناء رابعة وبعد رابعة. هل سيجعل إمكاناتهم اللوجستية تزداد؟ أبدا. الإمكانات اللوجستية للجماعة لم تنقطع يوما. بغض النظر عن الوضع السياسي. نحن نسميها إمكانات لوجستية، وهم يسمونها إعداد العدة. وشعار الجماعة نفسه: "وأعدوا". أي "وأعدوا لهم ما استطعتم من عدة ومن ركاب الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم".

هذه الفكرة لخصها بذكاء الكاتب حاتم حافظ حين قال:

السؤال الثاني: إذن، ما القيمة الحركية لنداء الكنانة؟

لم أعد السؤال الأول، إنما سألته من وجهة نظر أخرى، من وجهة نظر "خصوم الجماعة". لقد أهدت الجماعة خصومها هدية من ذهب. أخيرا صار لدى السلطات المصرية بيان رسمي يعترف فيه الإخوان بأنهم داعون إلى العنف. هذا مهم جدا من الناحية الحركية، أي رد الفعل الأمني، ومبرراته، وحدوده، واتجاهاته. ومهم أيضا سياسيا. وهو ما يقودنا إلى السؤال التالي.

السؤال الثالث: لماذا تجاهلت صحف العالم بيان نداء الكنانة؟

يبدو أن الصحف الصديقة للإخوان، ومصادرها من النشطاء المصريين، لا تعرف كيف تعلق على البيان. لأنه دليل دامغ على نهج الإخوان الذي روجت طوال أعوام، وروجت مصادرها المصرية من النشطاء، أنه نهج سلمي. هناك حملة ملحوظة عن عنف النظام المصري، رغم عدم وجود جديد يبررها صحفيا، اللهم إلا الإفراج عن محمد سلطان. لاحظوا أنني لا أقول إن السلطات المصرية لا تلجأ إلى العنف، إنما أقول إن الصحف تذكرت هذا وتجاهلت تماما بيان الإخوان.

السبب من وجهة نظري أن تلك الصحف تريد أن تقول "ألم نقل لكم؟ لقد أدى عنف السلطات في مصر إلى عنف مقابل من الإخوان؟" لكنها لا تستطيع أن تقوله صراحة. هذه الحجة ضعيفة جدا لسببين. أولهما أن نهج الجماعات لا يختبر في أوقات السلم. إنما يختبر في وقت التضييق الأمني. وإلا لكانت كل جماعات العالم سلمية. وثانيها أن البيان قدم تأصيلا "شرعيا" وليس حركيا للعنف. وتلك طامة كبرى على جماعة تتحدث إلى العالم عن "الإسلام الوسطي الجميل"، ويسميها رئيس أمريكا "مسلمين معتدلين". سيكون السؤال الآن: هل كان في الجماعة معتدلون من البداية يا سيد أوباما. وهو ما يقودنا نحن أيضا إلى السؤال الأخير.

(في تساؤل جانبي: هل تلاحق الحكومة المصرية الموقعين على البيان قانونيا، ولا سيما في الدول التي تجرم التحريض على العنف؟).

السؤال الرابع: كيف نقرأ ردود الفعل داخل الجماعة - ما يسمى بـ"الانقلاب"؟

يظن شباب الإخوان أنهم أتوا بما لم يستطعه الأوائل. لكن الحقيقة أن هذه هي الحكاية المتكررة. حكاية شباب محمد. حكاية 1954. حكاية القطبيين. وحكاية جماعات الجهاد في 1981. كل مرة. كل مرة. يخرج شباب ليقولوا للشيوخ لا، بل العنف هو الطريق. والشيوخ يعضون على شفاههم لكي يفهم الشباب أنهم يوافقون ولكن ينبغي عدم الإعلان. وكل مرة يعتقدون أن هذه مختلفة عن سابقتها، لأنهم يكونون في خضم الأحداث بدل مشاهدتها من موقع المتفرجين. يكونون في موقع شباب الجيل السابق لهم بدل أن يكونوا مجرد قراء لتجربتهم.

ولكن هذه المرة فعلا مختلفة. لأن الإخوان أزيحوا من السلطة بخروج شعبي كبير لا ينكره إلا متعامون. صحيح أن الجيش هو الذي ضغط الرافعة، لكن الصراع لم يكن كصراع 1954 داخل أروقة السلطة فقط. وبالتالي فإن قراءة الأحداث على أن ما حدث في 30 يونيو مجرد انقلاب قراءة قاصرة، يرضي بها الإخوان أنفسهم. ما حدث بعد 30 يونيو لا يغضبهم هم فقط. إنما يغضب بعضا من خصومهم أرادوا أن تكون 30 يونيو فرصة لتحد وتخليص "ثأر" 25 يناير.

جماعة الإخوان جماعة ممدودة على طول مصر مثل "اللبانة الممطوطة". هذه قوة تنظيمية، لكنها ضعف نسبي في كل موقع على حدة. ولو وقعت فريسة للثأر الشخصي بينها وبين العائلات الكبرى، وبينها وبين الشرطة، لخسرت. هؤلاء الخصوم يرون أن المؤسسة العسكرية تدخلت لأنها تريد أن تكون "الحامي الوحيد" لأمن الوطن، وبالتالي القادر الوحيد، والمستحق الوحيد، لحكمه.

أريد أن أقول إن خصوم الإخوان هذه المرة أكثر من أي مرة سابقة. فهذه المرة فعلا مختلفة، ولكن على عكس ما يقوله الإخوان، مختلفة في غير صالحهم.

والموضوع ببساطة أن شباب الإخوان بانقلابهم أثبتوا لأنصار الحل الأمني أن الحل الأمني هو الناجع. هو الذي يكشف أن هناك خيطا فكريا يمتد من شباب الأمس، شيوخ اليوم، إلى شباب اليوم. يجعلهم من ناحية يتبنون العنف (كما هددوا قبل رابعة) ومن الناحية الأخرى ينقلبون فيفتتون الجماعة. هي السلطة عايزة إيه من الجماعة أكتر من كده؟! بالشفا!