لبنان.. من هنا بدأت الحرب بالوكالة بين السعودية وإيران؟
في الصباح الباكر ليوم 9 مايو عام 2008، أرسل تنظيم حزب الله الشيعي المئات من المقاتلين المدججين بالسلاح إلى العاصمة بيروت، وخلال 12 ساعة فقط غير التنظيم التوازن السياسي في البلاد، بعد تغلبه على الميليشيات السنية وسيطرته على مكاتبهم السياسية، وإغلاق وسائل الإعلام كان يملكها زعيم سني بارز، دون أي تدخل من الحكومة والجيش اللبنانيين.
وقالت مجلة "ذا نيويوركر" الأمريكية، اليوم الخميس، إن أحداث مايو 2008 كانت واحدة من الحلقات الأولى في الحرب بالوكالة بين المملكة العربية السعودية وإيران، فبينما كان الاثنان يتصارعان بالفعل في حروب بالوكالة في العراق، انتقل الصراع إلى ساحة جديدة بعد سيطرة حزب الله، التي استمرت فترة وجيزة، على بيروت، وساعد في ما حدث في المنطقة خلال السنوات اللاحقة من عنف طائفي وحرب بالوكالة على نطاق واسع، امتد الآن لسوريا والعراق واليمن والبحرين.
فراغ سياسي
وبعد غزو إدارة الرئيس الأمريكي السابق، جورج بوش، العراق، والإطاحة بالنظام البعثي في 2003، أدركت السعودية وإيران حدوث فراغ سياسي في بغداد، وبدء الاثنان في التنافس لملء هذا الفراغ.
حينها بدأت الأنظمة السنية المجاورة للعراق دعم المقاتلين والقبائل السنية، بينما دعمت إيران الميليشيات الشيعية والحكومة المركزية في بغداد، وحاول آل سعود، الذين ينظرون للعراق كحصن ضد التأثير الإيراني زعزة استقرار الحكومة التي يقودها الشيعة، بحسب ما ذكرت "المجلة".
وبعيدا عن العراق، كانت الدول العربية غاضبة من تنامي قوة إيران في المنطقة من خلال برنامجها النووي، دعمها حزب الله وحركة حماس، وتحالفها مع الرئيس السوري، بشار الأسد.
وأوضحت الصحيفة أن هناك تحالف بين الولايات المتحدة والأنظمة العربية السنية، السعودية ودول الخليج ومصر، يدعم الحكومة السنية في البلاد ضد حزب الله، وهو حزب سياسي وميليشيا ممولة من إيران، كما يمتلك نفوذا كبيرا وسط الشيعة في لبنان.
بداية الأزمة
بدأت الأزمة في لبنان في فبراير 2005، بعد مقتل رئيس الوزراء الأسبق، رفيق الحريري، ما أدى إلى انشقاق بيروت إلى مؤيدين للسعودية وآخرين داعمين إيران.
وقالت المجلة إن العالم العربي صعق من أداء حزب الله القوي ضد الجيش الإسرائيلي المتفوق عسكريا خلال حربهما في 2006، وفي نوفمبر من العام نفسه، فشلت المفاوضات بين حزب الله والولايات المتحدة ورئيس الوزراء المدعوم من السعودية آنذاك، فؤاد السنيورة، واستقال 6 وزراء يمثلون الحزب من الحكومة.
وبعد ذلك، بدأ حزب الله ومؤيديه من المسيحيين في ذلك الوقت مظاهرات غير عنيفة في وسط بيروت، ونصبوا المئات من الخيام خارج المقر الرئيسي للحكومة، وطالبوا باستقالة فؤاد السنيورة، الذي اتحد معه السنة وبعض الفصائل المسيحية، بجانب الولايات المتحدة والأنظمة العربية السنية.
شبكة اتصالات سرية
وفي أبريل 2008، اكتشف الساسة اللبنانيون أن حزب الله يمتلك شبكة اتصالات سرية مصنوعة من الألياف الضوئية، وقدموا تفاصيل تتضمن خريطة تتبع مسار الشبكة، لكل من الولايات المتحدة، وفرنسا، والمملكة العربية السعودية، وحلفاء آخرين.
وقال وزير الاتصالات اللبناني في ذلك الوقت، مروان حمادة، لمسؤولي السفارة الأمريكية إن "إيران تيليكوم" تسيطر على البلاد، وفقا لخطاب دبلوماسي نشره موقع "ويكيليكس"، وأوضح "حمادة" أن الزعيم السني ونجل رفيق الحريري، سعد الحريري،أرسل طائرة خاصة للسعودية للحصول على نسخة من الخريطة عندما علم بأمر شبكة اتصالات حزب الله للمرة الأولى.
كما أخبر الوزير اللبناني الدبلوماسيين الأمريكيين أن شبكة الألياف الضوئية بنيت سرا بمساعدة مسؤولين في البلديات، وكانت تمول من قبل الصندوق الإيراني لإعادة إعمار لبنان، الذي كان مخصصا لإعادة بناء الطرق والجسور التي دمرتها إسرائيل خلال حرب 2006، وقالت المجلة إن هذه التصريحات أكدت أن حلفاء السعودية في لبنان رأوا شبكة حزب الله كجزء من التهديد الأكبر الذي تمثله إيران.
وفي 6 مايو 2008، أصدر فؤاد السنيورة وحكومته قرار بتجريم هذه الشبكة، وأقال رئيس الأمن بمطار بيروت، الذي كان حليفا للتنظيم، واتهم حسن نصر الله حينها الولايات المتحدة وإسرائيل بالتحريض على القرارين، وطالب بإلغائهما.
وفي اليوم التالي، اندلع القتال بين حلفاء حزب الله ومؤيدي "الحريري"، وأرسل حسن نصر الله مئات المقاتلين للمناطق السنية في غرب بيروت، وتمكن من هزيمة مؤيدي الحريري في ساعات، وأغلق الصحف والقنوات التي يمتلكها، وفي 15 مايو ألغت حكومة "السنيورة" القرارين، وسحب حزب الله مقاتليه من الشوارع، وتوجه قادة الطرفين إلى قطر للتفاوض تحت رعاية الجامعة العربية.
قلق سعودي
النجاح السريع لحزب الله أثار قلق المملكة العربية السعودية، التي أنفقت عشرات الملايين من الدولارات في تمويل الحزب السياسي للحريري وتسليح حلفائه في قوات الأمن اللبنانية، ونشرت صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية عنوانا على صفحتها الرئيسية بعنوان "بيروت تحت الاحتلال الثاني"، في إشارة إلى احتلال إسرائيل لها في 1982، كما اقترحت السعودية تكوين قوة عسكرية عربية مدعومة من واشنطن وحزب الناتو للتدخل في لبنان.
وقال وزير الخارجية السعودي في ذلك الوقت، الأمير سعود الفيصل، إن القوة العسكرية ستشكل من الدول المحيطة بلبنان، أي أن السعودية ودول الخليج لن تشارك فيها، على أن يتم نشرها في بيروت تحت إشراف الأمم المتحدة، وتوفر الولايات المتحدة وحلف الناتو المعدات اللزمة لهذه القوة، ولكن الاقتراح لم يلق قبولا لدى المسؤولين الأمريكيين، وسرعان ما ألغيت الفكرة.
لكن بعد هذا الاقتراح، بدأت السعودية وإيران في النظر للصراع بينهما على أن الفائز سيحصل على كل شئ، فإذا حصل حزب الله على اليد العليا في لبنان، سيخسر السنة جولة أمام طهران، وإذا نجحت الحكومة الشيعية في ترسيخ سيطرتها في العراق، ستفوز إيران بجولة أخرى، ولذلك، تسرع السعودية بحشد حلفائها في لبنان، وسوريا، والبحرين، واليمن، بحسب المجلة.
وفي النهاية أشارت "ذا نيويوركر" إلى أن ملك السعودية، سلمان بن عبدالعزيز، هو أكثر حرصا على التدخل بشكل مباشر في حروب الوكالة مع إيران، مشيرة إلى التحالف الذي قادته السعودية ضد المتمردين الحوثيين في اليمن.