التوقيت الثلاثاء، 05 نوفمبر 2024
التوقيت 10:01 ص , بتوقيت القاهرة

هيا نصارح "الطالب المتوسط" بحقيقته

سؤال: اذكري مكانا في العالم يحصل فيه الطلاب على 100% وأكثر في امتحانات المؤهلة لدخول الجامعات؟

مصر.

العباقرة دول بيروحوا فين بعد كده؟

بيروحوا الجامعة.

كله عايز يدخل الجامعة، وكله بيطلع من الجامعة عايز يشتغل. مش بس اللي جايب 100% إنما اللي جايب 90، و80 و70 و60 وكمان 50. هل هذا معقول؟

نعم معقول في مجتمع "الطالب المتوسط".

وأعني بهذا المجتمع الذي يريد أن يضبط نفسه على مستوى الطالب المتوسط. بحيث لا يظهر هذا "الطالب المتوسط" على حقيقته، متوسطا، عاديا. لا. بل يريد أن ندلله وندللها ونجعلهما يحصلان على درجات لا يحصل عليها الطلاب العباقرة في الدول العادية. علشان نفسيتهم يا حرام. مانتوا عارفين!

هل تتوقف الكارثة عند هذا الحد؟ أبدا. البيه "الطالب المتوسط" بيصدق نفسه، ويفتكر إنه عبقري. ويبدأ في الشكوى والعويل لأنه حصل على مجموع كذا وكذا ولم يجد من يقدر موهبته.

وبعدين؟ الطلاب الضعفاء، المتكاسلون، الذين لا يحوزون من المهارات ما يبرر تخطيهم لحاجز النجاح، لو الدنيا فيها عدل، يحصلون على أرقام تعادل جيد وجيد جدا. وهؤلاء. هؤلاء أنفسهم، يملؤون الدنيا صريخا أيضا بأن "الدنيا مافيهاش عدل"، يتخرجون بمئات الآلاف من كليات فقدت أسماؤها معناها، وينتظرون، ويطالبون بالوظيفة. فعلا. الدنيا مافيهاش عدل.

أريد أن أتوقف في هذه السلسلة الجهنمية. لكنني لا أستطيع، لأن السلسلة الجهنمية مستمرة. "مستوى الطالب المتوسط" أفقد المنافسة معناها الحقيقي. وبالتالي لم يحل الأزمة بل كرسها. جعل من السهل الدخول إلى نطاق المتفوقين، وبالتالي ازدحم النطاق ازدحام الجمعيات التعاونية.

أما نطاق المتوسطين فصار أكثر ازدحاما من علبة السردين. ولا بد أن تكون المزاحمة أعنف. هنا أشد درجات المأساة قسوة ولهوا في ذات الوقت. لماذا؟ لأن المهارات المطلوبة لهذا النوع من التزاحم - لا أقول المنافسة - تختلف تماما عن مهارات المنافسة الأكاديمية العادية.

المنافسة الأكاديمية العادلة تختبر مهارات الطلاب في الأكاديميا. التزاحم الأكاديمي التعاوني الذي أنبته مفهوم "مستوى الطالب المتوسط" تختبر مهارات الطلاب في الغش، أو الواسطة، أو شراء الامتحانات. ما هو لو الطلاب دول نافعين كانوا فلحوا. لكنهم بالتأكيد ليسوا كذلك. وبالتأكيد لا بد أن يلجؤوا إلى ما يعرفونه وما يستطيعونه. الغش.

هنا، في هذه النقطة، يصير الغش، كالتدافع على الجمعية التعاونية، هو الطبيعي. بل يصير الطلاب الذين لا يغشون هم المظلومين الحقيقيين. بل - وافهميني كويس - يصيرون فعلا الأقل حيازة للمهارة الناجعة، مهارة الغش.

سياسة الدولة في التعليم، في "الطالب المتوسط"، تشجع الغش، وتعلي قيمته.

خريجو هذه السياسة، من أول الحائزين على 100% إلى الحائزين على خمسين وشوية، كلهم، مجرد غشاشين، وهم يعلمون أنهم غشاشون. والعالم يعلم أنهم غشاشون فلا يقبلهم بعد تخرجهم من الجامعة. ليس بسبب الغش الجماعي فقط. إنما بسبب غش النفس.

أيها الحائزون على 100% إنكم تغشون أنفسكم، مافيش طلاب ولا في أكثر المجتمعات عبقرية يحصلون على تقدير كهذا. والعالم كله يعلم ذلك. ومستواكم العملي بعد ذلك يثبت ذلك.

أيها الحائزون على 70%، إنكم غشاشون. ولا تستحقون جامعة ولا تستحقون بالتالي وظيفة كما تطالبون.

أما دولة "مستوى الطالب المتوسط" فهي شيخ المنصر، مُسرِّحة الغشاشين، مُسرِّحة المتسولين. تحصلين على الولاء السياسي، ونحصل نحن على هذه النفسيات المدعية قليلة المهارة.

كفاية طبطبة خربتوا البلد.