أنا والدكتورة.. وعطر اللوتس
مع بداية الهدوء النسبي لأحداث المحروسة.. واعتدال الطقس وبداية الترويج الخَجِل للسياحة.. قلت لنفسي لماذا لا أزور أهرامات الجيزة بعد آخر زيارة زمن الشباب الذي أدبر وولى! فطلبت من أخي العزيز المستشار القانوني وائل عبد الحميد، بارك الله فيه، أن يصحبني إلى هذه البقعة الخالدة.. فأجاب.
لأَمُرُّ بقصة تستحق الوقوف عندها، إذا أردنا سياحة حقيقية تليق بوقار وهيبة المكان وسمعة مصر.
بدأت القصة المُضحكة المُبكية ونحن في "العربية" نقترب من مدخل أهل مصر القدماء، وإذا بأشخاص يقفزون على "العربية" كالفدائيين؛ ليبيعوا لنا تذاكر وهمية لدخول ساحة الأهرامات، وبصعوبة وصراخ دخلنا الساحة منتصرين! ليلقانا عسكري بسيط في وجهه طيبة تكفي مدينة بأكملها.
ترجّلت من السيارة لأجد نفسي محاطا برهط من الرجال.. ليقول لي أحدهم: هل معك جواز السفر؟ استغربت السؤال فأنا لست مسافرا.. لماذا؟ ليتأكد أني عربي.. فالعربي يدفع أقل من الخواجات! لأني أعلم أن العربي يدفع أقل والمعلوم أكثر.. وبعد كل الرغي والكلام وهو في حيرة عبيطة من كوني عربيا أم لا، طلبت منه تذكرة الأجنبي..قال مايصحش!
وبفضل صديقي مرت المرحلة الثانية بسلام وعبرنا المدخل! وأول المستقبلين بعد الجهد العظيم صاحب الحنطور، وقد تلقانا بابتسامة عريضة وفرحة كالفرحان بخروف العيد! طبعا الأسعار تبدّلت مع أول تحرك وبعد حجج ومرافعة السيد المستشار نزلنا لنصف السعر تقريبا.. بدأ السايس الذي علمت لاحقا بأن أجرته غير محسوبة مع الحنطور! بإعطاء شرح عن المكان، ولم يكن سيئا ولكن كلما استفسرت عن معلومة يقول لي عند الدكتورة وهكذا كل مرة.
فمن هي الدكتورة هذه التي لديها كل المعلومات؟
أصابني شغف وفضول للتعرف على الدكتورة لمعرفة المزيد من أسرار الفراعنة وذكائهم. حتى وصلنا إلى أبو الهول، وقد صِعب عليّ حالته الرثّة، وقد ذهب وقاره وهيبته وقل احترامه (ده اتهزأ أوي يا جدعان)! على العموم واصلنا التقدم بالحنطور العجيب، وأكاد أجزم بأنني سمعت صوت كل عظمة في جسدي تئن وتطلب الرحمة! ليزيد السايس عذابي بقوله: إنه مضطر للمرور بالمنطقة المحيطة بالهرم لأن المنطقة ستقفل قبيل المغرب! لا أدري إن كان ذلك بسبب لعنة الفراعنة.. الله أعلم ؟!
فسألته هل أجد عطر زهرة اللوتس؟ ليأتيني الجواب..عند الدكتورة. يالها من عالمة عظيمة هذه الدكتورة التي تختص بالتاريخ والآثار والعطور.. تُرى شهادتها من أي جامعة؟ زاد شغفي بالفعل.. فإلى الدكتورة أيها الطيب.. وإذا بي أجد نفسي أمام الباب وعلى يميني السيد المستشار وقد دقت ساعة اللقاء! فتحت الباب وإذ أمامي سيدة لطيفة بجلابية شعبية ومنديل أبو أوية وتلبس شبشب! سألتها ممكن أقابل الدكتورة..
فردت أنا هي.
ما اختصاصك؟
دكتورة أعشاب.
اسودت الدنيا أمامي..تمالكت نفسي بعد أن تحطّم شغفي وتناثر أمام تلك الحقيقة الصادمة.. لأسألها عن عطر اللوتس.. لتُحَمِلَني شيلة كبيرة.. ولعلمي بكساد السوق السياحي والصدمة لم أفاصل! وبعد أن حَظِيَت هي بصفقة.. لتفاجئني بقولها مش برضه الدكتورة بتاخذ رسوم؟!
هنا انفجرت ضاحكا لأسلوبها العجيب.. المهم خرجت بعطر زهرة اللوتس، وإنْ كنت لا أعلم حتى الساعة مدى نقائه..لأن في منطقة الحسين وجدته لونا آخر؟!
على العموم انتهت رحلتي السياحية وأنا أقف على كوم من أكياس الزبالة.. لأن منطقة الأهرامات أغلقت.. في حين أن هيئة السياحة لا تزال تسوّق للسياحة بثقة!! كانت أصعب رحلة سياحية في حياتي استنزفت فيها كامل طاقتي الذهنية والعصبية والجسدية وتعرّضت فيها لكل أنواع الحيل والمفاوضات!
منطقة الأهرامات تستحق اهتماما أكبر.. وأرجو ألا يتم إرجاع السبب إلى الميزانيات.. فقليل من التنظيم في الدخول ووضوح الأسعار والخدمات والزراعة البسيطة تفي بالغرض..فالمصريون قادرون على الإبداع وجعله من أجمل الأماكن، فالحلول بسيطة إذا كانت النية الحقيقية موجودة. فهل من مجيب؟