هل يعود العراق إلى العنف الطائفي؟
لم يكن الاحتقان الطائفي في المنطقة العربية ظاهرا، قبيل صعود ما سمي بالثورة الإسلامية في إيران، فلم يسجل التاريخ نزاعات بين الطائفة السنية والشيعية بشكل مباشر، إلا من خلال بداية المد الإيراني في المنطقة، خصوصا في العراق.
بعد سقوط حكم الرئيس العراقي الراحل، صدام حسين، بدأ تكشف النزعة الطائفية عمليا، بعد سيطرة تامة لحزب "البعث" على البلاد لأكثر من 40 عاما، واجه فيه حربا استمرت 8 سنوات مع إيران، ما بعد الثورة الخمينية، إضافة لانتفاضة شيعية في عام 1991، سرعان ما تمكن صدام من إخمادها.
فوضى طائفية
وشهد العراق بعد الغزو الأمريكي في أبريل/نيسان 2003، بوادر ثأر وقتل بحق ضباط عراقيين من قبل إيران، بسبب مشاركتهم في الحرب ضد طهران في الثمانينيات من القرن الماضي، ليظهر في ظل ذلك دور واسع لتنظيم القاعدة في بلاد الرافدين، وكانت جل عملياته فيما بعد ضد الشيعة والصحوات التي حاربته في الأنبار.
وفي 22 فبراير/شباط 2006، استهدف مسلحون ضريح "الإمامين علي الهادي والحسن العسكري" في مدينة سامراء، شمال العاصمة بغداد، الذي يتمتع بقدسية لدى الطائفة الشيعية، الأمر الذي أدى إلى حرب طائفية دموية بين الشيعة والسنة، كانت أبرزها عمليات التصفية الطائفية في بغداد من خلال ميليشيات مجهولة، وفرق سميت بفرق الموت في أحياء بغداد.
وبعد تفجير القبة الخاصة بالضريح في سامراء، تجمع الآلاف من أهالي مدينة في الساحة المحيطة بالمرقد، وتحول لاحتجاج على الاعتداء، عقب ذلك تعرض أحد المساجد السنية في بغداد لهجوم من قبل مسلحين شيعة غاضبين على عملية التفجير.
قتل عشوائي
عمت الفوضى والغضب مدن جنوب ووسط العراق، وخرج الآلاف من الشيعة بمظاهرات كبيرة، وخرجت قوات جيش المهدي في مدينة الصدر إلى الشوارع بالزي الأسود، إضافة على حمل الرايات السوداء، وترديد هتافات منددة بمن وصفوهم بالبعثيين والوهابية والنواصب.
وبدأت الفوضى تتوسع في البلاد، وتكررت عمليات إحراق مساجد سنية وهدمها وأعمال القتل عشوائي في بغداد وما حولها، فقد أشارت إحصائيات رسمية في تلك الفترة إلى أن العشرات من المساجد السنية تعرضت للهجوم، كما قتل عدد من الأئمة في المساجد وخطف آخرين.
وتوسع الأمر إلى عمليات اختطاف وتعذيب للسنة في مدينة البصرة، جنوبي البلاد، وتدمير مرقد تابع للسنة في المدينة، أجبر السلطات إلى فرض حظر تجوال شامل في البصرة.
كما حدثت أعمال تهجير قسرية في بعض المناطق، وقام مسلحون سنة بإطلاق صاروخين على مرقد سلمان الفارسي، في المدائن، ما تسبب في أضرار بالغة للمرقد.
عودة الحرب الطائفية
تقول المحللة السياسية العراقية، جمانة الوردي، لـ"دوت مصر"، "في ظل الأوضاع التي تشهدها محافظات الموصل وصلاح الدين والأنبار، ودخول ما يعرف بميليشيا الحشد الشعبي إلى تكريت، هذا الأمر قد يثير النعرات الطائفية والأضغان الطائفية بين أطياف الشعب العراقي في ظل الممارسات والانتهاكات من قبل الحشد بعد تحرير مدينة تكريت.
وتتابع جمانة، من العاصمة بغداد، "تسليح العشائر السنية في العراق قد يهدئ من غضب الشارع السني ومدينة الأنبار، خصوصا أن هذا المطلب قديم، طالبت به العشائر في عهد نوري المالكي، ومنذ أيام تم تسليح 1000 شخص من مقاتلي الأنبار يشاركون مع القوات الأمنية العراقية المشتركة في معركة تحرير الرمادي، فعملية التسليح قد تساهم كثيرا في إطفاء نار الطائفية، إذا ما قورنت بالأسلحة التي يتسلح بها عناصر الحشد الشعبي".
وبينت الوردي، أن التطورات السياسية جاءت متسارعة بعد أن شهدت الحكومة بغداد المركزية انتكاسة الرمادي، وعادت لتحث الخطى في مجلس النواب العراقي، الذي يسعى لإقرار قانون الحرس الوطني خلال الفترة المقبلة، وهذا القانون من شأنه إعادة اللحمة داخل البيت العراقي".
تسليح السنة
من جانبه، يقول أستاذ الإعلام الدولي بجامعة بغداد، كاظم المقدادي، لـ"دوت مصر"، "لا أعتقد أن الوضع حالي شبيه بوضع عام 2006، في ذلك الوقت كان هناك حوادث طائفية عديدة، منها تدمير مرقد الإمامين العسكريين، هذا الحادث وحده كان له بعد طائفي، مع ذلك تمت السيطرة على الحادث، رغم أن الأحداث استمرت سنة كاملة".
ويتابع "الآن ليس هناك بعد طائفي بالمستوى الذي حدث عام 2006، القضية تختلف تماما، رغم وجود الحشد الشعبي الآن في الرمادي بطلب من مجلس محافظة الرمادي، وهناك الكثير من الأهالي الذين ظهروا على وسائل الإعلام يطالبون به، فالحشد منضبط تحت رعاية الحكومة العراقية، نعم حدثت تجاوزات في صلاح الدين وتكريت، ويفترض أن هذه التجاوزات لا تتكرر في الأنبار أو في مناطق أخرى".
وحول قضية تسليح العشائر السنية في الأنبار، قال المقدادي: "يفترض أن هذه العشائر إذا كانت ليست بعيدة عن هموم الدولة العراقية، وتنسق مع حكومة حيدر العبادي تحديدا، أعتقد ليس هناك من ضير ولا خطر، لكن إذا كان تسليح العشائر السنية ربما يؤدي فيما بعد إلى تقسيم العراق إلى دويلات أو حتى إلى أقاليم، سيشكل ضررا سياسيا واجتماعيا للبلاد".