من خورشيد باشا إلى محلب.. "لف وارجع تاني"
"كيف يفكر المسؤول الحكومي"؟.. سؤال يرد على بال كثيرين حينما تصدر قرارات جديدة من قبل الحكومة، ربما يكون العامل المشترك في الإجابة على هذا السؤال أن تلك القرارات هي نفسها التي اتُخذت من حكومات سابقة في نفس الأزمات تقريبا بل وتفشل في بعض الأحيان في الوصول لنتائج القرارات القديمة.
حكومة المهندس إبراهيم محلب، استدعت من الماضي عددا من القرارات الاقتصادية التي تنظم مجتمع المال والأعمال، وربما لم تأخذ في حسبانها أو تدري أنها تعيد إنتاج قرارات لجأ إليها النظام الحاكم في أزمات مشابهة.. وكأنها تسير في حلقة مفرغة أو تصنع العجلة، بحسب مصطلحات أصحاب الياقات الحمراء ممن ينادون بالرأسمالية الحرة.
الضرائب
الضريبة، إحدى الأدوات المالية التي تلجأ إليها الحكومة لتحسين دخلها، وتوفير السيولة المالية؛ حتى تتمكن من الوفاء بالزامتها.. لكن المتعارف عليه أن استخدام مثل تلك الأداة يكون في أضيق الحدود، نظرا لما يصاحبها من سخط الشارع على الحكومة.. وغالبا ما تكون الضريبة من اختصاص وزير المالية، الذي يحاول بشتى الطرق إرضاء السلطة الحاكمة، عن طريق تأمين السيولة لخزينة الدولة.
خورشيد باشا، وهو أحد ولاة الدولة العثمانية على مصر، عرف بأبو الضرائب لما كان يبذله من جهد في جمع أموال الشعب وإرسالها للخليفة العثماني، طالبا رضاه، وكذلك محمد على باشا، الذي استعان على حل أزماته المالية بمضاعفة الضرائب على الشعب، وكذلك أحفاده إسماعيل وتوفيق، وفي عهد الجمهورية، فرض الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، الضريبة مضاعفة على الأغنياء فقط، لعلاج العجز الكبير في السيولة الذي عانت منه البلاد في أعقاب تطلعات ناصر القومية، قبل أن يتخذ قرارات التأميم.
الرئيس السادات هو أيضا صاغ قرارات لتحرير الاقتصاد منها تخفيض الضرائب، والتي أعادتها حكومات مبارك لما كانت عليها، بدرجات متفاوته، بل وانتهجتها أيضا حكومة الرئيس الأسبق محمد مرسي، وفرضت الضرئب على رجال الأعمال.. حكومة المهندس محلب، لجأت هي الأخرى لفرض ضرائب في صور متعددة لتعزيز مواقفها المالية، في شكل ضرائب على المستثمرين والمواطنين من ضرائب الدخل ورسوم حماية وضرائب مبيعات وغيرها.. واختتمتها بضرائب الفول والطعمية والبورصة، والتي ألغيت تحت ضغوط وغضب المستثمرين والشارع.
منظومة الدعم
تشكل قضية الدعم، والحديث عن إلغائه من وقت لأخر، الخط الأحمر، أو عش الدبابير، لمن يحاول اقتحامه، وقضية الدعم التي تلوح الحكومة بإمكانية إلغائها من وقت لأخر ليست وليدة اللحظة، فالخديوي توفيق، ألغى ما يشبه الدعم على الأخشاب والسلع الغذائية الذي فرضه والده الخديوي إسماعيل وأجداد إبراهيم ومحمد علي باشا، كنوع من عطايا الحكام، عندما استدانت مصر في عهد والد إسماعيل صاحب النهضة العمرانية.
الدعم قضية شغلت تفكير الرئيس جمال عبد الناصر حينما أراد في أكثر من مرة إلغاءها لولا أن نصحه مستشاروه، أنه مؤكد سيفقد شعبيته وهو ما دفعه لأخذ قرار التأميم، أما الرئيس الراحل أنور السادات، فيحسب له أنه أول من فكر في تحرير ميزانية البلاد التي أثقلها عبد الناصر بدعم الخبز وغيره من المنتجات الغذائية والوقود، لكن سرعان ما اندلعت المظاهرات ضده، ورغم الأزمات المالية في عهد مبارك إلا أنه لم يستطع الاقتراب من ملف الدعم وكذلك مرسي، إلا أن حكومة السيسي استطاعت أن تقتحم عش الدبابير، وأعلنتها صريحة أنه لا تراجع عن إلغاء الدعم وتحرير الحكومة من أغلال الدعم.
مصادرة الأموال والتحفظ والتأميم
مصادرة الأموال والتحفظ عليها أو تأميمها، هي أدوات سياسية من الدرجة الأولى، ومن المتعارف عليه اقتصاديا أن تلك الأدوات هي أخطر ما يمكن على الاقتصاد وتدفق الاستثمارات لداخل الدولة لأنها بكل بساطة تؤكد للمستثمر في الداخل والخارج أن تلك الدولة لاتحترم قواعد الاستثمار أو المعاهدات الدولة وحتى أموال المستثمر تكون في خطر لانها معرضه لشبح التاميم والمصادرة أو التعطل، ومما يدعوا للأسف أن الحكومات المصرية إستخدمت تلك الأدوات ومازالت تستخدمها، تحت مسميات مختلفة، دون الأخذ في الاعتبار ما يمكن ان يعانية الاقتصاد الوطني، فحكومة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، قامت بأكبر عملية تأميم شهدتها مصر، وبحسب مذكرات رئيس مجلس إدارة المقاولون العرب، الراحل، عثمان أحمد عثمان، فإن التأميم كان غلطة كبرى وقعت مصر كلها ضحية لها، ودفع الشعب حده ثمنها، لأنه اقتطع من عمر مصر 20 عاما، ودمر فيها كل جهد يمكن أن يعطيه أبناؤها لها، وخلف تركة ثقيلة يحتاج رفعها لـ 40 عاما.
ورغم ان الرئيس السادات حاول محو أثار التأميم إلا أن الاقتصاد في عهده بقرارات التحفظ على أموال الإخوان في أول عهده، وعاد من جديد للظهور بشكل متقطع في عهد الرئيس مباك، وبكثرة في أواخر عهده حيث تم التحفظ على أموال النظام السابق وكذلك في عهد حكومة الدكتور محلب حينما تم التحفظ على اموال الإخوان.
وهنا ينبغي أن نأخذ في الاعتبار أن المسئولية السياسية والجنائية لا ينبغي أن يشوبها تعطيل للمؤسسات الاقتصادية، وللأسف الشديد أن مثل القرارات وصلت لنفس النتائج الكارثية في كل وقت طبقت فيه.
منح الخليج والمساعدات
ألفت مصر في عهد حكومات ما بعد الجمهورية، الدعم الدولي خاصة الخليجي منه حتى صارا بندا ثابتا في الميزانية وهو ما تأذى منه المصريون كثيرًا، فمنح الخليج ودعم الكتلتين السياسيتين"روسيا- أمريكا" لعبت دورا كبيرا في التأثير على الوضع الاقتصادي في مصر، فغالبا ما لجأت مصر لتعويض عجزها المالي باللجوء لدول الخليج، أو الإرتكان لإحدى القوتين العظمتين" أمريكا – روسيا" ففي عهد عبد الناصر، ألفت مصر الدعم الروسي، وهو ما استمر في عهد السادات وساندته أموال الخليج، وفي أواخر عهد السادات استعاض بالجانب الأمريكي وكذلك مبارك الذي أضاف أموال الخليج لخزينة مصر، وهو ماسار عليه مرسي الذي فقد الدعم الخليجي وبقى على اتصال وثيق بأمريكا، وأتت حكومة محلب لتستند إلى دعم ومنح دول الخليج وهو ما بدى واضحا في المؤتمر الاقتصادي، والاستفادة القصوى من الدعم الروسي.
الإقتراض من البنوك الأجنبية
أداة الإقتراض من البنوك الأجنبية كانت إحدى الأدوات التي فضلتها حكومات مصر المتعاقبة على كرسي الدولة، ففي عهد الخديوي إسماعيل وولده توفيق، إستدانت مصر بما يقدر بـ4 ملايين جنيه، من بريطانيا كانت سببا واضحا في أن تخضع السرايا في ذلك الوقت لرغبات المستعمر، وهو ما تكرر في عهد عبد الناصر حينما غرقت مصر في الديون فإستعان بقرار التأميم، وهو ما رفضه السادات فأعلن أن حكومته لن تدفع جنيها واحدا من الديون عليها وهو بالفعل ماحدث رغم أنه مخالف للمواثيق الدولية.
مبارك حاول الإيفاء بمستحقات الدولة للخارج لكنه فشل وهو ما أغرق مصر في ديون كادت أن تعلن مصر على أثرها إفلاسها، وفي فترة حكم المجلس العسكري وعدلي منصور ومرسي من بعدهم قامت الدنيا بسبب رفض البنك الدولي وصندوق النقد منح مصر قرض يقدر بـ4 مليارات دولار، أما في عهد السيسي، فالحكومة مدينة بما يقدر بـ 12 مليار دولار.
أدوات البنك المركزي
الذي يستعرض قرارت البنك المركزي، منذ أن أسس طلعت حرب بنك مصر، تجدها كلها متشابهة فهي تدور في دائرة مغلقة، ربما اعتبرها بنك مصر البنك الأقدم سياسة نقدية يسير عليها، ولأنها حققت نجاحا انتهجها البنك المركزي، وهذه القرارات تدور في فلك تعويم الجنيه، ودعم العملة الوطنية، وفرض قيود على التحويلات الدولارية.
في عهد الملك الفاروق كانت الحكومة تفرض حدا معينا من التحويلات الأجنبية خارج البلاد بحيث لايسمح بتحويل أكثر من 40 ألف جنيه مصري أو ما يقابلها بأي عملة، وهو ما استمر في عهد عبد الناصر، وأزاله السادات مع سياسة الانفتاح الاقتصادي، وعاد في عهد مبارك في شكل قرارات تعويم الجنيه تارة ودعم العملة تارة أخرى، وفي عهد مرسي استمرت سياسة مبارك، إلى أن استطاع هشام رامز أن يغير تلك السياسة بإسقاط قرارات دعم الجنيه، واعتماد قرارات التعويم، والتحكم في عمليات التحويلات الدولارية.