أردوغان فوق الشجرة
سألني كثيرون عن تفسير لموقف الرئيس التركي أوردغان، ولماذا لا يترك فرصة دون أن يوجه انتقادا لمصر وقياداتها؟ وكان آخرها انتقاده حكم الإعدام على الرئيس السابق محمد مرسي.
بداية لا أؤمن كثيرا بالتفسيرات المتدوالة والتي تربط بين أيديولوجية الإخوان المسلمين في مصر وفكر حزب العدالة والتنمية في تركيا، والذي ينتمي إليه أردوغان، فالأخير يؤمن بالعلمانية ولا يُطالب بإنشاء دولة إسلامية تستند على مبادئ الشريعة الإسلامية كما ينادي الإخوان، ولو فعل ذلك لقامت المحكمة العليا في تركيا بحل الحزب استنادا لمبادئ الدستور. حزب العدالة والتنمية هو حزب محافظ في السياق التركي الذي يشهد استقطابا عميقا فيما يتعلق بقضية الهُوية والعلاقة مع الغرب.
يُضاف لذلك أن الفترة من 2002 - سنة وصول حزب العدالة والتنمية للحكم- وحتى 2011، بداية ماعرف بالربيع العربي، لم تشهد أي توتر في العلاقات المصرية التركية، وازدهرت العلاقات الاقتصادية بين البلدين في عهد الرئيس السابق حسني مبارك، ولم نسمع من أردوغان خلال تلك الفترة أي انتقاد للأوضاع في مصر أو تأييد لجماعة الإخوان المسلمين. أي كانت علاقة قائمة بالأساس على مفهوم المصالح المتبادلة، مع وجود درجة من التنافس الإقليمي بين البلدين.
لماذا تغير إذن موقف أردوغان؟
أردوغان اعتقد أن ركوب موجة الربيع العربي، يُمكن أن تتيح لتركيا فرصة نادرة لزيادة نفوذها في العالم العربي، وتكوين تحالف من دول الربيع العربي تتولى هي قيادته، وقد شجّعت الولايات المتحدة والغرب هذا التوجه، وروجت في حينها لما عُرف بـ "النموذج التركي"، الذي يقوم على الرأسمالية الاقتصادية والتعددية السياسية ودمج الإسلاميين في النظام السياسي والعلاقة الوثيقة بالغرب وإسرائيل، كنموذج يُمكن أن تحتذيه دول الربيع العربي.
وهكذا فإنّ سلوك أردوغان انطلق من مفهوم "المصلحة الوطنية" التركية وسعيها لزيادة نفوذها الإقليمي ودعم علاقتها مع الغرب، أكثر من انطلاقه من اعتبارات أيديولوجية أو دينية.
راهن أردوغان على الربيع العربي وخسر الرهان.
لكن لماذا لم يغير أردوغان من توجهه ويعترف بالواقع الجديد في مصر كما فعلت دول أخرى منها الولايات المتحدة الأمريكية؟
مرة ثانية الأمر لا يتعلق بمبادئ أخلاقية أو أفكار أيديولوجية.
ولكن أردوغان أصبح أشبه بمن صعد فوق شجرة ولا يستطيع النزول منها بشكل يحفظ ماء وجهه. يضاف لذلك أن أردوغان حول المسألة المصرية إلى قضية انتخابية في انتخابات البرلمان القادمة والتي ستجرى بعد تقريبا أسبوعين في 7 يونيو المقبل، واستخدم موقفه من مصر لتحقيق مكاسب انتخابية من خلال تعبئة قاعدته الانتخابية المحافظة وتحفيزها على التصويت، ومن ذلك خطابه أمام أنصاره منذ أيام قليلة الذي أشار فيه لمصر قائلا: " إن تركيا ستكون هي الدولة التي تصحح الأوضاع (في مصر)؛ ولهذا فإن تصويتكم في 7 يونيو مهم للغاية".
هل يمكن أن يتغير موقف أوردغان من مصر بعد الانتخابات البرلمانية؟
مرة أخرى أردوغان مازال فوق الشجرة، ولن يستطيع أن ينزل منها بمفرده ومصر لن تساعده في هذا الأمر، وبالتالي سوف يحتاج مساعدة طرف ثالث، والدولة المُرشحة للقيام بذلك هي المملكة العربية السعودية التي تحتفظ بعلاقات طيبة بالبلدين، وتسعى لتكوين تحالف يضم مصر وتركيا لمواجهة إيران.
ولا أستبعد أن تشهد الشهور التالية للانتخابات التركية، التي من المتوقع أن يفوز بها مرة أخرى حزب أردوغان، جهودا سعودية لتقريب وجهات النظر بين مصر وتركيا، ومساعدة أردوغان على النزول من فوق الشجرة التي صعد عليها استنادا لحسابات استراتيجية خاطئة.