التوقيت الثلاثاء، 26 نوفمبر 2024
التوقيت 10:44 ص , بتوقيت القاهرة

أبناء الأرض

الاحترام كلمة تستحق الوقوف عندها.. لمدلولاتها العميقة وآثارها الجبّارة على النفس البشرية.. ففي ثناياها نجد المحبة والعطاء والإيثار والخُلق القويم ونظام التعامل الإنساني.. وبها تُعّمر الأوطان ويُبنى المستقبل.


لازلت أتذكّر تلك الليلة قارسة البرودة من ليالي القاهرة الجميلة.. عندما دعينا إلى حفلٍ كبير للاحتفاء بالمشاركين في أحد المؤتمرات المهنية..وكان الحضور من عرب وعجم كبيرا، وقد أتوا من مختلف أرجاء العالم للمحروسة.. وكان العرض عبارة عن لوحة استعراضية راقصة ممزوجة بالكوميديا وخفة الدم المصرية المعروفة.. ضحك الناس كثيرا إلا شخصا واحدا وهو أنا.. فقد حزنت جدا لما رأيت! لماذا؟.. لأني استغربت جدا من الجهة المنظمة وهي مصرية كيف تُحقر وتستهزئ من فئة أصيلة من شعبها وجعلوهم مادة ساخرة أمام ضيوف المؤتمر باسم الفن والسياحة.. والله عيب.. وهذا ما واجهتهم به بعد ما رأيت من قلة الاحترام !


المفترض بأن أبناء الشعب واحد مهما كانت مستوياتهم المعيشية والتعليمية والمهنية والدينية فهم جميعا أبناء الأرض.. أبناء مصر الخالدة العظيمة .. فالمفروض أن ثورة الضباط الأحرار كان من أهدافها إزالة الطبقية البغيضة.. ولكن للأسف بالرغم ذهاب الألقاب رسميا لكن النفس المصرية لا تزال متعلقة بها.. بل وزادت وترسّخت؟! وكلمتي باشا وبيه زاد استخدامهما.. بل وظهرت ألقاب إضافية.. أليس كذلك؟!


ظاهرة عدم احترام بعض المصريين لأنفسهم والاستهزاء ببعضهم البعض، انتقلت عدواها إلى الإعلام الفضائي من خلال إنتاج برامج جل اهتمامها استضافة البسطاء الطيبين، وجعلهم مادة ساخرة أمام الملأ بل العالم أجمع، فهذه الفضائيات تبث البرامج عبر الأقمار الاصطناعية لتطوف العالم ويراها ملايين البشر..وماذا يرون؟! الشخصية المصرية يستهزئ بها على أيدي أبنائها.. للأسف! ولكم أن تتخيلوا كيف تكون الذهنية للشخصية المصرية لدى شعوب العالم بكافة جنسياتهم وثقافاتهم وكيف ينظرون إليهم؟!


لا .. لا يجب أن يُترك الحبل على الغارب هكذا.. يجب على الجهات الرسمية المسؤولة أن تضع النقاط على الحروف وأن تعمل على حماية وصيانة السمعة المصرية من خلال حزمة قرارات تُوقف هذا الاستهتار، الذي ينال من سمعة أبنائها وبناتها، والعمل على بناء الصورة الذهنية الإيجابية المحترمة ابتداء من العامل وحتى العالم، وأن تُجَرِّم أي عمل ينال من سمعة أي فئة من فئاته..فهناك المعقول وهناك اللامعقول. 


وعلى وزارات الإعلام والسياحة والنقابات المعنية أن يكون لها موقف واضح يُجبر المستهزئون على احترام أبناء الكنانة وحفظ كرامتهم، والتركيز على بناء الصورة الذهنية الإيجابية لهم مهما كانت فئتهم أو مستواهم ..فكلهم مصريون وأبناء الأرض نفسها ولكل دوره في عَمار أرضهم ودولتهم ومستقبلها.. فماذا يساوي مهندس الزراعة دون مزارعين.. وماذا يساوي المهندس المدني من غير عمال بناء؟ ولنقس على ذلك! وأرى بأن حكاية الوزير الذي أهان عمال النظافة.. بداية موفقة.


لا يجب أن ننسى بأن بالاحترام تنمو وتُبنى الأوطان..
وحق على الأرض أن تحترم أبناءها حتى يحترمهم العالم.
لكم احترامي ومحبتي يا أهل المحروسة.