التوقيت الإثنين، 23 ديسمبر 2024
التوقيت 01:34 م , بتوقيت القاهرة

مناقشات حول إيران

الجدل حول إيران لن ينقطع خلال السنوات القادمة. إيران تعود بقوة للشرق الأوسط وبرعاية أمريكية، ولن تُهدئ تطمينات الرئيس أوباما- كما حدث فى قمة كامب ديفيد الأخيرة-  من قلق بعض الدول العربية من نوايا وسياسات إيران.

في إطار الحوار حول إيران، شاركت يوم الخميس الماضي في أحد جلسات المؤتمر الذي نظمه المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية ومنتدى مصر الاقتصادي وجامعة برانديز الأمريكية حول مستقبل الشرق الأوسط.

الجلسة التي توليت إدارتها حملت عنوان "إيران: الصراع الداخلي والمفاوضات النووية"، وشارك في تقديم أبحاثها ثلاثة من الاساتذة الأمريكيين منهم اثنان من أصول إيرانية، وأحد الباحثين المصريين المتخصصين فى الشأن الإيراني.

ثلاث ملاحظات أساسية أثارت اهتمامي في مناقشات تلك الجلسة.

الملاحظة الأولى تتعلق بدوافع واشنطن وطهران للتوصل لاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني. بالنسبة للدوافع الأمريكية أثيرت العديد من النقاط، منها الدافع الشخصي للرئيس أوباما، والذي يرتبط بما يسميه الأمريكيون بالإرث التاريخيLegacy أي رغبة أوباما بأن يسجل التاريخ عنه أنه الرئيس الذي أعاد العلاقة مع إيران -وكذلك كوبا- بعد قطيعة استمرت لعدة عقود، وربما يكون هذا هو إنجازه الوحيد فى مجال السياسة الخارجية.

الدافع الآخر يتعلق بسعي الولايات المتحدة لتقليل تواجدها وتورطها في منطقة الشرق الأوسط والخليج والتوجه أكثر ناحية آسيا، ومن ثم قيامها بالتوصل لتفاهمات مع إيران حول المناطق المشتعلة بالشرق الأوسط، وإقامة توازن للقوى بالمنطقة - برعاية أمريكية-  بين إيران ودول الخليج السنية.

يضاف لذلك، الدافع المتعلق بالمصالح الامريكية المباشرة التى ستترتب على رفع العقوبات عن إيران، ومنها دخول الاستثمارات الامريكية لمجال النفط الايراني، وزيادة إنتاج إيران من النفط و الذى سيؤدى لزيادة العرض من هذه السلعة و بالتالى استمرار انخفاض سعرها فى الاسواق العالمية وهو مايصب فى مصلحة الاقتصاديات الصناعية المستهلكة له، ويضر بمصالح دول غير الصديقة للولايات المتحدة و التى تعتمد على النفط كمصدر أساسى لدخلها مثل روسيا  و فنزويلا، كما أن زيادة الانتاج الايراني من الغاز الطبيعي سوف يفتح أمامها الفرصة للتصدير للاتحاد الأوروبي، وبالتالي تقليل اعتماد دوله على واردات الغاز الروسى، وهو أيضا مصلحة أمريكية.

أما بالنسبة لدوافع إيران فقد أشار أحد المشاركين بالندوة إلى أن أحد دوافعها الأساسية هو الانفتاح على الغرب، وأن الاتفاق على البرنامج النووي هو الطريق لتحقيق ذلك، وشبه الأمر بزيارة الرئيس السادات للقدس التي كانت الطريق الضروري للعبور للولايات المتحدة والغرب !

الملاحظة الثانية  من النقاش تتعلق بمستقبل إيران، وفي هذا الصدد أثيرت قضية "هل انتهت الثورة الإيرانية" التى اندلعت عام 1979.

الأساتذة الأمريكيون من أصول إيرانية  أكدوا أن الثورة انتهت من حيث الواقع العملى والدليل على ذلك هو تفاوض إيران مع من اطلقت عليه الثورة "الشيطان الاعظم" وهو الولايات المتحدة و ترحيبها بالتعاون معها. وأشاروا  إلى أن إيران هدفها الآن داخلي بالأساس وليس تصدير الثورة للخارج، وأن العائدات الناتجة عن رفع العقوبات سيتم استثمارها فى التنمية الاقتصادية وليس زعزعة الاستقرار الإقليمي.

وجهة نظر أخرى أكدت أنه من الصعب الحديث عن نهاية الثورة الإيرانية في ظل استمرار السياسات القديمة التي تقوم على دعم القوى الشيعية بالعالم العربى و التدخل فى العراق و مساندة الأسد فى سوريا والحوثيين فى اليمن، وإن أشار البعض إلى أن دوافع ذلك قد تكون استراتيجية و جيوسياسية وليس بالضرورة أيديولوجية.

الملاحظة الثالثة تعلقت بمصر وإيران، أحد الأساتذة ذوي الأصول الإيرانية تحدث عن ضرورة فتح حوار بين البلدين باعتبارهما الدولتين الأهم في المنطقة، وأن مصر يمكن أن تكون وسيطا بين دول الخليج وإيران، وأنه بالرُغم من النظرة الاستعلائية لإيران تجاه العرب إلا أنها تنظر لمصر بشكل مختلف باعتبارها صاحبة حضارة وثقافة مثلها. متحدث آخر أكد أن عودة العلاقات بين البلدين يتطلب أولا قيام إيران بتبنى إجراءات لبناء ثقة منها تغيير سلوكها فى المنطقة.

خلاصة الأمر، أن الموضوع الإيراني مقعد وتتداخل فيه اعتبارات دولية وإقليمية وداخلية، وفهمنا لهذه الاعتبارات سيساعدنا بالتأكيد على التعامل المناسب معه.