التوقيت السبت، 23 نوفمبر 2024
التوقيت 03:05 ص , بتوقيت القاهرة

سفراء صناعة الكوارث "الألتراس"

ما أنت مُقبل على قراءته في السطور التالية ترجمة حرفية لكلمة "إرهاب"، حدث كما هو، وأسوأ من أن تسطَّره الكلمات بشكلٍ دقيقٍ، هو فعلٌ متعمدٌ بكل المقاييس، لاتُخطئه العقول الواعية، فهؤلاء يسعون إلى تحطيم الوطن، فلا تدعُوهم يصنعون الكارثة ليعولوا عليها.

المشهد الأول : محطة مترو الجيزة  
الخميس 30 إبريل 2015 السابعة والنصف مساء، أنا ووالدي البالغ من العمر 75عاما في المترو، الأجواء هادئة وحركة سير عادية، كراسيُّ المترو الخالية معدودة، بدون زحام، فضّلت والدي عني في الجلوس، ووقفت بجوار الأبواب متكئة على العامود الصلب بجواره، وبدأ المترو في رحلته المعتادة.

المشهد الثاني : محطة مترو الأوبرا 
عربة مُمتلئة مزدحمة الطُرقات، مع دخول المترو المحطة زحام شديد على الرصيف، في الخارج مجموعات تتوافد في هرج غير مُبرر، حشود لشباب أعمارهم متقاربة تحركاتهم عشوائية، توقف المترو وفتحت الأبواب، اندفعت تلك الحشود في تعمد كارثي ممنهج داخل عربات المترو وسط ذهول الركاب، آلاف لا يُمكنك حصرها بالعين، وزحام لا يُحتمل، قاموا بالصياح ودفع الركاب لدخول العربات بالقوة، "هانركب يعني هانركب واللي مش عاجبه يولع".

في هذه اللحظة بالتحديد انطلق صوتي بالصراخ، ووجهت رأسي للخلف بصعوبة لمن يسحقون جسدي على الأبواب غير مراعين أخلاق، أو كوني امرأة، لم ينصت أحد ولم يتوقفوا عن سحقي، ولا أدري عن الأيدي التي لامست جسدي عن عمد أم دون عمد، التحرش كلمة لن تصف ما واجهته في تلك اللحظات.

المشهد الثالث : الأبواب المغلقة
أغلقت الأبواب وأنا بين ضلوع الجميع، والدي بجواري لا يستطيع التحرك لجذبي نحوه، وإذا بشاب ورجل محترم يجذبوني إليهم ليفسحوا بصعوبه مساحة صغيرة على المقعد بعدما غامر شخص بالوقوف، وتطوع رجل وارتفع صوته غاضبا، أنه غير مقبول أن يسمعوا صوت السيدة- التي هي أنا- ترجوهم التوقف للحظة وهم مستمرون في هذا التدافع، الذي كاد أن يتسبب في سحق الركاب جميعهم في المكان لنتعرض لكارثة، حالة من الشجار لاحت بين الرجل وبين أحد الشباب الذي تطاول عليه بالسباب، والمحصلة ارتفاع أصواتهم في لسان واحد ينطق بأبشع الألفاظ والشتائم، ثم بدأوا في الضرب على الجدران والخبط على الأسقف، فأصيب بقيه الركاب بالفزع، بينما تضاءلت أنفاسي من شده الاختناق والزحام وقاربت على الإغماء.

المشهد الرابع: المترو لم يغادر الرصيف
الأوبرا.. والمترو لم يتحرك من مكانه لفتره أطول من المسموح بها، أصابني الرعب ومخيلتي الموت من التدافع أو الاختناق، في أعين المحيطين الكل في توتر وخوف، سألت الشاب الصغير في مواجهتي عن هؤلاء من هم؟، أخبرني أنهم ألتراس الأهلي، اليوم التدريب النهائي للنادي ومع الأسف "حظنا وحش إن ركبنا المترو في التوقيت ده" لفظا قال، وأفاد المحيطون أن هذا ما يحدث كل مره، تعكس ملامح الركاب أنهم اعتادوا إرهاب الألتراس ويخشونهم، "إحنا الألتراس ده مدرج واحد واللي مش عاجبه يحط لسانه في بقه ويخرس ياولاد.........."مقولة فرد الألتراس جاءت مسموعة وسط طلبات الركاب بالتزام الهدوء، فالمترو متوقف دون سبب معلن ربما كانت الحمولة زائدة، ربما رفض السائق التحرك بقنبله موقوته، "اللي مش هايسكت هانعلقه ونطلع ... " هكذا قال آخر، وفجأة ارتفع صوتي "أنا آسفة إني موجوده هنا وآسفة إني قلت لكم حاسبوا، أنا آسفة نموت مش مهم نتخنق مش مهم المهم الماتش، أنا أهلاوية لكن ملعون أبو الكورة لو التشجيع كده " وفي موقف غريب الكل ينصحني بالصمت خوفا من تطاولهم!
(ملحوظة : الفيديو من التدريب بالأمس أطلق لخيالك العنان عن العدد في المترو ).

المشهد الخامس : محطة مترو الشهداء 
تحرك المترو، واستسلم الجميع للتدافع وقلة الأكسجين، الاختناق وارد، صيحات غناء الألتراس مستفزة، والتلفظ علي الركاب بالسباب مستمر، وفي محطة العتبة توقف المترو والزحام خارق، مع ذلك لم يخرج منهم فرد، للحظات حاول البعض تسييس الموقف وبدأوا بحديث غير مبرر عن محطة الشهداء "كان اسم المحطة مبارك بقت الشهداء ابن الـ ....." لم تخطئ أذني محاولة صنع الفوضى، ولم تخطئ عيني تعمدهم التكتل على الأبواب للخروج ولفت الانتباه بصياحهم المستمر وذهول ورعب رواد المترو.

المشهد السادس : أزمة أخلاق 
أعداد كفيلة بقلب عربات المترو بكل ارتياح فالبحث عن كارثة متوقع، خرجت مع التدافع وعقلي يضج بالغضب،الإذاعة الداخلية تستجدي النداء أرجوكم التزموا التوزيع علي العربات وعدم التدافع والبعد عن الرصيف، فكرت بتوثيق الموقف، فتحت الكاميرا والتقطت صورة، وسمعت التعليق "مين اللي بيصور بروح أمه... مبنخافش هانجيبه"، فنصحني الوالد بإخفاء الموبيل منعا لأي احتكاك، انتشروا بعشوائيتهم على الرصيف، وعدت أنا للمترو بعد انتظار دورتين للبعد عن الألتراس لأجد آخرين عائلات وفتيات في نفس الموقف.

المشهد السابع : النهاية 
في الدمرداش كانت أحاديث الركاب غضب واعتراض على دخولهم بهذه العشوائية وبدون تذاكر، كانت المعلومة صاعقة بالنسبة لي فأنا لم أعرف هذا العرف، فزاد غضبي وقلت بصوت مرتفع "ده جنون دي مش دولة دول شويه بلطجية بيفرضوا ثقافتهم علينا"، بينما قال أحد الركاب "مفيهمش واحد محترم"، رد شاب يرتدي الفانلة الحمراء على استحياء "مش كلهم صيع إحنا محترمين ومنعناهم يركبوا عربة السيدات ووقفنا نحميها"، وإذا بزميله معقبًا "بس إحنا مش ألتراس"، ابتسمت قائلة "احترامك لم يفرض نفسه على سلوكهم، لكن دفاعك عنهم وقت الغلط هو اللي فارض بلطجتهم عليك".

انتهت المشاهد ويبقى لي أكثر من سؤال..

ما هو مفهوم الإرهاب لو لم يكن ما رأيته اليوم إرهابا؟ ومن هو الإرهابيّ؟

افتعال التدافع ترفيه أم تعمد لصناعة الكارثة؟

ماذا لو تسلل وسط هؤلاء من يحمل قنبلة؟

أين الدولة ولماذا لا تحل روابط الألتراس ومتى ستشعر بالخطر؟

ما الذي يميز هذا الكائن ليركب المترو الخدمي بالمجان ليرتع فيه فساد كما واجهت اليوم؟

ماذا لو ماتت اليوم دعاء سليط بإختناق أوقال الطب الشرعي السبب التدافع فمن المسؤول؟

ماذا لو انقلبت عربة المترو من سيتحمل الكارثة التي ستسيس لتصبح إهمالا؟

لماذا تحتضن الأندية هؤلاء وما مصلحتهم في ذلك؟

متى تنتهي هذه المهزلة ويدرك الجميع أن الكيانات المسيسة هي بلطجة مقنعة؟

أين الرياضة مما يحدث؟

وأخيرا إلى كل محبي الألتراس .. فضلا لاتصححوا مفهومي عنهم، صححوا أخلاقهم .
للحديث بقية