حجاب وحلاوة
أول ما تفجر موضوع مظاهرة خلع الحجاب ما هضمتهاش.. لأننا في الحقيقة محاطين بكمية بلالين كبيرة جدًا بتتنفخ يوميًا في دماغ الناس وبعدين تطير.. وأساسًا مش عاجباني حكاية مظاهرة لخلع الحجاب أو لبس الحجاب مش ها تفرق. اللي غاظني حقيقي هو مواقف بعض الناس اللي بدأوا يتكلموا عن الحرية الشخصية وعن إن البنات أحرار يعملوا اللي هما عاوزينه ولا ينبغي لدعاة الديموقراطية وحقوق الإنسان أن يجبروا فتاة على خلع الحجاب، أو أن يستعرضوا الحكاية دي في مظاهرة.. من ناحية لا ينبغي فهو قد لا ينبغى إنما من ناحية حرية شخصية فدي فيها كلام.
الحقيقة عدد كبير جدًا جدًا جدًا من البنات في مصر بتلبس الحجاب غصب عنها، والحقيقي أكتر إن البنات في مصر عندهم مطلق الحرية أنهم يلبسوا الحجاب أو يلبسوا الحجاب عادي ما فيش حل تاني.
- مثلا لما واحدة تفكر في لبس الحجاب يقولولها.. فكري كويس علشان لو قررتي تلبسيه ماينفعش تخلعيه.
- عدد كبير من البنات اللي مش لابسين حجاب في مصر صعب جدًا يصمدوا تلات ثواني أمام واحدة محجبة أو واحد يسألهم إنتوا مش لابسين الحجاب ليه؟ صعب يدافعوا عن الفكرة..والإجابة النموذجية هي "أكيد في يوم ربنا هايهديني".
- أشهر عبارة جرت مثلاً على لسان الناس "وشك نور في الحجاب".
- البنات المسلمات في مدارس مصر، وخاصة في مدارس القرى والمحافظات بيتميزوا بمجرد النظر عن غير المسلمات علشان لابسين حجاب.. بمعنى تاني البنت اللي مش لابسة حجاب أول فكرة ها تتبادر للذهن عنها إنها مسيحية.. وصعب بنت مسلمة في غالبية هذه المدارس تروح المدرسة من غير حجاب.. لأنه زي رسمي.
- وجود مُدرسة أو موظفة غير مُحجبة في المدارس أو الوظائف عادة غير مستساغ.. من تحت لتحت.. وعدد كبير من السيدات بيضطروا يلبسوا الحجاب تحت ضغط الزملاء والزميلات المحيطين بيهم.
- ملايين السيدات اللي عاشوا عقود من حياتهم بدون حجاب اضطروا يلبسوه في سن أكبر، وخاصة من الأمهات حتى لو بناتهم مش محجبين لأنه غير لائق اجتماعيًا وغير مقبول في المجتمع المحيط بيهم.
- إلا فيما ندر وفي عدد محدود من الأسر في أنحاء الجمهورية تستطيع الفتاة أو السيدة المتزوجة خلع الحجاب بسبب رفض الأب أو الأم أو الأخوة أو الزوج.. وأساسا طرح الموضوع للمناقشة غير وارد.
- عدد كبير جدا من البنات بيطلب منهم لبس الحجاب من المتقدم للزواج وعدد كبير تاني بيلبسوا الحجاب لأنه جزء مهم من مظهر الفتاة المهذبة اللي ينفع تتجوز.
- الحجاب قبل الحساب.. والبنت المحجبة زي الحلاوة المتغطية بينما غير المحجبة زي الحلاوة اللي بتمشي عليها الصراصير.. دي من أشهر الصور الذهنية اللي بيتم الترويج ليها من عقود طويلة عـ الحيطان وفي الجوامع وفي الدروس وفي الكتيبات الدينية في أنحاء الجمهورية.
وفي أمثلة تانية كتير جدا.. في ملايين الأمثلة.. عدد لا حصري من الأمثلة.
والخلاصة إن مظاهرة خلع الحجاب مش هي الحل.. الإجبار على خلع الحجاب لا يتسق أيوة مع الدعوة للحرية واحترام الآخر.. كل واحد حر في نفسه يلبس حجاب ما يلبسش حجاب.. هو حر.. أكيد.. لكن في وسط كل ده لا ينبغي برضو أننا نتجاهل إن لبس الحجاب هو جزء حقيقي من قهر اجتماعي واقع على عدد كبير جدًا من النساء في مصر... أيوة قهر اجتماعي.. زيه زي حاجات كتير جدًا الستات مضطرين يعملوها علشان يتسقوا مع المجتمع وما يبانوش بصورة ماتعجبهوش .. مش ها تكلم على الإجبار البدني أو اللفظي ... بتكلم بس على الحجاب كمفتاح للحصول على القبول الاجتماعي.
أيوة الحجاب تحدي من التحديات اللي بتواجه المرأة المصرية والعربية.. ممكن يكون معركة غير مطروحة أصلاً لأنهم عرفوا يتأقلموا معاها بطريقتهم.. لكن تمام زي واحد مسجون بيتأقلم مع القضبان والسجان وساعة الرياضة وأكل السجن.. والستات في مصر عندهم مئات التحديات وملايين المعارك المؤجلة أو اللي هما نفسهم بيتجاهلوها علشان الحياة تمشي.. فـ وأنت بتتكلم على الحرية وعلى البنات والستات اللي لابسين الحجاب بحريتهم.. ابقى فكر مرتين تلاتة في أن الحرية لا تتجزأ وفكر في مئات الحاجات اللي بتضطر تعملها أو ما تعملهاش علشان المجتمع يقبلك.. وفي الحاجات اللي بتعملها في السر علشان ما حدش يعرف أنك بتعملها... المسألة مش مسألة حجاب.. المسألة مسألة مجتمع كل أفراده نسيوا إزاي يتصالحوا مع نفسهم أو مع غيرهم... فمضطر يعيش مضطر لحد ما يموت مضطر.