التوقيت الإثنين، 23 ديسمبر 2024
التوقيت 09:01 م , بتوقيت القاهرة

الشباب.. قلب الوطن موجوع

الشباب هم أصحاب الحق الكامل في الغد، بدونهم تصبح الأمم بلا مستقبل آمن.. الفجوة بين بواكير الحياة ونهايتها تشهد فراغا يتجاوز عقودا من الزمان، ويعرض مستقبل الأوطان للخطر.. الاهتمام بتلك الفئة العمرية أمرا ملحا لتأمين المستقبل.

على الرغم من تصريحات الرئيس المتكررة حول أهمية دور الشباب إلا أن الدولة وأجهزتها تتعامل مع هذه الفئة العمرية الحساسة بأسلوب يدل على التجاهل، والاستهانة بقدرته وقوته.. يتعاملون مع الشباب على أنهم فئة قليلة الخبرة حديثة عهد بالحياة وتجاربها، ولا تزال تحتاج إلى رعاية، فلا الرئيس قدم (أمارة) على اهتمامه بالشباب، ولا المسؤولين حاولوا التقرب إليهم واحتوائهم.

تقديرات الدولة تشير إلى وجود 32.5 مليون نسمة من سكان البلاد فى شريحة الشباب فى عام 2015 من أصل 86.6 مليون نسمة إجمالى عدد السكان، مع توقع ارتفاع عدد أفراد شريحة الشباب بحلول عام 2020 ليسجل 36.7 مليون نسمة من أصل 92.6 مليون مواطن يزداد عام 2025 ليسجل 40.7 مليون شاب بإجمالى سكان 98.8 مليون نسمة، وصولا لـ43.5 مليون شاب فى عام 2030 من أصل 104.5 مليون نسمة.

بحسب تقديرات الدولة نفسها، لا تتجاوز مشاركة الشباب في الأحزاب السياسية والأندية والعمل الجماعي والتطوعي مجتمعة نسبة الـ2.5%، فيما سجلت رغبة واحد من بين كل ثلاثة ذكور فى الهجرة لخارج الدولة، بما يمكن قراءته على أنه عزوف شبه تام من هذه الفئة عن المشاركة في الحياة العامة.

عزوف هذه الفئة عن المشاركة المجتمعية وجع أصاب قلب الوطن، فالجيل الذي يفترض أنه سيستلم راية المسؤولية لم يؤهل، ولم يخض التجارب اللازمة لإكسابه حنكة القيادة، ومن هنا يطل الخطر برأسه بين احتمالين كلاهما كارثي، فإما أن نسلم البلد لمجموعات شبابية غير مؤهلة، أو نسلمه إلى مجموعة من الشيوخ المؤهلين لكنهم خارج سياق الزمن والتاريخ والتطور اللحظي، وفي كلتا الحالتين يظل المستقبل رهنا لتفاعلات غيبية.

ضعف المشاركة المجتمعية للشباب أسبابه عديدة، أهمها الاعتقاد بأن التغيير الذى تم بعد إسقاط النظام الأسبق لم يكن مرضيا بالقدر الكافي لطموحاتهم العريضة، بالإضافة إلى أن أغلب الأمراض المجتمعية تصيب هذه الفئة بالأساس، فالبطالة على سبيل المثال تتركز فى الأعمار الأولى من سن العمل، حيث إن 61% من المتعطلين أعمارهم أقل من 25 سنة، بدءا من 15 عاماً حتى 24 عاماً، وترتفع النسبة لتصل إلى 91% من المتعطلين وصولاً لسن 29 عاماً، بما يوحى بأن الغالبية العظمى من المتعطلين شباب حديثو التخرج.

في المشهد التاريخي لثورة 25 يناير، وبعد انتهاء التظاهرات في ميدان التحرير وسقوط نظام مبارك، شعر الشباب أنهم استردوا دولتهم وأصبحوا أصحاب الكلمة فيها، فكان الشعور التلقائي بالمسؤولية الذي تجسد في تشكيل اللجان الشعبية لحماية الشوارع والمناطق، وتكوين مجموعات لتنظيف الميادين، هذا التصرف الذي دفع رئيس أكبر دولة في العالم لدعوة الشباب الأمريكي للاقتداء بنظرائهم المصريين، في الوقت الذي لم تفلح فيه مؤسسات دولتنا الشائخة من استغلال هذه الحالة.

هذه الصورة البهية التي توجت أيام الثورة الـ18 توحي بأن استرجاع هذه الحالة مرة أخرى يبقى ممكنا متى توافرت الإرادة السياسية.. استنهاض عزائم الشباب للمشاركة في بناء الحاضر والتأسيس للمستقبل ليس أمرا مستحيلا.. الشباب يحتاجون إلى من يشعرهم بأنهم فئة مرغوب فيها بالإجراءات العملية لا بالكلام.

العالم يشهد نمواً فى أعداد السكان بصفة عامة، والدراسات الديموجرافية (السكانية) تتوقع زيادة أعداد ونسب الشباب في مصر، ومن هنا ينبغي وضع الاستراتيجيات الكفيلة بتحويل وتهيئة وتمكين هذا النمو المتوقع ليصبح هبة ديموجرافية دافعة لعملية التنمية فى مصر، وحتى لا تتحول هذه الهبة إلى (نقمة) على المجتمع بكل ما تحمله هذه الكلمة من معان خطيرة من عنف وجرائم وإرهاب وهجرة غير شرعية.

تراجع الأمل في نفوس الشباب خطر حقيقي يهدد حاضرنا ومستقبلنا.. لن يقتصر الأمر على خلق جيل محبط وغير مؤهل لتولي المسؤولية فحسب، وإنما جيل محتمل من القنابل الموقوتة التي ستنفجر في محيطها الاجتماعي بكل ما تنطوي عليه من مهددات للأمن القومي، لا سيما في ظل ظهور مجموعة من الولاءات الفرعية التي تتقدم على الولاء الوطني.. هنا تبرز الكيفية التي تستقطب بها التنظيمات الإرهابية الشباب اليائس.

الانتماء للوطن هو خط الدفاع الأول عن الأمن القومي ولا يأتي من فراغ، إنما يتكون من مجمل ما يشعر به المواطن تجاه هذا الوطن لا سيما ما يجده في كنفه من ضروب العطاء والاحتواء والرعاية والكرامة.. اللهم قد بلغت.

للتواصل مع الكاتب