هل أتاك حديث ابن تيمية؟ (3)
في المقال الثاني؛ ابن تيمية:
(11) من قال إن غير الأنبياء يأمنون مكر الله يُقتل. (12) من زعم أن الله لا يُرى في الآخرة يُقتل. (13) من قال آدم ما عصى يُقتل. (14) من قال إن الصحابة قاتلوا مع الكفار يُقتل. (15) من قال إن أحدًا من الصحابة استخف بحرمة النبي يُقتل. (16) من اعتقد في صحة أحاديث مكذوبة يقتل. (17) من قال كفرت بالفقر يُقتل. (18) من كفّر من لا يقرأ "المرشدة" يُقتل. (19) من سجد لغير الله يُقتل.
(20) ابن تيمية. مجموع الفتاوى. المجلد الحادي عشر. صـ 401 وما بعدها.
سئل الشيخ - رحمه الله -: عن قوم داوموا على "الرياضة" [1] فرأوا أنهم قد تجوهروا. فقالوا: لا نبالي الآن ما عملنا وإنما الأوامر والنواهي رسوم العوام ولو تجوهروا لسقطت عنهم وحاصل النبوة يرجع إلى الحكمة والمصلحة والمراد منها ضبط العوام ولسنا نحن من العوام فندخل في حجر التكليف لأنا قد تجوهرنا وعرفنا الحكمة.فَهَلْ هَذَا الْقَوْلُ كُفْرٌ مِنْ قَائِلِهِ؟ أَمْ يُبَدَّعُ مِنْ غَيْرِ تَكْفِيرٍ.
فأجاب: لا ريب عند أهل العلم والإيمان أن هذا القول من أعظم الكفر وأغلظه. وهو شر من قول اليهود والنصارى؛ فإن اليهوديّ والنصرانيّ آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض. وأولئك هم الكافرون حقا.. إن هؤلاء خارجون في هذه الحال عن جميع الكتب والشرائع والملل؛ لا يلتزمون لله أمرا ولا نهيا بحال؛ بل هؤلاء شر من المشركين المستمسكين ببقايا من الملل: كمشركي العرب الذين كانوا مستمسكين ببقايا من دين إبراهيم عليه السلام... فمن كان من قوله هو أنه أو طائفة غيره قد خرجت عن كل أمر ونهي بحيث لا يجب عليها شيء ولا يحرم عليها شيء فهؤلاء أكفر أهل الأرض وهم من جنس فرعون وذويه.. فمنهم من يزعم أنه سقطت عنه الصلوات الخمس لوصوله إلى المقصود.. ومنهم من يزعم سقوط الحج عنه مع قدرته عليه.. ومنهم من يستحل الخمر زعما منه أنها إنما تحرم على العامة الذين إذا شربوها تخاصموا وتضاربوا دون الخاصة العقلاء.
وهذه "الشبهة" كانت قد وقعت لبعض الأولين فاتفق الصحابة على قتلهم إن لم يتوبوا من ذلك فإن قدامة بن مضعون شربها هو وطائفة وتأولوا قوله تعالى: "لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ". فلما ذكر ذلك لعمر بن الخطاب اتفق هو وعلي بن أبي طالب وسائر الصحابة على أنهم إن اعترفوا بالتحريم جلدوا وإن أصروا على استحلالها قتلوا. وقال عمر لقدامة: أخطأت استك الحفرة... فلهذا اتفق الصحابة على أن من استحل الخمر قتلوه.
هذا الذي اتفق عليه الصحابة هو متفق عليه بين أئمة الإسلام لا يتنازعون في ذلك ومن جحد وجوب بعض الواجبات الظاهرة المتواترة: كالصلوات الخمس وصيام شهر رمضان وحج البيت العتيق أو جحد تحريم بعض المحرمات الظاهرة المتواترة: كالفواحش والظلم والخمر والميسر والزنا وغير ذلك. أو جحد حل بعض المباحات الظاهرة المتواترة: كالخبز واللحم والنكاح. فهو كافر مرتد يستتاب فإن تاب وإلا قتل. وإن أضمر ذلك كان زنديقا منافقا لا يستتاب عند أكثر العلماء؛ بل يقتل بلا استتابة إذا ظهر ذلك منه.
(21) ابن تيمية. مجموع الفتاوى. المجلد الحادي عشر. صـ 507.
فأمّا الشرع المُنزّل: فهو ما ثبت عن الرسول من الكتاب والسنة، وهذا الشرع يجب على الأولين والآخرين اتباعه، وأفضل أولياء الله أكملهم اتباعا له، ومن لم يلتزم هذا الشرع أو طعن فيه أو جوز لأحد الخروج عنه فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل. [2]
(22) ابن تيمية. مجموع الفتاوى. المجلد الحادي عشر. صـ 531.
سُئِلَ شيخ الإسلام - قدس الله روحه -: عن جماعة اجتمعوا على أمور متنوعة في الفساد؛ وتعلق كل منهم بسبب؛ واستند إلى قول قيل. فمنهم من هو مكب على حضور السماعات المحرمة التي تعمل بالدفوف التي بالجلاجل وَالشَّبَّابَاتِ المعروفة في هذا الزمان. ويحضرها المردان والنسوان، ويستند في ذلك إلى دعوى جواز حضور السماع عند الشافعي وغيره من الأئمة.
فأجاب: أما السماعات المشتملة على الغناء والصفارات والدفوف المصلصلات: فقد اتفق أئمة الدين أنها ليست من جنس القرب والطاعات، بل ولو لم يكن على ذلك كالغناء والتصفيق باليد والضرب بالقضيب والرقص ونحو ذلك، فهذا وإن كان فيه ما هو مباح وفيه ما هو مكروه وفيه ما هو محظور أو مباح للنساء دون الرجال، فلا نزاع بين أئمة الدين أنه ليس من جنس القرب والطاعات والعبادات.. فأما "السماع" المشتمل على منكرات الدين فمن عده من القربات استتيب فإن تاب وإلا قتل. [3]
(23) ابن تيمية. مجموع الفتاوى. المجلد الحادي عشر. صـ 603.
سُئِل: عمن قال إن السماع على الناس حرام وعليَّ حلال هل يفسق في ذلك أم لا؟
فأجاب - رضي الله عنه -: من ادعى أن المحرمات تحريما عاما: كالفواحش والظلم والملاهي حرام على الناس حلال له فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قُتل ومن ادعى في الدفوف والشَّبَّاب أنهما حرام على بعض الناس دون بعض، فهذا مخالف للسنة والإجماع وأئمة الدين وهو ضال من الضُّلَّال. ومن ثم مصرا على مثل ذلك كان فاسقا. والله أعلم.
(24) ابن تيمية. مجموع الفتاوي. المجلد الحادي عشر. صـ 609.
سُئل: عن رجل فلاح لم يعلم دينه ولا صلاته وإن في بلده شيخا أعطاه إجازة وبقي يأكل الثعابين والعقارب ونزل عن فلاحته ويطلب رزقه. فهل تجوز الصدقة عليه أم لا؟
فأجاب: الحمد لله، أكل الخبائث وأكل الحيات والعقارب حرام بإجماع المسلمين. فمن أكلها مستحلا لذلك فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل. ومن اعتقد التحريم وأكلها فإنه فاسق عاص لله ورسوله فكيف يكون رجلا صالحا ولو ذكى الحية لكان أكلها بعد ذلك حراما عند جماهير العلماء؛ لأن النبي ? قال: خَمْسٌ فَوَاسِقُ يُقْتَلْنَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ: الْحَيَّةُ وَالْعَقْرَبُ وَالْحِدَأَةُ وَالْفَأْرَةُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ. [4]
(25) ابن تيمية. مجموع الفتاوى. المجلد الحادي عشر. صـ 612.
سئل: عن رجل منقطع في بيته لا يخرج ولا يدخل ويصلي في بيته ولا يشهد الجماعة وإذا خرج إلى الجمعة يخرج مغطى الوجه ثم إنه يخترع العياط من غير سبب وتجتمع عنده الرجال والنساء. فهل يُسَلَّم له حاله؟ أو يجب الإنكار عليه؟
فأجاب: هذه الطريقة طريقة بدعية مخالفة للكتاب والسنة ولما أجمع عليه المسلمون. والله تعالى إنما يعبد بما شرع لا يعبد بالبدع. قال الله تعالى: أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ. فإنّ التعبد بترك الجمعة والجماعة بحيث يرى أن تركهما أفضل من شهودهما مطلقا كفر يجب أن يستتاب صاحبه منه فإن تاب وإلا قتل.[5]
(26) ابن تيمية. مجموع الفتاوي. المجلد الحادي عشر. صـ 632.
لو سُئِل العَالِم عمن يعدو بين جبلين: هل يُباح له ذلك؟ قال: نعم.. فإذا قيل: إنه على وجه العبادة كما يَسْعَى بين الصفا والمروة قال: إن فعله على هذا الوجه حرام منكر يستتاب فاعله فإن تاب وإلا قتل.
ولو سئل: عن كشف الرأس ولبس الإزار والرداء: أفتى بأن هذا جائز فإذا قيل: إنه يفعله على وجه الإحرام. كما يحرم الحاج. قال: إن هذا حرام منكر. ولو سئل: عمن يقوم في الشمس. قال: هذا جائز. فإذا قيل: إنه يفعله على وجه العبادة. قال: هذا منكر.[6]
(27) ابن تيمية. مجموع الفتاوى. المجلد الثاني عشر صـ 502.
سُئِل شيخ الإسلام - رحمه الله -: في رجل قال: إن الله لم يكلم موسى تكليما وإنما خلق الكلام والصوت في الشجرة وموسى عليه السلام سمع من الشجرة لا من الله وأن الله عز وجل لم يكلم جبريل بالقرآن وإنما أخذه من اللوح المحفوظ. فهل هو على الصواب أم لا؟
فأجاب: الحمد لله، ليس هذا على الصواب، بل هذا ضال مفتر كاذب باتفاق سلف الأمة وأئمتها، بل هو كافر يجب أن يستتاب فإن تاب وإلا قتل. وإذا قال: لا أُكَذِّب بلفظ القرآن - وهو قوله: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا - بل أقر بأن هذا اللفظ حق لكن أنفي معناه وحقيقته؛ فإن هؤلاء هم الجهمية الذين اتفق السلف والأئمة على أنهم من شر أهل الأهواء والبدع حتى أخرجهم كثير من الأئمة عن الثنتين والسبعين فرقة. وأول من قال هذه المقالة في الإسلام كان يقال له الجعد بن درهم فَضَحَّى به خالد بن عبد الله القسري يوم أَضْحَى؛ فإنه خطب الناس فقال في خطبته: ضَحُّوا أيها الناس تقبل الله ضحاياكم فإني مضح بالجعد بن درهم.[7]
ولا خلاف بين الأمة أن أول من قال القرآن مخلوق جعد بن درهم في سني نيف وعشرين ومائة ثم جهم بن صفوان فأما جعد فقتلة خالد بن عبد الله القسري. وأما جهم فقتل بِمُرْو في خلافة هشام بن عبد الملك.
وعن جعفر بن محمد الصادق - وهو مشهور عنه - أنهم سألوه عن القرآن أخالق هو أم مخلوق؟ فقال: ليس بخالق ولا مخلوق ولكنه كلام الله. وهكذا روي عن الحسن البصري وأيوب السختياني وسليمان التيمي وخلق من التابعين. وعن مالك بن أنس والليث بن سعد وسفيان الثوري وابن أبي ليلى وأبي حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهوية وأمثال هؤلاء من الأئمة وكلام هؤلاء الأئمة وأتباعهم في ذلك كثير مشهور. بل اشتهر عن أئمة السلف تكفير من قال: القرآن مخلوق وأنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل كما ذكروا ذلك عن مالك بن أنس وغيره.
وأما إطلاق القول بأن الله لم يكلم موسى فهذه مناقضة لنص القرآن فهو أعظم من القول بأن القرآن مخلوق وهذا بلا ريب يستتاب فإن تاب وإلا قتل.
(28) ابن تيمية. مجموع الفتاوى. المجلد الثاني عشر. صـ 532.
وسئل أيضا - رحمه الله -: عمن قال: كلم الله موسى تكليما وسمعته أذناه ووعاه قلبه وإن الله كتب التوراة بيده وناوله إياه من يده إلى يده وقال آخر: لم يكلمه إلا بواسطة.
فأجاب: القائل الذي قال: إن الله كلم موسى تكليما - كما أخبر في كتابه – مصيب. وأما الذي قال: كلم الله موسى بواسطة فهذا ضال مخطئ؛ بل قد نص الأئمة على أن من قال ذلك فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل؛ فإن هذا الكلام إنكار لما قد علم بالاضطرار من دين الإسلام ولما ثبت بالكتاب والسنة والإجماع.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش
[1] المقصود هنا: الرياضة الروحية، برسم المعني الصوفي. وتجوهروا أي وصلوا لمرتبة الجوهر. وقد شغلت إجابة الشيخ على سؤال السائل 32 صفحة.
[2] النص الذي أثبتناه جزء من إجابة الشيخ على سؤال ورد في الصفحة رقم 493 هذا نصه: سئل شيخ الإسلام - قدس الله روحه -:
عن قوم منتسبين إلى المشايخ: يتوبونهم عن قطع الطريق وقتل النفس والسرقة؛ وألزموهم بالصلاة؛ لكنهم يصلون صلاة عادة البادية فهل يجب إقامة حدود الصلاة أم لا؟ ومع هذا شعارهم الرفض وكشف الرءوس وتفتيل الشعر وحمل الحيات. ثم غلب على قلوبهم حب الشيوخ. حتى كلما عثر أحدهم أو همه أمر استغاث بشيخه ويسجدون لهم مرة في غيبتهم ومرة في حضورهم فتارة يصادف السجود إلى القبلة وتارة إلى غيرها - حيث كان شيخه - ويزعمون هذا لله.
ومنهم من يأخذ أولاد الناس حوارات برضى الوالدين وبغير رضاهم وربما كان ولد الرجل معينا لوالديه على السعي في الحلال فيأخذه ويعلمه الدروزة وينذر للموتى. ومنهم من يواخي النسوان فإذا نهوا عن ذلك قال: لو حصل لي أمك وأختك وأختيهما فإذا قيل: لا تنظر أجنبية. قال: أنظر عشرين نظرة ويحلفون بالمشايخ. وإذا نهوا عن شيء من ذلك. قال: أنت شرعي. فهل المنكر عليهم مأجور أم لا؟ وهل اتخاذ الخرقة على المشايخ له أصل في الشرع أم لا؟ وهل انتساب كل طائفة إلى شيخ معين يثاب عليه. أم لا؟ وهل التارك له آثم أم لا؟ ويقولون: إن الله يرضى لرضا المشايخ ويغضب بغضبهم ويستندون إلى قوله صلى الله عليه وسلم {المرء مع من أحب} و {أوثق عرى الإسلام الحب في الله والبغض في الله} فهل ذلك دليل لهم أم هو شيء آخر؟ ومن هذه حاله هل يجوز دفع الزكاة إليه؟ وقد بدأت إجابة الشيخ على السؤال في الصفحة رقم 494. وانتهت في الصفحة رقم 530.
[3] انتهت إجابة الشيخ في الصفحة رقم 536.
[4] وقد انتهت إجابة الشيخ على السؤال في الصفحة رقم 611
[5] شغلت إجابة الشيخ علي السؤال سبع صفحات وانتهت في الصفحة رقم 619
[6] النص الذي اثبتناه جزء من إجابة الشيخ علي سؤال ورد في الصفحة رقم 620 بهذه الصيغة حرفياً: وسئل شيخ الإسلام علامة الزمان، تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم بن تيمية الحراني - رضي الله عنه -:
عن " جماعة " يجتمعون على قصد الكبائر: من القتل وقطع الطريق والسرقة وشرب الخمر وغير ذلك. ثم إن شيخا من المشايخ المعروفين بالخير واتباع السنة قصد منع المذكورين من ذلك فلم يمكنه إلا أن يقيم لهم سماعا يجتمعون فيه بهذه النية وهو بدف بلا صلاصل وغناء المغني بشعر مباح بغير شبابة فلما فعل هذا تاب منهم جماعة وأصبح من لا يصلي ويسرق ولا يزكي يتورع عن الشبهات ويؤدي المفروضات ويجتنب المحرمات. فهل يباح فعل هذا السماع لهذا الشيخ على هذا الوجه لما يترتب عليه من المصالح؟ مع أنه لا يمكنه دعوتهم إلا بهذا؟
[7] هذه الواقعة التي يتحدث عنها الشيخ حدثت في المسجد أو مكان صلاة العيد. إذ قد تم ذبح الجعد بن درهم تحت المنبر عقب انتهاء خالد القسري من إلقاء خطبة عيد الأضحى. وانتهت إجابة الشيخ على السؤال في الصفحة رقم: 522.