التوقيت الإثنين، 23 ديسمبر 2024
التوقيت 01:04 م , بتوقيت القاهرة

أنا بنت الريس

مشهد عبثي بدأ به ذلك الموقف غير المنطقي واللاموضوعي، إذ إننا وبعد أن تبادلنا حديثا تقليديا في إطار السلامات والطيبون، وكان ذلك في أعقاب ثورة الثلاثين من يونيو ورحيل مرسي بنظامه،  قالت لي وبدون مقدمات ..


- بس عارفة يا مُنى، إنتي يا بختك والله.
- ليه، خير ؟
- علشان اسمك منى عبد الفتاح.
- مش فاهمة ..
- إنتي متخيلة إن كل الناس هتفتكرك بنت عبد الفتاح السيسي، تخيلي إن الناس مجرد هتسمع اسمك هتفتكر الراجل العظيم ده.


ضحكت طويلاً، طويلاً جدا، بل وكنت شريرة أيضا، إذ أخذت من محادثتنا تلك "برينت سكرين" و بلمسة فوتوشوبية سريعة طمست اسمها وصورتها، ورفعت الصورة على "فيس بوك" وكنت قد استثنيتها من رؤيتها بالطبع، وفي دقائق، انهالت عليّ التعليقات .


- ربنا يحفظ بابا لمصر يا مُنى
- ربنا يخليكي يا مُنى قولي للحاج النور بيقطع كتير.
- ربنا يحفظ بابا لمصر يا مُنى، تاني ..


- الواد ابن أختي لسه مخدش ابتدائية يا مُنى وعاوزين ندخله طيران.


وصلة الضحك لا تنقطع، وأنا قد تقمصت الشخصية فعلا، وبدأت في الحديث كأميرات باكنجهام، وأعطيت وعودا هنا وجاملت هناك، بل وهددت أيضا، ثم وفي عزّ التهريج رُحت أفكر، ماذا لو كان ذلك حقيقياً، ماذا لو أن الزمن دار دورته، ووجدت نفسي بين عشية وضحاها بنت الريّس فعلاً، كيف سيعاملني المجتمع، وكيف سيتعاطى الناس مع ذلك؟


ذلك سؤال عرفت إجابته بعدها بشهور قليلة، وفي أعقاب إجراء الانتخابات الرئاسية، وفوز عبد الفتاح السيسي بمنصب رئيس الجمهورية.


اعتدت أن أعرف نفسي عموما مُنى، مُنى وفقط حين يسألني أحدهم عن اسمي، حتى لو في "إنترفيو"، ولكنني حين جلست أمامه في إحدى المراكز الثقافية المشهورة للتسجيل في كورس، كان ذلك الحديث ..


- يعني أنا مش هينفع ابتدي conversation  إلا بعد امتحان تحديد مستوى؟
- آه علشان لو معديتيش level 6، يبقى لازم تفضلي general لحد ما تعديه.
- ممم، ماشي.
- أتشرف باسم حضرتك بقى؟
- آه، مُنى ..
- مُنى إيه يا فندم
- عبد الفتاح ..
- عبد الفتاح ؟
- السيسي


- السيسي ؟


- آه
- لسه برده لازم أعدي level 6 وكده؟


- يا فندم ده كده منحة بره مصر على طول !


كان يمزح وكنت أفعل كذلك، فبنت الريس على الأقل ليست مضطرة للدراسة في ذلك المركز، ولكنني أعرف جيدا وتعرف أنت، أنه "سلو" بلدنا، فمعرفة فرّاش كافية  لتنقضي مصلحتك وتسير أمورك زي السكينة في الحلاوة، تلك حقيقة تربينا عليها بل و"جينا الدنيا لاقيناها"، بداية من ابن الناظر وبنت الأبلة اللذين يحصلان على امتيازات لا تنتهي، وابن صاحب السوبر ماركت الذي منحه الله منبعا لا ينضب من الحلويات والمشروبات الغازية، وكان "يتنطط بيها على اللي جابونا" في المدرسة، وصولا إلى "البيه ابن صاحب الشركة"، الذي "يقبض" بالآلافات، ولا نراه إلا مرتين شهرياً، مرة من أجل ذلك المرتب، والأخرى لـ "يظبط" السكرتيرة.


اختبرت كثيرا أن يكون النقيب خالي، كان سعيدا جدا ألا أخوض معارك، وألا اضطر للوقوف في طوابير تنتهي –إن انتهت- بمقابلة الوحش والتعامل مع مدام عفاف التي ستحولني بدورها إلى مدام هدى فـعبمعز بيه رجوعا إلى مدام عفاف ثانيةً،  دون إغفال مطالبات هذا وذاك بالشاي، والإصطباحة، والكل سنة وإنتي طيبة يا آنسة، واختصني الحظ بأن أجوب شوارع القاهرة في ساعة ذروة بصحبة رجل مهم، كان ذلك قبل الثورة وأظنه الآن يسرح بفُل في إحدى الإشارات التي لم تقفل في وجهه أبدا، وعرفت أن أحدا لم يكن محقاً في تاريخ مصر، بقدر ما كان عم متولي، برغم دوره، اللي مالوش أي تلاتين لازمة، في "جاءنا البيان التالي"، إلا أنه وبعبارته "عشان له قرايب مهمييييييييين"، لخص حاله شعب، بأكمله.


آه، هذه تنهيده.. وهذه أنا، مُنى عبدالفتاح، ويضيف لها البعض، على سبيل المزاح أو الألش، السيسي. فأصير، منى عبدالفتاح السيسي، وأعرف بين زملائي ببنت الريّس، أضحك ويضحكون، ولكن البعض لا يفعلون.


ألقى ببعض الأوراق أمامي في عصبية، كنت أقدر الضغط الواقع عليه شأنه شأن باقي الصحفيين لما تطلبته التغطية الإخبارية للمؤتمر الاقتصادي من مجهود، ولكنه قال في عصبية:


- يعني عاجبك اللي أبوكي بيعمله في المؤتمر الاقتصادي ده؟


لأن الزمن دوار، ومفيش حاجة بتفضل على حالها، فواسطتك يمكن أن تغلق الأبواب في وجهك وتجعل طريقك مسدود مسدود مسدود يا ولدي، البعض يستثنى من وظيفة لأن ابن خال بنت عمة مامته سوابق، والبعض الآخر يصير منبوذا لأن أخو عمه في الرضاعة قيادي في تيار يرفضه المجتمع، تلك الوجوه التي ابتسمت في وجهك طويلا، هتعبس الآن وإلى الأبد، هذا لو لم تقرر أن تطلع على جتتك القديم والجديد.


هناك جوانب سوداء و"مهببة" لأن تكون قريبا لأحد المهمين، فأنت مضطر لأن تحمل وزر كل ذلاته، ومضطر وذلك أخطر أن تتحمل أن تكون حياتك مشاعا، وأن تكون أخبارك بسلطاتك وبابا غنوجك مادة تثري "ترافيك" المواقع الإخبارية، وذلك أمر لو تعلمون عظيم.


تلك عزيزي القارئ الثقافة الموازية لـ اللي ليه ضهر ميتضربش على بطنه


إنها ولا فخر، ثقافة "تلاقي أمك اللي جايبهالك".


ولأننا مصريون، كتب علينا أن نحيا أعمارنا في الأووفر دووز، حيث لا وسطية، أدعوك عزيزي القاريء لأن تستغل واسطتك أسوأ استغلال، إشهرها في وجه الجميع، اقضي مصالحك و مصالح كل من حولك بغرض الخدمة أو أن تذلهم فيمَ بعد، وفي اللحظة التي ستشعر فيها بأنها راحت على واسطتك، لا تتردد، واهرب خارج البلاد.


أيون، اهرب !


*هذا المقال ليس له أي غرض سياسي


** إسمي مُنى عبد الفتاح عبد الحليم، ولا وجود لـ لقب السيسي في اسمي مطلقا
*** هذا المقال ليس له أي غرض سياسي، تاني.