التوقيت الأربعاء، 06 نوفمبر 2024
التوقيت 02:11 ص , بتوقيت القاهرة

صور| تحلية مياه البحر.. مال سايب وميه ما تتشربش

بعد رحلة تستمر أكثر من 10 ساعات، تصل إلى مدينة السلوم على حدود مصر الغربية، منهك الجسد تتلهف إلى المياه، فتفتح الصنبور لتفاجأ بلونها الأصفر القاتم، فتتراجع، وتبدأ في سيل من التساؤلات، يجيبك عنه أهالي المدينة بجملة موحدة: "مية مكثف المية متتشربش .. إحنا بنشرب مية سما".


ولأن كلمة "مكثف المية" تتكرر، تجد نفسك مضطرا للسؤال عن كنه هذا الـ"مكثف"، لتجدهم يخبرونك بأنه محطة لتحلية مياه البحر، توجد في مصر في أغلب المناطق البعيدة عن نهر النيل، والقريبة من ساحل البحر، نظرًا لتكلفتها الكبيرة.


"دوت مصر" خاضت تجربة البحث عن الماء، وكشف أسباب أزمته في السلوم، وبدأت البحث بزيارة "مكثف المية"، الذي يبعد بضع دقائق عن الشارع الرئيسي بالمدينة الصغيرة، ويقع على ساحل البحر المتوسط.


لم يختلف الهدوء الصحراوي في أوقات العمل الرسمية بمحطة تحلية مياه السلوم، عن بقية المدينة، إلا أنه تخترقه من حين لآخر  أصوات أمواج البحر، وأصوات الماكينات الثقيلة من وحدة التحلية، التي وقف أمامها مواطن بسيارة نصف نقل، تعلوها براميل فارغة، يملأها بالمياه المحلاة بواسطة خرطوم طويل متصل بالمحطة.



التفت إلينا قبل أن يغادر ليجيب سؤال "دوت مصر" عن رأيه في المياه التي تنتجها المحطة، قائلا: "باجي آخدها لعساكر البحرية اللي في الجبل كل أسبوعين، مبيشربوش منها، بيغسلوا بيها هدومهم"، وحينما سألناه عن السبب، أردف "هي مية مش حلوة أصلًا، فيها طعم وريحة الكلور، نشربها ازاي؟!".


وهو الأمر الذي جعلنا نرافق مدير محطة تحلية مياه السلوم المهندس أحمد حمدي، لمعرفة كيفية تحلية مياه البحر في المحطة، وأصل  شكوى المواطنين من المياه المنتجة.



مرحلة التخزين


" إحنا مش بنعتمد بشكل أساسي على المية المالحة، لإن ملوحتها بتكون عالية جدًا" هكذا بدأ حمدي حديثه، أثناء اصطحابنا نحو آبار مياه في محيط صحراء المحطة، التي تسحب إليها مياه البحر على عمق من 50 لـ 150 مترا في باطن الأرض، ذلك لأن مسام الأرض تقلل نسبة الملوحة وتحد من الشوائب، ووفقًا لحمدي يوجد بالمحطة 12 بئرا.


عن طريق مواسير فضية اللون، تبدأ الآبار بتفريغ المياه في خزانين استراتيجيًا للتغذية، سعة الواحد منهم 200 متر مكعب، ومن ثم تسحب المياه المراد تحليتها من الخزان عن طريق مواسير ضخمة ترتفع عن الأرض حوالي 50 سم، حتى لا تسحب أي شوائب.



من هنا اصطحبنا الشاب العشريني النحيل الذي اصطبغ لونه بلون الصحراء، نحو عنبر التحلية، الذي يغلب على مكوناته اللون الأزرق، ويغلب عليه ضجيج الماكينات، لنشاهد على يمين مدخله 3 مواسير بلاستيكية ضخمة، تستقبل المياه المراد تحليتها، التي تسمى بـ"طرمبات التغذية".


تسحب الطرمبات المياه وترفعها بضغط 4 بار نحو مواسير أخرى أسفل أرضية المحطة، لتنتقل المياه من مرحلة التخزين إلى المرحلة التالية.



مرحلة المعالجة الأولية


أشار حمدي إلى 4 خزانات زرقاء ضخمة قائلًا: "إنها فلاتر رملية ضخمة، يطلق عليها فلاتر متعددة الطبقات"، وهي عبارة عن طبقات رملية متعددة الأحجام متدرجة من الأكبر للأصغر من أسفل إلى أعلى الفلتر، الذي يمنع مرور أي شوائب مع المياه.



يصحبنا مدير المحطة إلى الجهة الأخرى، نحو خزان أصغر حجما، يحتوي على شمعات من الفلاتر القطنية، التي تنقي المياه من أي شوائب أقل من 5 مايكرون، والتي لا ترى بالعين المجردة، في نفس درجة الضغط.



مرحلة التحلية


مفصل صغير، وعداد يقيس درجة الضغط الذي ارتفع من 4 لـ 40 بار، يسمى طرمبة الضغط الغالي، لتدفع االمياه في مواسير معدنية  - حتى تتحمل الضغط العالي - نحو ثماني وحدات تحلية - كل وحدة منهم تحتوى على 7 "ممبرين" وهي عباة عن أغشية نباتية ملفوفة حول بعضها تفصل المياه المالحة عن المياه الحلوة بواسطة الضغط العالي، وهو ما يسمى في علم الكيمياء بنظرية الضغط الإسموزي، وهو ما يعتمد عليه النباتات بعملية البناء الضوئي، وأوضح حمدي لـ دوت مصر" أن سعر الممبرين الواحد 3000 دولار.



"فيه نوعين من المواسير، نوع بتخرج منه المية المالحة ونوع بتخرج منه المية الحلوة".. هكذا قال  حمدي عن نهاية ممر التحلية، عندما أشار نحو ماسورة سوداء بوسط الوحدات تخرج منها المياه المحلاة، وأخري جانبية فضية تخرج منها مياه البحر بملوحة مضاعفة.



مرحلة المعالجة النهائية


في أقصى جوانب محطة التحلية، توجد خزانات بلاستيكية بيضاء، تجاور مخارج المياه المحلاة نحو خزانات التخزين، التي أشار إليها المهندس العشريني: "هي خزانات الأحماض، التي تقوم بمعالجة نهائية للمياه بإضافة نسبة معينة من الكلور، ومعادلة نسبة الهيدروجين في المياه بـ "الصودا آش"، ومواد أخرى تساعد في جزيئات المياه المالحة عن المياه الحلوة، عن طريق ما يسمى بطرمبة الحقن، أثناء مرور المياه العذبة إلى خزانات التخزين، التي تقدر بثلاثة خزانات خارج وحدة التحلية.



الإنتاج والتكلفة


بداخل غرفة التحكم، التي يفصل لوح زجاجي بينها وبين عنبر التحلية، أوضح مدير المحطة لـ"دوت مصر"  أن المحطة تنتج يوميًا 3500 متر مكعب، عن طريق التحلية وليس الترشيح، كما يحدث في معظم المحافظات بالقرب من مياه النيل، فتكلفة ترشيح متر مكعب من مياه النيل لا يتجاوز الجنيه الواحد، بينما تكلفة تحلية المتر المكعب من مياه البحر، تتراوح بين 3 و6 جنيهات.



ووقفًا لرأي حمدي، محطات الترشيح تعمل على تنقية مياه عذبة من الأساس، والتي ليس بها مشكلات سوى تنقية بعض البكتيريا، والقضاء عليها عن طريق الكلور أو الشبة، ومن ثم ضخها إلى المواسير، أما إذا قارنا جودة مياة البحر بمياه النيل، فالمياة المحلاة من وجهة نظره أفضل، وليس بها أي مشكلة، سوى درجة الملوحة، ولا تحتوي على نسبة التلوث التي تحويها مياه النيل.


شكاوى وهجوم


مسؤولو وعواقل مدينة السلوم كان لديهم رأي آخر، فجميعهم جزموا بأن مياه التحلية غير صالحة للشرب، كما قال رئيس مجلس مدينة السلوم حسين الصاوي، مؤكدًا أن أهالي السلوم يعتمدون على مياه السماء أو الأمطار التي تخزن داخل آبار على بعد كيلو مترات في الصحراء، ولا تتوفر سوى في الشتاء.



وعزز نفس وجهة النظر عمدة المدينة سعيد أبو زريبة قائلًا "حسب علمي، مياه محطة التحلية بالفعل غير صالحة للاستخدام الآدمي"، مطالبًا المسؤولين بمتابعة تقارير المحطة أولا بأول، لأن هذا أمر متعلق بحياة البشر، وأدى هذا إلى انتشار أمراض الفشل الكلوى وغيرها.



وسط باحة كبرى ملحقة بالمحطة، تراصت مقطورات نقل المياه الكبرى، وتخرج أخرى تاركة خلفها مياه متساقطة بطول الطريق، ليقول لنا أحد السائقين "بعمل من 10 لـ15 نقلة في اليوم، والناس بتستخدم المية في الغسيل، إيصال المية بـ 12 جنيه، بنوصل للمواطنين 10 طن في الشهر لحد البيت".



وأضاف "بقالنا شهر مش عارفين نودي المية فين، بنروح لهم بيقولولنا مش عايزين مية، خلينا الدور الجاي، وناس بتاخد نص العربية بس، والأغلبية بيعتمدوا بس على مية الأمطار".



دفاع واعترافات


"أنا أضمن المية لحد ما تخرج في المحطة عندي".. هكذا رد مدير محطة تحلية المياه، حينما واجهناه بشكاوى المواطنين، متبعًا ذلك باعتراف: "المياه المحلاة بيكون فيها عيب خطير جدًا، إنها بتكون شرهة في التفاعل مع المعادن"، مؤكدًا أن المياه داخل المحطة توضع في خزانات جيدة جدًا، ولكنها تتلوث عن طريق النقل وخزانات الأهالي.



وأضاف أنه فور احتكاك المياه بمواسير معدنية بها صدأ، يتغير شكل ولون ورائحة المياه، واصفًا ذلك بالشيء البديهي، إلا أنه من ناحيته يراقب جودة المياه داخل المحطة كل ساعتين، مرجعًا أسباب تلوث المياه التي قد تجعلها غير صالحة للشرب إلى "المواسير، وخزانات الأهالي" التي لا تتطهر باستمرار، وسيارات النقل التي تخرج من المحطة، وشبكة توزيع المياه على الأهالي".


 


اقرأ أيضا