التوقيت السبت، 23 نوفمبر 2024
التوقيت 01:23 ص , بتوقيت القاهرة

لماذا تشارك مصر بقوات برية في حرب اليمن؟!

منذ أن تم الإعلان عن مناورة عسكرية مشتركة تجرى على أرض السعودية، وتشارك فيها قوات مصرية إلى جوار بعض دول  الخليج، لم يعد سرًا أن مصر سوف تفي بتعهداتها، وتشارك ضمن قوات التحالف البرية دفاعا عن أمن السعودية والخليج، ومساندة لشرعية الحكم الدستوري في اليمن الذي اغتاله العدوان الحوثي على صنعاء وعدن، خاصة أن الرئيس عبدالفتاح السيسى أكد أكثر من مرة أن أمن الخليج جزء من أمن مصر والعكس صحيح، وأن القضية لا تحتاج أكثر من"مسافة السكة"، لأن من واجب مصر أن تقف إلى جوار أشقائها  كما وقفوا إلى جوار مصر في شدتها، كما أن الحفاظ على حرية الملاحة في باب المندب جزء من أمن مصر لأن حرية الملاحة في باب المندب تشكل ضمانا لسلامة المرور وأمنه فى قناة السويس، خاصة أن مصر تضطلع الآن بمسؤولية الحفاظ على أمن باب المندب فى إطار قوات التحالف السعودي، ويجوب عدد من قطع الأسطول المصري منطقة باب المندب، كما تقوم بدوريات مراقبة وحراسة بامتداد الشاطئ السعودي على البحر الأحمر لمنع أية محاولات تخريب تستهدف السعودية تأتي عبر البحر.


والواضح من حضور وزير الدفاع المصري الفريق أول صدقي صبحي طابور عرض قوات التدخل المصري السريع في معسكراتها، أن هذه القوات ربما تشكل طلائع القوة المصرية التي تشارك في المناورة العسكرية الكبرى على أرض السعودية، كما تكشف زيارة وزير الدفاع السعودي محمد سلمان لمصر، ومباحثاته مع الرئيس السيسي ووزير الدفاع صدقي صبحي عن حجم التنسيق العسكري المتزايد بين مصر والسعودية لمواجهة مخاطر سيطرة جماعة الحوثيين على مدينتي صنعاء وعدن، واحتلالها العديد من مناطق اليمن شمالا وجنوبا عدوانا على شرعية الرئيس اليمنى الهادى عبدربه، الذي طاردته قوات الحوثيين من صنعاء إلى عدن ومن عدن إلى خارج البلاد، حيث يقيم الآن في الرياض، بينما تواصل قوات التحالف السعودي قصفها لمواقع الحوثيين في صنعاء وعدن وصعدة فى أقصى الشمال، حيث يعيش الحوثيون أقلية ضمن قبائل الشمال الزيدي، هي الأكثر قربا من عقائد شيعة إيران، تشكل 2% من القبائل الزيدية التي تشكل 20% على الأكثر من سكان اليمن.


 استثمرت طهران وضعها الطائفي كي تخلق بؤرة توتر وإزعاج جنوب السعودية، تهدد الأمن السعودي وتبتز دول الخليج، والواضح أن إمداد طهران للحوثيين بصواريخ بلاستيكية متوسطة المدى من طراز سكود، نشرها الحوثيون على حدود اليمن والسعودية، كانت العامل الحاسم الذي دفع الرياض إلى سرعة التدخل العسكري.


وتؤكد تقارير سير العمليات العسكرية في اليمن، أن القصف الجوي لقوات التحالف السعودي على امتداد الأسابيع الثلاثة الماضية كبد الحوثيين خسائر عسكرية فادحة، وفكك قبضتهم على مدينة عدن، وقطع خطوط إمداداتهم من الشمال إلى الجنوب، كما أحدث أضرارا بالغة بقوات الجيش اليمني المنشق التي تعمل لحساب الرئيس اليمني السابق على عبدالله صالح الذي خان وطنه، ومكن الحوثيين من دخول صنعاء في يناير الماضي وحصار القصر الجمهوري، والتحفظ على الرئيس هادي عبدربه أملا في أن يعود إلى السلطة ليمارس لعبته القديمة في اللعب على توازنات القبائل، وتجنيد الإسلاميين لمواجهة الزيديين، واستخدام الإسلام السياسي في حربه على جنوب اليمن، وتقديمه أسلحة الجيش اليمني الثقيلة ودباباته ومجنزراته لتكون في خدمة الحوثيين!


والواضح أيضا من إلحاح طهران على ضرورة وقف إطلاق النار، أن الحوثيين يواجهون موقفا صعبا، وأن القصف الجوي أسفر عن خسائر عسكرية ضخمة، كما أسفر عن خسائر مدنية غير قليلة، وقطع معظم طرق الاتصال مع معظم المدن اليمنية، وتسبب في أزمة غذاء قاسية بعد أن تعذّر وصول إمدادات الغذاء والمؤن الطبية إلى معظم مدن اليمن بسبب غلق معظم الطرق البرية، إضافة إلى غلق المواني والمطارات، رغم أن اليمن يستورد 90% من غذائه من الخارج.. وتعيش عدن حالة تقرب من المجاعة يزيد من سوئها شح المياه، بعد أن طال القصف الجوي عددا من الآبار والطلمبات الرافعة التي تضخ مياه الشرب إلى السكان.


والواضح من تعيين خالد بحاح رئيسا للوزراء، وهو شخصية يمنية تحظى بإجماع وطني يوافق عليه الحوثيون كما توافق عليه كل الأطراف اليمنية، تزايد فرص وجود تسوية للأزمة اليمنية، خاصة أن السعودية أعلنت أكثر من مرة أنها تحارب الحوثيين لعدوانهم على الشرعية الدستورية في اليمن، لكنها لا تمانع فى أن يكون الحوثيون طرفا في أي حوار وطني يستهدف لم شمل البلاد، شريطة أن ينسحبوا من المدن والمناطق التي احتلوها، وأن تعود قواتهم إلى موطنها في منطقة صعدة بعد أن تسلّم الأسلحة الثقيلة التي استولت عليها من معسكرات الجيش اليمني بمعاونة من الرئيس السابق على صالح وابنه أحمد.


وبرغم هواجس ومخاوف كثير من المصريين يخشون أن تصبح اليمن فخا جديدا يستهدف استنزاف القوات المصرية في معركة لا مسوغ لها كما حدث في ستينات القرن الماضي، إلا أن الواضح تماما أن الظروف جد مختلفة لأنه خلال الستينات كانت السعودية ومصر يقفان على طرفي تناقض حاد، المصريون يناصرون الجمهورية التي أعلنتها ثورة عبدالله السلال، والسعودية تناصر الملكية رغم هروب الأمير بدر خارج البلاد، وكل منهما يحاول تجنيد القبائل كي تكون في صفه، لكن قبائل الشمال الزيدية أحسنت استثمار الفرصة، وقسمت نفسها ما بين قبائل جمهورية وقبائل ملكية كي تبتز الجانبين المصري والسعودي المتنافسين على مستقبل اليمن ومصيره، لكن الظروف اختلفت الآن وتقف مصر والسعودية ومعظم الدول العربية في صف الشرعية الدستورية التي تحكم اليمن، تدمغ عدوان الحوثيين على صنعاء وعدن وتدخل طرفا في التحالف السعودي مهمته مراقبة الملاحة فى باب المندب وحراسة الشواطئ السعودية على البحر الأحمر مع استعداد مصر  للدخول فى حرب برية ان لزم الأمر.


 لكن الحرب البرية هذه المرة تختلف تماما عن حرب الستينات ليس فقط لانعدام وجود تنافس سعودي مصري على مصير اليمن، ولكن لأنه لا مصلحة للقوات المصرية أو قوات التحالف في أن تحتل الشمال الزيدي لتحارب الحوثيين في عقر دارهم،  حسبها أن تكون قوات ردع تلزم الحوثيين الانسحاب من المدن اليمنية وتسليم الأسلحة الثقيلة، والدخول طرفا في حوار وطني يستهدف لم شمل البلاد، فضلا عن أن مسرح العمليات يختلف تماما عن ستينات القرن الماضي، لأنه في الحرب السابقة تركزت القوات المصرية في مناطق الشمال الوعرة، حيث تعيش القبائل على الحرب والقتال ويقاتل بعضها بعضا إن لم تجد من تقاتله.


 لكن المواجهات هذه المرة تجرى فى مناطق السهول اليمنية في الجنوب، حيث يحتل الحوثييون مدينة عدن، ويسيطرون على كثير من مناطق الجنوب اليمني الذى تسكنه أغلبية من الشوافع، معظمها شعب مسالم يزرع ويصيد ويتاجر بعد أن هجر منذ آلاف السنين حرفة الحرب، يحب المصريين ويقدر دورهم في تحرير منطقة جنوب اليمن من الاستعمار البريطاني من خلال (العملية صلاح الدين)، التي قادتها المخابرات المصرية من مدينة "تعز" خلال ستينات القرن الماضي لتحرير عدن وولايات الجنوب من الاستعمار البريطاني وغلق طرق الإمدادات التي كانت تصل إلى شرق اليمن، خصوصا منطقة مأرب والجوف بمساعدة مباشرة من قوات الاستعمار البريطانى في عدن.


صحيح أن للحرب مخاطرها في جميع الظروف والأحيان، لكن مخاطر التدخل العسكري فى اليمن  هذه المرة مخاطر محسوبة بدقة، لا تشكل خطرا على أمن القوات أو مصدرا لاستنزافها فى مناطق جبلية وعرة، كما أن المهمة محدودة وموقوتة وتجرى في بيئة صديقة ووسط سكان متعاونين هم أهل الجنوب الشوافع الذين يقدرون للمصريين تضحياتهم الضخمة من أجل تحرير اليمن وضمان تقدمه بما يؤكد أن القوات المصرية سوف تنهي مهمتها في أسرع وقت لتعود بإذن الله سالمة إلى أرض الوطن وقد كتب التاريخ في سجلها فاصلا جديدا يعزز التضامن العربي ويساند جهود العرب الجماعية لصون الأمن القومي.