التوقيت الإثنين، 25 نوفمبر 2024
التوقيت 08:33 م , بتوقيت القاهرة

فيديو| إيطاليتان: قضينا 100 عام في بورسعيد ونحلم بالعودة

عبر باب خشبي كبير، دخلت مستشفى الدليفراند، انتابني إحساس بالوحدة؛ فالهدوء والصمت يملآن المكان، كان قلبي يخفق بقوة، وكنت أشعر بالخوف، مما يخفيه القدر وتقلبات الزمن، لكن سرعان ما تعودت عيني.

صعدت درجات السلم وترجلت الطرقة الطويلة بحثا عن "برينا سنغاليا"، أغنى سيدات بورسعيد في القرن العشرين، وملكة جمال مصر وإيطاليا، عام 1945، البالغة من العمر 99 عامًا، طرقت باب غرفه 14، حيث ترقد "ماريا قسطنتين"، البالغة من العمر 107 أعوام، والتي كانت تملك كازينو "بلاس"، وجدتها مستغرقة في ثبات عميق.

توجهت إلى غرفة رقم 13، تجلى أمام عيني الجمال المتلاشي، لوحة فنان كستها الشيخوخة، والفقر، والوهن، والوحدة.

إنها "برينا سنغاليا" مالكة مطعم جيانولا، ترقد كل منهما في غرفة صغيرة لا تتجاوز الـ4 أمتار، وتنامان على سريرين حديديين، وبجوارهما تمثال لـ"يسوع"، وصورة لـ"مريم العذراء"، توسلا إليهما عسى أن يبددا شعورهما بالوحدة وغدر الزمن.

قالت سنغاليا، عن بورسعيد "كانت ذات طراز معماري فريد، وكان يقدم إليها السائحون من إيطاليا وفرنسا وإنجلترا، كانت أجمل مدينة رأتها عيناي، وكان فيها كازينو "بلاس" من أشهر الكازينوهات في العالم.

وأضافت "رغم معاصرة بورسعيد لعدة حروب، إلا أن شعبها شعب قوي، لم يقبل الاستعمار، وعندما كنت أسافر إلى إيطاليا، كنت أسمع من عائلتي حكايات النضال للشعب البورسعيدي، يرددها الإيطاليون فخورين بهذا الشعب وتحديه للاستعمار.

واستنكرت سنغاليا ما أصبحت عليه بورسعيد من حال، حيث تلاشت البنايات التي كانت تميزها، وسط الإهمال، كما هدم البعض الكثير منها، لبناء عمارات شاهقة تخلو من أي جمال.

وتنهدت قائلة "لقد عدت بي إلى أيام طفولتي وشبابي، التي قضيتها في بورسعيد، فكنت دائما أتوق لمشاهدة المسرحيات، على تياترو الألدرادو، الذي كان يمتلكه اليوناني "جريجوارسوليدس"، وأنتظر الأفلام الجديدة، التي كانت تعرض مثل: "ماجيستيك"، "أمبير"، "ريفولي"، "ديانا"، "كوزموغراف".

وأضافت "كان أي شخص يرى صور بورسعيد في أنحاء العالم، يستطيع أن يدرك أن تلك هي مدينة بورسعيد، لما تميز به من عظمة المكان، والزخارف، والجدران، التي تزينها لوحات زيتية، وأناقة مرتاديها، من عظماء الشخصيات وملوك العالم.

وأنهت حديثها قائلة، "ولدت ببورسعيد وتزوجت الخواجة "بينو"، إيطالي بورسعيدي، مالك مطعم جيانولا، أكبر مطعم في بورسعيد في القرن الماضي، وبعت مطعم جيانولا، والفندق، بعدما توفى الخواجة، زوجي منذ 30 عاما، ومر العمر بي لأرقد هنا، وحيدة في تلك الغرفة منذ سنوات لم أخرج لأداء الصلاة بالكنيسة، وأتذكر آخر مرة خرجت بها شعرت بضيق، لما وجدت عليه حال الشوارع، والمدينة، فأنتابتني حالة من الحزن على بورسعيد.

وطالبت سنغاليا السفارة الإيطالية، بتقديم المساعدة لها، إما المادية، بتحمل نفقات إقامتها في المستشفى التي تبلغ 3000 جنيه شهريا؛ لأنها لاتملك الآن مسكنا، أو المعنوية بإعادتها إلى إيطاليا كي تدفن في موطن آبائها.

أما ماريا قسطنتين، فلم تحتمل الحديث طويلا، لكنها قالت بعدما انهمرت الدموع على جبينها، "قضيت مائة عام وأكثر في بورسعيد، حيث ولدت لعائلة إيطالية، وتزوجت من رجل سويسري، وقد مات، وأنا الآن وحيدة ليتني أموت على أرض إيطاليا، عوضا عن أن أموت هنا، وأدفن، ولا أجد من يزورني في حياتى وبعد موتي".

ومن ناحيته، قال جوزسيبي  Giuseppe Fracella? ، إيطالى الجنسية، إننى أحرص على زيارة قسطنتين، وسنغاليا كلما زرت مصر، فأنا بطبيعة عملي أتواجد في مصر مرات عديدة، خلال العام، ولم أتخل عن زيارتهما لأنهما إيطاليتان مثلي، ولا أحب أن أتركهما وحيدتين، مطالبا السفارة الإيطالية، باتخاذ إجراء بشأنهما من حيث إعادتهما إلى إيطاليا حسب رغبتهما.