"خناقات" الشرطة والنيابة.. مين الكسبان؟
عندما يتصادف الأمر ويصطدم رجل شرطة بعضو في النيابة العامة، لا يقف الأمر على مجرد خلاف بين شخصين، بل يتطور ليصل إلى صراع بين السلطة التنفيذية والقضائية في الدولة، وهو ما تكرر أكثر من مرة، كان آخرها أزمة مشاجرة بين وكيل نيابة وضابط بالقليوبية.
وتدخل نادي القضاة، بتلميح أحد أعضاء مجلس إدارته، أن ذلك الحادث كان بسبب التفتيش المفاجيء الذي أجرته النيابة العامة على جميع أقسام الشرطة في القاهرة والجيزة، في بداية الشهر الجاري.
البداية حسب رواية الأمن بملاحظة ضابط لسيارة يتواجد بها وكيل نيابة بمدينة نصر، في وضع مخل بالآداب العامة بصحبة فتاة، بداخل سيارته بمحافظة القليوبية، وبطلب الضابط البطاقة الشخصية الخاصة بوكيل النيابة، رفض الأمر ودارت بينهما مشادة كلامية، إلا أن عضو مجلس إدارة نادي القضاة المستشار محمد عبدالهادي، نفى الأمر قائلا أن وكيل النيابة تقدم بمذكرة للواقعة، مؤكدا أن الفتاة التي كانت بصحبته، خطيبته، وحققت النيابة مع الضابط ثم قررت صرفه من النيابة.
تكررت أزمات الشرطة مع النيابة أكثر من مرة، وتلاحظ أن معظمها حدثت بعد "25 يناير"، والغريب أن النيابة في هذه الحوادث تكون بمثابة "الخصم والحكم"، إذ أنها تكون طرفا في الواقعة وتحقق فيها بذات الوقت، ثم تصدر قرارها سواء بصرف الضباط أو معاقبتهم بالحبس.
"كلبشة" وكيل نيابة طنطا
في نهاية شهر نوفمبر 2013، كانت هناك قوة أمنية معنية بخدمة كمين أمام شارع نادي طنطا الرياضي، وتصادف مرور سيارة أجرة يستقلها وكيل نيابة بمركز قويسنا، وباستيقاف السيارة أكد ضباط الكمين أن سائق السيارة صادر ضده حكم بالحبس 6 أشهر، ودارت مشادة كلامية بين الطرفين، قام على إثرها اثنين من الضباط بـ"كلبشة وكيل النيابة" واقتياده لسيارة الشرطة، وحرروا مذكرة بالواقعة.
النيابة حققت في الواقعة وقررت حبس الضابطين 4 أيام على ذمة التحقيق، فدارت أزمة بين النيابة وضباط الداخلية الذين هددوا بوقف الحراسة في مقار النيابات والمحاكم وحثوا زملاؤهم في جميع المحافظات على التضامن معهم، حتى تدخل مدير أمن الغربية ورئيس نادي القضاة لاحتواء الموقف.
وفي اليوم التالي من قرار الحبس، صدر قرارا آخرا بإخلاء سبيل الضابطين بضمان وظيفتيهما، ثم أحيلا لمحكمة الجنايات بتهمة الاعتداء على وكيل النيابة، وتقدم وكيل النيابة بمذكرة للتصالح، فأصدرت المحكمة حكما بمعاقبتهما بالسجن عام مع إيقاف تنفيذ العقوبة لمدة 3 سنوات، وانقضاء الدعوى الجنائية بالتصالح.
العقاب بالسجن المؤبد
في يناير الماضي، أصدرت محكمة جنايات سوهاج، حكما بمعاقبة ضابط وأميني شرطة بمركز ساقلتة، بالسجن المؤبد، ومعاقبة 8 من أمناء وأفراد الشرطة بالسجن المشدد 10 سنوات، ومعاقبة نائب مأمور مركز ساقلتة بالحبس مع الشغل 3 سنوات في قضية اقتحام مقر نيابة ساقلتة، والتعدي بالسب على أعضاء النيابة.
الواقعة دارت أحداثها في أكتوبر 2013، حين اصطدمت سيارة وكيل نيابة بمركز ساقلتة بسيارة مواطن، ما أسفر عن إصابة سبعة أشخاص، ولم تنتقل قوات الشرطة لتحرير محاضر بأقوال المصابين، ما أدى على إصدار قرار من النيابة باستدعاء نائب مأمور المركز وضابطي شرطة للتحقيق معه، فتوجهوا لمقر النيابة بصحبة عدد من أفراد الشرطة، وأكد أعضاء النيابة أن الضباط اقتحموا مقر النيابة وتعدوا عليهم بالسب وهددوهم بالسلاح.
النيابة قررت حبس نائب مأمور المركز وضابط و 3 أمناء الشرطة وأحالتهم للجنايات بصحبة آخرين من أفراد الشرطة بتهمة اقتحام النيابة، ما أدى إلى لجوء أفراد الشرطة للإضراب عن العمل لعدة أيام، حتى تدخل مدير أمن سوهاج وأقنعهم بالعودة للعمل.
وكيل نيابة "ماشي عكسي"
لم يمر شهر على أزمة مركز ساقلتة، حتى كادت تدور أزمة أخرى في منطقة الدقي بمحافظة الجيزة، إذ أن في 30 نوفمبر 2013، نشبت مشاد كلامية بين ضابط ووكيل نيابة، بسبب تحريره مخالفة مرورية ضد وكيل النيابة الذي كان يسير عكس الاتجاه، وتطور الأمر بتأكيد الضابط تعرضه للتعدي بالضرب باليد من قبل وكيل النيابة، إلا أن مدير أمن الجيزة في ذلك الوقت تدخل لحل الأزمة قبل تفاقهما، وتصالح الطرفين.
اعتذار الداخلية
في مايو 2012، قرر المحامي العام الأول لنيابات شمال دمنهور، بحبس معاون مباحث بمركز شرطة الرحمانية 4 أيام على ذمة التحقيق، لاتهامه بالتعدي بالضرب على وكيل نيابة إثر مشادة بينهما أثناء مروره بكمين مروري، وسرعان ما قدمت مديرية أمن البحيرة والضابط المتهم بمذكرة للاعتذار، فأصدرت النيابة قرارا آخرا بإخلاء سبيل الضابط المتهم.
قاضي تحقيق
ومن جانبه يرى عميد كلية حقوق القاهرة، محمود كبيش، "لا بد من تعديل قانون الإجراءات الجنائية، لإسناد التحقيق في مثل تلك الحالات لقاضي تحقيق من وزارة العدل، بدلا من النيابة العامة"، موضحا أنه في الوقت الحالي تكون النيابة هي صاحبة الحق الوحيد في إحالة الواقعة لقاضي تحقيق، أما في حالة رغبة الطرف الذي يتم التحقيق معه، في انتداب قاضي للتحقيق، يتقدم بطلب للنيابة التي تقرر القبول أو الرفض.
وأضاف كبيش لـ"دوت مصر"، "إذا حققت النيابة العامة في تلك الوقائع، فينبغي التزامها بالحياد التام وعدم الانحياز لأي من أطرافها"، مشيرا إلى أن من الأفضل أن تتفادى مواضع الشبهات وتنتدب قاضي للتحقيق في تلك الوقائع.