البعثات الدبلوماسية.. تاريخ من "الاستفزاز" السياسي
رغم صبغتها الدبلوماسية وكونها ممثلا للدولة في الخارج، اعتدنا خلال الفترة الأخيرة، وقوع عمليات اعتداء على مقار البعثات الدبلوماسية لدول بعينها لأسباب سياسية، تستهدف الضغط على حكوماتها لاتخاذ قرارات أو الرجوع عن عدوان ما.
ووفقا لاتفاقية "فيينا" للعلاقات الدبلوماسية، التي وقعت وأصبحت سارية منذ العام 1961، فإن الدول تلتزم بحماية دبلوماسيي الدول الأخرى لديها ومقارهم الدبلوماسية، إلا أنها لم ترتب جزاء واضحا يوقع على الدولة التي تخالف هذا الشرط، وتتعرض لسلامة دبلوماسيين أو مقار وحقائب دبلوماسية.
اليمن
في أعقاب تصاعد وتيرة الأزمة اليمنية الحالية، التي تعد إيران المحرك الأساسي للطرف الرئيسي بها، الحوثيين، بدعمهم سياسيا وعسكريا، تعرض السفير الإيراني بصنعاء، سيد حسين نام، نهاية العام الماضي، إلى محاولة اغتيال بعد أيام من تقديم أوراق اعتماده، وأعلنت جماعة "أنصار الشريعة" المرتبطة بالقاعدة، تبنيها الهجوم بسيارة مفخخة على منزل السفير الإيراني.
وفي المقابل، تعرضت السفارة اليمنية في إيران إلى اعتداء، قيل إنه من جانب طلاب يمنيين متمردين، ابتعثهم الحوثيون للدراسة في إيران، حيث كسروا نوافذ السفارة، ومزقوا صور الرئيس عبدربه منصور هادي، فيما أكدت وزارة الخارجية اليمنية أن تلك الأعمال التخريبية تمت بتواطؤ من قوات الأمن الإيراني التي كانت على مرئي مما حدث.
واقعة أخرى تتعلق باليمن، إلا أنها تختلف بعض الشيء، فقد جاءت الاعتداءات هذه المرة من جانب مواطنين يمنيين عالقين، على سفارتهم بالقاهرة، حيث قذفوا مبني السفارة بالطوب وكسروا النوافذ، فضلا عن محاصرة اللجان القائمة بعمليات تسكين هؤلاء العالقين، وجاء ذلك في خطوة للضغط على الحكومة اليمنية بإنهاء إجراءات عودتهم لليمن.
ليبيا
في ضوء توتر العلاقات بين الحكومتين الليبية والسودانية، والاتهام الدائم من الأولي للثانية بتمويل جماعات مسلحة عبر طائرات تحمل السلاح إلى ليبيا زادت حدة التوتر باعتقال السلطات الليبية القنصل السوداني عبدالرحيم عمر، خلال زيارته التفقدية للسودانيين المحتجزين في مدينة البيضاء، واقتادته الشرطة الليبية دون إبداء أي تعليق رسمي حول ذلك.
كما أعلنت السفارة السودانية في طرابلس، قبل أيام، اختطاف المستشار الاقتصادي للسفارة السودانية في ليبيا من قبل جماعات مسلحة، وتم إطلاق سراحه بعد ساعات.
كما تعرضت سفارة السودان في طرابلس، مطلع فبراير الماضي، لمحاولة تفجير، بعد إطلاق قنبلة يدوية الصنع من قبل مسلّحين مجهولين.
لبنان
على الرغم من التصريحات الرسمية من كل من إيران وحزب الله اللبناني بأنه ليس هناك علاقه تجمعهما، إلا أنهما تلك العلاقة يتداخل فيها البعدين السياسي والديني فبعض اللبنانيين الشيعة الذين يمثلون كوادر حزب الله تربطهم بالمرجعيات الدينية الإيرانية روابط روحية عميقة، ويعتبر مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي أكبر مرجعية دينية بالنسبة لهم، ويسمى أمين عام حزب الله حسن نصر الله "الوكيل الشرعي لآية الله خامنئي" .
الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله أكد في حديث له أن "الدعم المالي والسياسي من إيران لحزب الله لا يعني أنه أصبح حزبا إيرانيا، بل هو حزب لبناني بكوادر لبنانية وعلى أرض لبنان".
وبالنظر لوجود طوائف لبنانية معارضة لحزب الله وإيران، تتعرض السفارة الإيرانية في بيروت بشكل مستمر لهجمات من قبل تلك الطوائف، لتدخل إيران في الشأن اللبناني ودعمها لجماعة حزب الله، وهو ما دفع أمينه العام، حسن نصرالله لاستهجان تلك العمليات.
الواقعة الأشهر
الواقعة الأشهر في تاريخ الاعتداء على السفارات كان احتجاز طلبة إيرانيون لعشرات الدبلوماسيين الأمريكيين داخل السفارة الأمريكية في طهران في 3 نوفمبر عام 1979 ولمدة 444 يوما بعد اقتحامها حيث احتجزوا 66 دبلوماسيًا وعسكريًا أمريكيًا بمباركة من نظام المرشد الأعلى آية الله الخميني.
واعتبر ظهور جنود أمريكيين معصوبي الأعين غضبا في الشارع الأمريكي ضغطا على الرئيس الأسبق جيمي كارتر اضطرته للدخول في مفاوضات مع نظام المرشد الأعلى رغم تصريحات الأخير حول لعن "الشيطان الأمريكي" .
وفي يوليو 1980 بحث ممثلو واشنطن وطهران في أثينا تطبيع العلاقات الإيرانية الأمريكية، وتقديم الدعم للرئيس كارتر في حملته الانتخابية عبر الإفراج عن الرهائن الأمريكيين، حيث كان على مشارف استحقاق انتخابي خسره في النهاية لصالح منافسه رونالد ريجان.
ووفقا لاتفاق أثينا أرسلت الولايات المتحدة في نوفمبر 1980 كمية ضخمة من قطع الغيار الخاصة بطائرات "إف-4" و"إف-5"، ودبابات "إم- 6" إلى إيران عن طريق تركيا.
وبعد فوز ريجان في انتخابات الرئاسة، تم التوصل في مطلع عام 1981 لاتفاق في لندن، أفرجت إيران بموجبه عن الرهائن الأمريكيين، في حين استمرت الولايات المتحدة في تزويد الجيش الإيراني بالسلاح وقطع الغيار والعتاد.