هل يدفع السودانيون ثمن خلافات "البشير" و"الثني"؟
تشهد العلاقات السودانية الليبية توترا واضحا، عقب الانقسام السياسي الذي طرأ على الساحة الليبية، بين جبهتين، الأولى ذات خلفية إسلامية، وهي حكومة "الحاسي"، الموجودة في طرابلس، المدعومة من مليشيات "فجر ليبيا"، ويربطها بحكومة الخرطوم توافق إيدلوجي واضح، والأخرى هي حكومة "طبرق"، برئاسة عبدالله الثني، المدعومة من قوات القائد العام للجيش الليبي، خليفة حفتر، التي تربطه بالسودان علاقات متوترة منذ ظهوره في الساحة الليبية.
أصابع اتهام
ظلت وتيرة التوتر في ازدياد بين حكومتي البلدين، فحكومة الثني اتهمت الخرطوم بتمويل جماعات مسلحة عبر طائرات تحمل السلاح إلى ليبيا، ولم تخفف زيارته الأخيرة إلى الخرطوم من حدة الاحتقان مع نظام البشير، الذي بدا في معظم الموقف على الحياد، وإن كان أقرب إلى حكومة طرابلس التي تتهم الحكومة الشرعية في طرابلس الخرطوم بدعمها سياسيا وعسكريا.
السودان رفض الحلول العسكرية التي طرحتها مصر والمجموعة الخليجية، وعلى رأسها الإمارات، بشأن دعم الجيش الليبي عسكريا لمواجهة الجماعات العسكرية، وعبر مرارا وتكرار عن تمسكه بالحلول السلمية التي لا تقصى أى طرف من الأطراف، وتستند على الحوار.
كبش فداء
المواقف الرسمية لنظام "الإنقاذ" دفع ثمنها السودانيون المقيمين في ليبيا، الذين يمثلوا إحدى أكبر الجاليات العربية هناك، فحالات الاختطاف والقتل التي تعرض لها أبناء الخرطوم دفعت الحكومة السودانية لبدء عمليات إجلائهم، إلا أن جزء كبير من هذه الأسر رفض الرحيل، وقرر العيش وسط الاشتباكات خوفا من مواجهة المجهول في بلاده.
وبلغ التوتر السياسي بين ليبيا والسودان ذروته عندما اعتقلت السلطات الليبية في شرق ليبيا القنصل السوداني، عبدالرحيم عمر، وهو في زيارة تفقدية للسودانيين المحتجزين في مدينة البيضاء، واقتادته الشرطة الليبية دون تعليق رسمي على الحادث.
تطور نوعي
المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية السودانية، السفير على الصادق، قال في تصريحات صحفية إن الخرطوم استدعت سفيرها من طرابلس احتجاجا على اختطاف القنصل، وطالب حكومة بنغازي بإلإفراج عنه فورا، دون شروط أو تأخير.
وفي هذا السياق، يرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة الأزهري، الدكتور صلاح الدومة، أن "الموقف الليبي باعتقال القنصل السوداني، لم يكن وليد الصدفة، فليس مستبعدا أن يكون ذلك تم على ضوء تحركات كانت تقوم بها القنصلية في بنغازي، ضد توجهات الحكومة الليبية المنتخبة".
وأضاف الدومة لـ"دوت مصر" أن لا يتوقع تردي أوضاع السودانيين في ليبيا إثر الأزمة الأخيرة التي نشبت بين الحكومة السودانية والحكومة الليبية، موضحا أن الجميع يعلم أن الشعب السوداني هو برئ من تصرفات "نظام الإنقاذ"، وأن موقف الخرطوم تجاه الأزمة الليبية ربما يتغير إذا اتجهت الكتلة الخليجية، وعلى رأسها السعودية، لدعم تحرك عسكري عربي تجاه ليبيا.
استياء شعبي
وفي سياق متصل، أكد رئيس الجالية السودانية في طرابلس، حسن الصادق، أن "الأوضاع المعيشية للسودانيين في ليبيا جيدة دون تأثر من الأوضاع"، وشدد على أن السودانيين يلاقون ترحيبا في كل مكان من أرض ليبيا.
وأكد "الصادق"، في اتصال هاتفي من طرابلس لـ"دوت مصر"، أن الجالية مستاءة من حادثة خطف القنصل السوداني، وتمنى سرعة حل الأزمة في أقرب وقت ممكن، لافتا إلى عدم وجود نية لدى الجالية السودانية لمغادرة الأراضي الليبية، في ظل المعاملة الحسنة التي يلقونها من الشعب الليبي، مستدركا: "إذا استدعت الأمور ذلك، سنطالب الحكومة عبر مؤسساتها الرسمية بالتحرك الفوري".
رسائل واضحة
وعلى صعيد آخر، أكد النائب الأول لرئيس المؤتمر الوطني السابق في ليبيا، والقائم باعمال السفير الليبي في روما، الدكتور عزي الدين العوامي، أن العلاقات السودانية الليبية من الصعب أن تتأثر بأى توتر سياسي في ظل أواصر قوية تربط شعبي البلدين، مشيرا إلى أن الحكومة الليبية تضمن سلامة أي سوداني يوجد على أراضيها، لافتا إلى أن السودانيين لهم مواقف مشهودة في مسيرة الدولة الليبية منذ سنوات طويلة.
وأوضح "العوامي"، في اتصال هاتفي من روما لـ" دوت مصر"، أن "ليبيا تطلب من الحكومة السودانية الحالية دعما واضحا وصريحا للحكومة الشرعية المنتخبة التي ارتضاها الشعب الليبي"، واستكمل: "الليبيون لن يقبلوا أن يحكموا بقوة البارود والسلاح، ونحن لا نحترم من لا يحترم شرعية وإرادة شعبنا".