التوقيت الثلاثاء، 05 نوفمبر 2024
التوقيت 05:53 م , بتوقيت القاهرة

فيديو| برواية أحمد ماهر: 6 إبريل التي لا نعرفها

في مثل هذه الأيام منذ 7 سنوات، كان الاستعداد والتجهيز لإضراب 6 أبريل، التحرك العمالي الشبابي، الذي أثر في سير الحركة السياسية في السنوات اللاحقة، لكونه حجر الأساس في تكوين حركة من أهم الحركات الشبابية المصرية في السبع سنوات الأخيرة، والتي يقبع مؤسسها "أحمد ماهر" خلف جدران السجن الآن، إنها حركة شباب 6 إبريل.


قرأ "دوت مصر" مدونة أحمد ماهر الشخصية، ووجه له أسئلة عن تأسيس الحركة، وأجاب بكلامه الشخصي من مدونته، فكان لنا معه هذا الحوار التخيلي..


متى بدأت فكرة إضراب 6 إبريل 2008؟


بدأت الفكرة من الأساس من عمال "غزل المحلة"، ولم تكن الفكرة سياسية، بل فكرة نابعة من تجربة إضراب عمال المحلة للغزل والنسيج في عام 2007، ومن تجارب النضالات العمالية في بديات 2008، مثل إضراب عمال "الضرائب العقارية"، و"غزل شبين"، و"صيادي البرلس".




ما هي إرهاصات تشكيل حركة 6 أبريل؟


تم تأسيس حركة "تضامن" في نهايات 2007، لتكون حلقة الربط بين النضالات الفئوية الناجحة، وكنت أحد مؤسسي الحركة، للتواصل مع التجارب العمالية الناجحة، ونقل التجارب النضالية من مصنع لمصنع، وتقديم الدعم الإعلامي والقانوني للتجارب الجديدة.


هل كان للإنترنت دور في الحشد لهذا الإضراب؟


حدث نقاش كبير وطويل على الإنترنت، وقتها لم يكن الـ"فيس بوك" موقع شهير أو مجال للسياسيين، فقد كان هناك مجموعات على "فيس بوك" لحركة كفاية وبعض الأحزاب لا يتعدى أعضائها 20 أو 30 عضوا، وكان هناك منتدى حركة كفاية، بالإضافة لشبكات المدونين، إذ كان التدوين وسيلة هامة ومؤثرة منذ 2004، وكان له دورا هاما في دعم الإضرابات العمالية والنضالات الفئوية في 2007.


كيف تحولت الدعوة من إضراب عمال غزل المحلة فقط إلى دعوة للإضراب العام؟


كان هناك جدال بشأن فكرة تحويل إضراب عمال غزل المحلة إلى دعوة لإضراب عام، بين مؤيد ومعارض، تحمس لفكرة الإضراب العام أحزاب "الغد، والعمل، والجبهة الديمقراطية"، وبعض المدونين والنشطاء، في حين كانت حركة كفاية غير متحمسة للدعوة لإضراب عام، كذلك العديد من الحركات اليسارية والمراكز الحقوقية لدعم العمال، وكانت وجهة نظرهم أن تسييس الإضراب سوف يضر بالعمال.


كيف كان انتشار الدعوة للإضراب؟


كان الانتشار محدود في نطاق النشطاء والمدونين وشباب الأحزاب، وكنت أرسل رسائل نصية قصيرة بشكل عشوائي بها دعوة للإضراب على كل الأرقام المسجلة على تليفوني، وتلقيت مكالمة هاتفية هامة من الصديقة إسراء عبدالفتاح، تسألني "إزاي  ننشر الدعوة أكتر يا أحمد؟".


إلى أي شئ توصلت مع إسراء عبدالفتاح؟


فكرنا فى استخدام الـ"فيس بوك" في الدعوة للإضراب، فتم إنشاء جروب للدعوة للإضراب العام وفوجئت بانضمام الآلاف، وكانت مفاجأة كبيرة لي ولإسراء، إذ أن أصدقائنا على "فيس بوك" اللذين دعوناهم للانضمام للجروب محدودين، وكان النشطاء وشباب الأحزاب اللذين انضموا للجروب في بدايته لا يتعدوا عشرات الأفراد، وفي أيام معدودة أصبح من أكبر الجروبات على الـ"فيس بوك" في مصر.


كيف كانت صياغة الدعوة على "فيس بوك"؟


كان الخطاب بسيط، يبتعد عن أي خطاب سياسي مباشر أو أي أمور قد تؤدي لخوف الجمهور أو نفورهم، وكان جروب الدعوة للإضراب يحتاج لرعاية ومتابعة طول الوقت، ومجهود ضخم في فلترته وحمايته وتنظيم النقاش به، واضطررت لأخذ إجازة من العمل لمتابعة الجروب، وإسراء كذلك، واستعنت بأختي وزوجتي لعمل دوريات لمتابعة الجروب.


وكيف تم نقل الإضراب من الإنترنت للشارع؟


تقابلت مع خالد عبدالحميد عضو حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، ومالك مصطفى، المدون المشهور، في نقابة الصحفيين، وكان الحديث بشأن فكرة نقل الدعوة للإضراب العام من الـ"فيس بوك" للشارع، وبدأنا في الاتصال بشبكات شباب من أجل التغيير في المحافظات للترتيب لنشر الدعوة قبل يوم 6 أبريل، وفي 3 و4 أبريل كانت الدعوة للإضراب العام منتشرة في كل شوارع مصر، وكانت المفاجأة أن الناس العاديين اللذين ليست لهم علاقة بالسياسة أو الإنترنت يعلمون أن هناك إضراب.


ماذا عن بداية الجرافيتي؟


يوم 29 مارس 2008، بدأت في تحويل الدعوة على الجروب من إضراب عام لاحتجاج عام، وتم ابتكار أفكار عديدة مثل الكتابة على العملة، ورسم جرافيتي في الشوارع بشكل غير مركزي، وكذلك إلقاء المنشورات من البنايات العالية، بالاضافة للتجهيز للخروج في مظاهرات ومسيرات مفاجئة من عدة أماكن إلى الميادين الرئيسية في كل المحافظات، وهو نفس التكتيك الذي استخدمناه أيضا في 25 يناير 2011.


ماذا عن دور وزارة "الداخلية"؟


يوم 1 أبريل كان هناك إعلان في غاية الأهمية، إذ حذرت وزارة الداخلية المواطنين من المشاركة في الإضراب، وهددت باعتقال كل من يحرض أو يشارك في تلك الدعوة، وفي مساء 5 وصباح 6 أبريل، تم اعتقال عددا من الشباب المعروف عنهم قدرتهم على قيادة المظاهرات في القاهرة والمحافظات، وقام الأمن بحبس عمال المحلة داخل المصنع وأجبرهم على العمل ورفض الإضراب.


يوم الإضراب.. كان لأهالي المحلة رأي آخر


يوم 6 أبريل 2008، وافق يوم الأحد الذي يفترض أن يكون الأكثر زحاما، لكن المفاجأة أن الشوارع كانت خالية، كانت مفاجأة لي شخصيا، لقد استجاب الناس لدعوة الإضراب، واتصلت بالمحافظات للتأكد، ووجدت أن الحالة واحدة في معظم المدن الرئيسية.


واضطررت للمبيت خارج منزلي؛ واتصلت بي إسراء عبدالفتاح لتعبر لي عن قلقها من اعتقالها ولكني طمأنتها "ما تخافيش مش بيعتقلوا بنات.. أنا اللي هتمسك مش إنتي".


ولكن ما حدث هو العكس، فقد تم اعتقال إسراء أثناء جلوسها على أحد مقاهي وسط البلد، وكل من هو معروف وجهه من "شباب من أجل التغيير" يتم اعتقاله مباشرة، وكذلك كل من يرتدي تي شيرت أسود، وفي هذا اليوم تم اعتقال عددا ضخما من الشباب الذي لم يشارك في أي حدث احتجاجي من قبل، وكانت أول مشاركة سياسية له هو إضراب 6 أبريل.


كما تم فض مسيرة شرق القاهرة والقبض على قياداتها، وكذلك تم اعتقال كل النشطاء المعروفين في وسط القاهرة، وبدأت جبهة الدفاع عن متظاهري مصر في مركز "هشام مبارك" بمتابعة المعتقلين الذين كانت أغلبهم من الشباب الجديد في عالم السياسة الذين تم الإفراج عنهم آخر النهار، مع ترحيل الشباب المعروف للسجون المختلفة، ولكن كان لمدينة المحلة رأي آخر.


وفي المحلة تم إفشال الإضراب العمالي، وتم إجبار العمال على العمل القهري، واعتقل قادة الإضراب مثل كمال الفيومي، وتجول التلفزيون المصري والفضائيات في مصنع المحلة للغزل والنسيج وأجريت حوارات مع عمال يشكرون الرئيس مبارك ويرفضون الإضراب.


ولكن في مدينة المحلة خرج أهالي المحلة للتظاهر مطالبين بخفض الأسعار وزيادة المرتبات، وتجمعوا في ميدان الشون، وبدأ الأهالي في إزالة صور "مبارك" المنتشرة، وكانت هذه أول مرة يكون فيها خروج شعبي عفوي ضده، واستعمل الأمن هوايته في القمع، واستمرت الاشتباكات لثلاثة أيام، فتم اعتقال المئات وإصابة العشرات وسقط بعض الشهداء.




هل كان هناك مخرج لهذه الأزمة؟


بدأت اتصالات وسطاء مع جهاز أمن الدولة، وكان هناك عرضان: الأول، إغلاق جروب 6 أبريل على "فيس بوك"، ثم أسلِّم نفسي، والثاني أن أسلِّم نفسي من أجل إغلاق جروب "فيس بوك"، مع وعود بإمكانية الإفراج السريع بعد ذلك عني وعن المعتقلين، وبالطبع رفضت تلك العروض وأغلقت هاتفي المحمول لتفادي التتبع.


تحدثنا عن 6 أبريل كإضراب، لكن كحركة سياسية، متى بدأ التفكير في تأسيسها؟


كان ذلك في أوائل أغسطس 2005، بعد تقديم مبارك لأوراق ترشحه للفترة الخامسة بعد 25 عاما من الحكم الفاشل والمستبد، التقيت ومجموعة من الشباب المهتم بالسياسة لدراسة أكثر من تجربة ثورية حدثت في السنوات السابقة، وعمل حلقة نقاش للحديث عن تلك التجارب وتفاصيلها وبدايتها ونتائجها وهل نجحت أم فشلت.


ماذا حدث في هذا الاجتماع؟


كان هذا الإجتماع في مركز الدراسات الإشتراكية الذي كان وقتها المركز الرئيسي لاجتماعات شباب من أجل التغير، وبدأت حلقه النقاش بشأن تجارب التغيير، تحدثنا عن الثورة الفرنسية والبلشفية والإيرانية، وثورات أوروبا الشرقية ابتداء من بولندا وتشيكوسلوفاكيا، حتى الثورات التي حدثت قبل الاجتماع بشهور قليلة فى 2004 بأوكرنيا وجورجيا.


ماذا حدث بعد هذا الاجتماع؟


بعد عام تقريبا من هذا النقاش كنت في سجن طره، مع مجموعة من النشطاء السياسيين المعتقليين على خلفية التضامن مع القضاة، بشارع عبدالخالق ثروت في أبريل 2006، وكان في هذه الحبسة العديد من الشخصيات الهامة في الحراك الشبابي قبل وبعد "25 يناير"، منهم على سبيل المثال، كمال خليل، علاء عبدالفتاح، أحمد الدروبي، محمد الشرقاوي، فادي إسكندر، مالك مصطفى، أكرم الإيراني، محمد عادل، وائل خليل، ساهر جاد، الدكتور جمال عبدالفتاح، إبراهيم الصحاري، كريم الشاعر، وعشرات الشباب المنتمي لـ"كفاية" أو حركة التغيير عموما.


دار نقاش بيننا في الزنازين بشأن كيفيه التغير؟ وهل سنستطع فعلا أن نقوم بثورة في يوم من الأيام؟ وكيف سنحصل على جماهير في ظل ذلك التعتيم الإعلامي والتشويه والقبضة الأمنية، وكان يشوب النقاش بعض الإحباط، حتى أن بعض الشباب كان قد كفر بالحل السلمي، و قال أحد الشباب يومها باكيا إن النضال السلمي لن يؤدي لأي شيء.


هل اقتنعتم بعدم جدوى الحل السلمي؟


أتذكر كلمات وائل خليل يومها الذي رفض فكرة التخلي عن النضال السلمي، وحذر بشدة من تسلل الإحباط لنا وتحدث عن تجربة الجماعات الإسلامية والجهادية التي استخدمت العنف لتغيير النظام، فما أدى عنفهم إلى عنف أكبر من الدولة، واستطاع النظام استغلال عنف الجماعات المسلحة لإفقادهم أي تعاطف مع قضيتهم إن كان هناك قضية.


ولكن في هذا اليوم خرجت بنتيجة هامة جدا، وهي ضرورة وجود تنظيم يقود الحراك الفترة القادمة، تنظيم شبابي قوي يقود الحراك السلمي المستمر ويساعد على تشجيع الجماهير ويحثهم على تحدي نظام مبارك من أجل المطالبة بالحقوق، بحيث تحدث الثورة بمجهود هذا التنظيم، وباقي المجموعات والأفراد.


من كان يصلح ليكون هذا التنظيم؟


للأسف الشديد لم يكن حال حركة كفاية على ما يرام، ولم تستطيع التوسع في هذه الفترة، ولم يكن مسموح بأي نشاط فيه تواصل مع الجماهير، ومسموح فقط ببعض المؤتمرات والوقفات المحدودة على سلالم نقابة الصحفيين.


وماذا كان الحل؟


كان لابد من وجود حركة جديدة تقود الحراك السياسي نحو الثورة، تنظيم له قواعد وله رؤية، لذلك كان لابد من إنشاء 6 إبريل، حركة شبابية يتم إنشائها بعد زخم وحدث ضخم، حركة منظمة تعمل بتخطيط وليس مجهود عشوائي.


ما هي أول دعوة بعد 6 أبريل 2008؟


دعيت لإضراب لم ينجح يوم 4 مايو، وتم اعتقالي وقتها من أمن الدولة في لاظوغلي، بهدف كسري نفسيا، وبعد مرور تلك الفترة العصيبة، والنجاح في الحفاظ على جروب "فيس بوك"، وبدء التجهيز لتأسيس حركة شباب 6 إبريل، لم تكن الأمور سهلة، لكن كان الرائع هو وجود مجموعة من الشباب، الذي لم يخاف ما حدث يوم 6 إبريل وما بعدها من اعتقال وقمع ولم يرهبهم ما حدث لي فى جهاز أمن الدولة من تعذيب وانتهاكات وإهانات.


حدثني عن التأسيس؟


طرحت فكرة إنشاء الحركة على الجروب، واقترحت أن نخرج للنور وللحياة الواقعية، ووجدت من يتحمس للفكرة ويعلن أنه سيساهم فيها رغم القمع، وكانوا عشرات رغم أن جروب "فيس بوك" تجاوز الـ70 ألف عضو، ووجدت من يرفض فكرة الظهور للعلن والخروج من العالم الافتراضي، ويرفض الانضمام.


لكن ظهر من اقتنع بالفكرة وقرر العمل على انجاحها رغم القمع والاعتقال، مثل باسم فتحي، أسماء محفوظ، عمرو علي، أمل شرف، محمد محمود، ندى طعيمة، وميدزى النديم، خالد المصري، مصطفى ماهر، محمد عادل، مصطفى البحيري، محمد عاطف، رامي السويسي، محمد سامي، إنجي حمدي، وعشرات من الشباب المتحمسين الذي يمثل أول مجموعة اقتنعت بالفكرة والحلم وساهموا في تحقيقه.


وبعضهم الآن لايزال في الكيان وبعضهم فَضل أن يكمل حلمه في مكان آخر، وفي 28 يونيو 2008 كان أول نشاط رسمي للحركة، إذ نظمنا مظاهرة أمام نقابة الصحفيين ضد سياسات مبارك ونظامه، ونظمت الحركة أول مؤتمر صحفي لها "مؤتمر التأسيس" شرحت فيه ماهيتها وأهدافها.