التوقيت الإثنين، 23 ديسمبر 2024
التوقيت 08:15 ص , بتوقيت القاهرة

المرأة والنبي

  النساء أول من يدخل الجنة


في صحيح مسلم يتحدث الرسول (ص) للناس ويقول، أريتُ الجنةَ، فرأيتُ امرأةَ أبي طلحةَ، رميصاء، ثم سمعتُ خَشْخَشَةً أمامي، فإذا بلالٌ»


في النظرة الأولى لجنة المسلمين، والتي رآها النبي بالغيب، كان أول ساكنيها، امرأة، ورجل من ضعفاء القوم، كان عبدا في الجاهلية. ليعلمهم أن الجنة ليست حكرا للرجال، أو عضوية خاصة للنبلاء في الدنيا. وطالما أن هؤلاء دخلوا الجنة، التي هي أعلى مرتبة دينية، فهم في الدنيا ليسوا أقل مكانة بين الناس.


لو عدنا إلى العهد الأول للإسلام، نجد أن كتب التاريخ ذكرت لنا اسم 1000 صحابية عاشت حول الرسول. وهو رقم كبير بكل المقاييس، وينم على اختلاط وحركة وتواجد وتأثير. وكتب التراث تذكر لنا اسم كل واحدة وعائلتها وبعض المواقف الاجتماعية والأسرية عنها.


فلو التزم هذا المجتمع بالحجب الكامل للنساء أو الإهمال المطلق، أو التعامل معها على أنها عورة، لما وصلنا ذكر أكثر من ألف امرأة. مع العلم أن هناك عشرات الآلاف من الرجال في هذه الفترة الذين لا نعلم عنهم شيئا. فالنبي مات عن 100 ألف رجل. ولم يورد التاريخ اسم سوى عشرة آلاف فقط.


وفي بعض الغزوات كانت المرأة تخرج للمشاركة في صفوف الجيش وكان النبي يقطع لهن نصيبا من الغنائم مساويا لنصيب الرجال.


ويروي الحديث أن عائشة زوج النبي وأم سليم كانتا تهرولان وسط صفوف الرجال مشمرتين حتى بانت موضع الخلاخل في أقدامهن. لاحظ أنها تجري وتهرول، وتتدافع بين الرجال، وتشمر عن ساقها كي تسهل عليها الحركة. ولم يتوقف أحدهم عند تلك الملحوظة التافهة، وهل ظهور جزء من قدمها عورة أم لا، طالما كانت الناس تتحرك في مهمة أكبر.


وفي غزوة أحد عندما انكشفت صفوف المسلمين وتراجع كبار الصحابة عن القتال، ولم يثبت إلا قلة قليلة تعقد دائرة مغلقة حول الرسول حتى لا يصبه ضرر، كانت احدى المقاتلات ضمن هذه الدائرة امرأة، نسيبة بنت كعب. وقال الرسول بعدها "ما التفت يمنة ولا يسرة إلا وجدتها تدافع من دوني".


وبعد الجمع الأول للقرآن الكريم، عقب وفاة الرسول، وفي عهد أبي بكر، حيث كان المصحف مفرقا على الرقاع والصخور والجلود. جمع المسلمون تلك الصحائف ووضعوها للمرة الأولى بين دفتي كتاب واحد، حفظوا تلك النسخة عند امرأة هي السيدة حفصة. رغم أهمية وخطورة المسألة. فهو الكتاب المقدس الأول لدينا في نسخته الوحيدة.


وفي بيعة العقبة، جعلهم النبي يختارون 12 نقيبا يتحدثون باسم الناس وينوبون عنهم. وكانت من بينهم امرأتان. جعلها النبي ممثلة عن نفسها وطرفا أصيلا في العقد لا ينوب عنها أحد، وهي صورة أولية لممارسة الحقوق السياسية والاجتماعية والحق في الاختيار.


وفي عهد الخليفة عمر عين امرأة تدعى "الشفاء" كمحتسبة تراقب الأسواق. وهي وظيفة تنفيذية كبرى لا يستهان بها. وحديث ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة. لا يستقيم سياقه ولا متنه ولا سنده. فالراوية أبو بكرة، مجروح لأنه جلد في حد القذف. ولم يقل الحديث إلا في مناسبة سياسية وهي موقعة الجمل حتى يصرف الناس عن عائشة. ثم الحديث قد قيل في مناسبة خاصة بالفرس، عندما مات ملكهم وكانوا في حروب متوالية تستدعي ملكا قويا، فاختلفوا فيما بينهم وانتهوا إلى أن يولوا ابنته الصغيرة التي لا تملك أي خبرة بالحكم وشؤون المملكة وقيادة الجيوش، خروجا من الأزمة. وذاك كان أسوأ قرار في تلك المرحلة التي تحتاج ملكا قويا يقود الجيوش ويحمي البلاد. 


ولو تتبعنا الدسائس التي جاءت عن المرأة في كتب السنة نجدها لا تستقيم مع نصوص ثابتة في القرآن والواقع العملي الذي عاشه الرسول عليه الصلاة والسلام، ونجد أنها من دسائس اليهود والفرس وأصحاب المذاهب البالية الذين اعتنقوا الإسلام في مرحلته الإمبراطورية ولم يتأدبوا بآدابه ودخلوا له محملين بتراثهم السلبي والمشوه عن المرأة.


زوج بريرة: 
لدينا في التاريخ الإسلامي قصة تروى تحت هذا العنوان، زوج بريرة، فنسب الرجل إلى زوجته وليس العكس. وبريرة كانت امرأة في زمن الرسول تركت زوجها بلا رجعة، فكان يمشي وراءها في الشارع يبكي حتى تبتل لحيته ويرق قلب الناس له. فرآه النبي وعجب لحاله. وقرر أن يتدخل في الأمر، فذهب لبريرة زوجته وحاول أن يعيدها إلى الرجل المسكين الذين يبكيها ليل نهار، فقالت بريرة للرسول هل تأمرني يا رسول الله؟ فقال عليه الصلاة والسلام، لا ولكني شفيع. قالت، لا حاجة لي فيه.


جارية، حديثة السن، ولا يملك النبي حيالها أن يجبرها على شيء، وترد شفاعته،  ولا يرق قلبها لدموع زوجها الذي يمشي وراءها في الطرقات. لم يقل لها النبي "من باتت وزوجها غاضب عليها باتت تلعنها الملائكة" أو ساق لها الوعد والوعيد ونار الجحيم لأنها أطاعت مشاعرها وتركت البيت.  


فتاة وأبوها:
وفي مرة حضرت فتاة إلى الرسول تشكو أبيها الذي زوجها من ابن أخيه الثري  ليرفع به خسيسته. فارسل النبي وأحضر أباها وزوجها وأعطاها حق طلب الطلاق. فقالت الفتاة، قد رضيت يا رسول الله ولكن كي يعلم الآباء أنه ليس لهم على بناتهن من شيء.


فهذه الفتاة تلقن أباها درسا قاسيا هو وكل الرجال في مقامه. والرسول ينتصر لها ويضع كلمتها وإرادتها فوق إرادة رجلين.. أب وزوج.


فرق كبير بين ما أراده الإسلام، وما أراده الفقهاء.. وشتان بين ما دعاهم الإسلام له وبين ما فرضته عليهم الأعراف والتقاليد السائدة.